فالتنظيم مهما نضج سيظل يفكر بعقلية التنظيم والذي يتخذ في الحالة التركية كمجرد غطاء خارجي لطموح أكبر من إخوانية العالم الإسلامي
دعنا نقول بدون مقدمات المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وباقي دول التحالف العربي جعلت الأمر واضحا في من يقود العالم العربي اليوم، والخيار مفتوح لباقي الدول للمشاركة أو التخلي عن الركب، ولن يكون اللحاق به سهلاً في المستقبل إذا ما ثبت ركونه بدماء طاهرة سالت على الأرض وتضحيات مالية ضخمة هي ضريبة زعامة الوطن العربي، وهو ثمن بخس لوقف الخطر القادم من القريب والبعيد، فهل وصول مقاتلات سلاح الجو الملكي السعودي إلى قاعدة إنجرليك الجوية في تركيا، وأثار احتمال توغل تركي سعودي مشترك هو بداية فرض المملكة نفسها كقائد مؤقت للأمة العربية وبالمشاركة مع تركيا التي لا تخجل في إعلان طموحها في زعامة العالم السني وما يأتي مع ذلك من تداعيات.
فالتنظيم مهما نضج سيظل يفكر بعقلية التنظيم والذي يتخذ في الحالة التركية كمجرد غطاء خارجي لطموح أكبر من إخوانية العالم الإسلامي، وهو ما خدع حتى التنظيم الدولي للإخوان والخدعة مستمرة، ولكن تركيا لا تفكر في الفتات، كما أن طموحها القومي مستحيل فصله عن فكرة الدين وعودة حدود تركيا التاريخية، فكانت تدعم مصر مرسي بالأمس، واليوم لا ترى جدوى من التقارب مع مصر السيسي، ومن يعتقد أن ذلك الموقف هو نتيجة ميول تنظيمية لفصيل إسلامي فهو لا يقرأ الأهداف التركية في العمق الإسلامي الذي لم يخلع ولن يخلع بدلة أتاتورك ويبدلها بعباءة السلطان، فالسلطان القادم سيلبس البدلة الفرنسية ويتناول العشاء مع الصهيونية العالمية بل الماسونية بلا تردد.
حسابات متشابكة وخطوات لا رجعة بعدها والنتائج لن تكون وسطية وستكون على النقيضين وتغير ميزان القوى عن طريق مسح معاقل المتمردين الرئيسية على طول المحور الأساسي للصراع أو نسف المقاومة الشعبية وتعطيلها وشن هجمات على القوات الكردية في سوريا ومنع تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين وعمليات نوعية بأعداد قليلة تخصصية تقوم بعمليات جراحية عسكرية إن صح التعبير لاستئصال خطر داعش، وفي نفس الوقت لا يمكن أن نغفل تقدير الموقف الكلي من حيث المخاطر والفرص المتاحة، فداعش كتنظيم هو الأغنى والأكثر تسليحاً في تاريخ التنظيمات الإرهابية في التاريخ وله علاقات غير معلنة مع أطراف عديدة تسيّر الموقف السوري بين التصعيد والتهدئة.
فالمستنقع الروسي الأمريكي الإسرائيلي الإيراني لا مفر منه في حالة التدخل ناهيك عن تخلي بعض الدول العربية عن التحالف العربي كمصر وهي دولة محورية في الجهود العربية لوقف تهديد سيناريو تفاقم الوضع السوري وتأثيره على دول الجوار والعالم العربي ككل، فلا غرابة أن يستنكر مسؤول رفيع المستوى من الجانب المصري احتمال التدخل السعودي البري في سوريا، فمصر تدار بمنطق وتقديرات أرى أنها سلاح ذو حدين وهناك بوابات جحيم يستطيع أن يفتحها من يفاوض مصر اليوم خلف الكواليس متى ما اتخذت موقفا مغايرا لمصالحه، وهكذا هي السياسة مهارة اتخاذ القرار الحاسم في الوقت المناسب لكسب أقل عدد من الأعداء، كون العداوة هي أمر طبيعي في منظومة السياسة ويبقى الخيار في درجة العداوة ومدتها والصداقة ومدتها والحيادية التي تميل دائماً لأحد الخيارين مع الحذر من أن تتحول لعداوة ميدانية أو صداقة لا تخدم المصالح القومية للجانب المراهن على استراتيجية الحيادية.
فالوحدة الترابية السعودية ودول الخليج والعالم العربي على حد السواء ترتبط ارتباطاً وثيقاً بما يحدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا في حساب التفاضل والتكامل الجغرافي السياسي، ومن جهة أخرى أنقرة ستكون مترددة في التحليق فوق المجال الجوي السوري في هذه المرحلة، والخيار السعودي يأتي في الصورة من خلال قوة التدخل السريع، ودعم القوات الجوية الملكية السعودية لعمليات توغل تركية محدودة، ويظل تهديد الدفاع الجوي الروسي في شمال سوريا قائما، ولن تخاطر أنقرة والرياض في الدخول في مواجهة مباشرة دون أن نغفل دعم أمريكا وروسيا وغيرها لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ولذلك تركيا مهتمة بردع تقدم قوات الحزب وتدفق اللاجئين لأراضيها، في حين أن السعودية والحلف العربي سيهتم بالقضاء على القوى الضاربة البشرية والتسليحية وتدفق الموارد الاقتصادية لداعش، مما سيثير غضب الكرملين وطهران والمزيد من التصعيد وتمهيد الأرض لتوافق دولي حول مستقبل سوريا وهو حتمية التقسيم.
ومن جهة أخرى يعد الأسد الآن أكثر شعبية من أي وقت مضى في الثلث تقريباً من سوريا وروسيا ستدعمه بقواتها البحرية، فضلا عن نظام صواريخ مضادة للطائرات من بين الأكثر تقدماً دولياً، وإيران تتواجد قواتها البرية بقوة، وعليه أي محاولة لإسقاط الأسد في المستقبل تعني الحرب على روسيا وإيران وتعزيز العلاقات مع حزب الله في لبنان، والموقف السعودي الخليجي الأخير من موقف لبنان المتفرج من سياسة وعدائية حزب الله الدبلوماسية وتغلغله غير الصحي في منظومة السيادة الأمنية والسياسية ومواجهة المملكة وقوات التحالف الدولي لداعش والتنسيق مع جميع الأطراف في الميدان المشغولة بالمواجهة، وضمن ذلك النسيج المليشيات الكردية والتي تعتبر حالياً القوة الأكثر فعالية في سوريا ضد داعش، ولكن هل ترى تركيا هذه الميليشيات كشريك محتمل في الحرب ضد داعش؟
فالمشكلة الرئيسية مع احتمالية العمليات البرية المواجهة المتوقعة مع الجيش السوري واحتمال الاحتكاك مع القوات الروسية والإيرانية، وفي تقديري الشخصي السعودية تتصرف كقوة إقليمية بذكاء شديد، وكل هذه المناورات ضغوط تمارسها لعدم ترك الساحة لإيران وغيرها، وستكون أكثر من سعيدة لرؤية الولايات المتحدة تدفع إيران للخروج من سوريا، وخاصة في الأوضاع الاقتصادية الحالية في العالم والمصاريف العالية التي أثقلت كاهل جميع الاطراف في صراع اليمن، وأهمية تلك الخطوة للجانب الأمريكي، وهو ما سيحدّ بدوره من التواجد الروسي في المنطقة، فلمن ستقرع الأجراس وهل هي نهاية القصة أم مجرد البداية ولم نصل حتى لبدايات الذروة بعد.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة