تراجع عجز الميزان التجاري المصري إلى 6 مليارات و591 مليون دولار خلال الربع الأول من العام الحالي مقابل 12 مليار و260 مليون دولار خلال الربع الأول من عام 2016
تراجع عجز الميزان التجاري المصري إلى 6 مليارات و591 مليون دولار خلال الربع الأول من العام الحالي مقابل 12 مليار و260 مليون دولار خلال الربع الأول من عام 2016، بما يمثل انخفاضاً في عجز الميزان التجاري تبلغ نسبته 46.24%. وقد حققت الصادرات المصرية خلال الربع الأول من عام 2017 ارتفاعا بنسبة 15.3%، مقارنة بنفس الفترة من عام 2016، بينما في المقابل انخفضت الواردات بنسبة 29%.
وتشير النتائج السابقة إلى فعالية أعلى بكثير لخفض الواردات مقارنة بزيادة الصادرات في خفض عجز الميزان التجاري المصري. وبينما يشير البعض إلى تلك النتائج باعتبارها نجاحا لبرنامج الصندوق، فإننا نذكر أن برنامج الصندوق وخاصة عبر تعويمه لسعر صرف العملة المصرية يعد بالنجاح في تحقيق معدلات نمو جيدة وتوفير فرص العمل عبر تدفق رأس المال الأجنبي وزيادة القدرة التنافسية للصادرات المصرية، أي أن الصندوق يتوقع فعالية أعلى بكثير لزيادة الصادرات.
تعويم سعر صرف العملة المصرية نجح في تحقيق معدلات نمو جيدة وتوفير فرص العمل عبر تدفق رأس المال الأجنبي وزيادة القدرة التنافسية للصادرات المصرية
أما في الواقع العملي فقد أدى تعويم سعر صرف الجنيه المصري إلى تحقيق ارتفاع كبير في أسعار الواردات، وهو ما أدى إلى انخفاض كبير فيها. والأهم من وجهة نظرنا أنه يترتب على هذا الأمر فرص عالية للربحية في إنتاج مئات بل وآلاف السلع التي كان يتم استيرادها في السابق قبل عملية التعويم، وهي فرص ينبغي سرعة استغلالها. فالتعويم عمليا يلعب نفس الدور الذي لعبه رفع سقف الحماية الجمركية الذي لجأت إليه العديد من البلدان النامية في السابق لتشجيع عملية التصنيع ضمن ما يسمي بسياسة "الإحلال محل الواردات".
ومن أهم الاعتبارات المشجعة لسياسة الإحلال محل الواردات توفر جدول واضح للطلب بحيث يمكن الشروع في إنشاء العديد من الصناعات وفقًا لحجم الطلب القائم، ومع توفر المعرفة بمعدل نمو الاستهلاك كما جرى خلال السنوات الماضية. باختصار هناك فرص كبيرة لإقامة صناعات تضمن تسويق منتجاتها في السوق المحلي.
ويمكن لمصر تحقيق تقدم في عدد من الفروع الصناعية وحدها، كما يمكنها التكامل في إقامة عدد آخر من الفروع بالتعاون مع المستثمرين العرب أو الأجانب. إذ أن مناط القدرة على التعامل مع الجميع هو مدى توفر فرص جيدة للربحية أمام تدفقات رأس المال الخارجي المباشر (العربي وغيره)، أي عدم ارتباط هذا التدفق بعوامل سياسية، بل بحوافز اقتصادية في الأساس.
ولا جدال أن الدعوة لا تذهب إلى تصنيع كل شيء مستورد، فذلك فوق الإمكانيات الراهنة للاقتصاد المصري سواء الإمكانيات المالية أو التكنولوجية أو حتى المهارات المناسبة لدى قوة العمل الوطنية، أو الخبرة الإدارية المطلوبة. مع ذلك هناك العديد من السلع التي يتم استيرادها من الخارج يعد بعضها غير معقد تكنولوجيا يمكن إنتاجه على الفور، وبعضها الآخر لا يحتاج للكثير حتى يمكن إجادة صنعه. ونؤكد هنا على أن حصة الواردات في تغطية الاستهلاك المحلي من مختلف السلع ضخمة للغاية، والعجز الأكبر في ميزان المدفوعات هو للعجز في الميزان التجاري الذي دار حول 40 مليار دولار في المتوسط خلال السنوات الماضية، حيث لم تكن الصادرات تغطي سوى نحو ثلث الواردات فقط.
والأمر المهم أيضًا ألا يتم التركيز كما حدث مسبقًا على حلقة إنتاج السلع الاستهلاكية وتجاهل ضرورة إحداث تكامل بين حلقات التصنيع على مدار الزمن. أي الانتقال من إنتاج سلع الاستهلاك إلى إنتاج السلع الوسيطة ثم إنتاج المعدات والآلات على مدار فترة زمنية محددة، ستكون بكل تأكيد طويلة نسبيًّا. ومن هنا ضرورة توفر الرؤية الاستراتيجية، وإلا سوف ينتهي الحال كما حدث مسبقًا إلى تنشيط ما يسمى بصناعات "ربط المفك" أي استيراد أجزاء السلعة من الخارج والاكتفاء بتجميعها فقط في مصر. وهذا النمط من التصنيع في الحقيقة آثاره السلبية صناعيًّا وتجاريًّا ربما تفوق الآثار السلبية لاستيراد السلعة كاملة. هذا بالطبع إلى جانب التأكيد على البعد عن الثنائيات الساذجة بوضع سياسة الإحلال محل الواردات في مواجهة سياسة التصدير، بل ينبغي أن يتم تبني هذه السياسة مع السعي لتكامل السياستين عبر الزمن، كما فعل المتقدمون صناعيًّا سواء تاريخيًّا أو حديثًا في شرق آسيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة