بهذا الشعار الجميل استقبلت مصر، قيادة وحكومة وشعباً وقيادات فكرية ودينية، بابا الفاتيكان في أول زيارة له لمصر. ازدانت الشوارع والميادين باللوحات المرحبة بقدومه، وسط استعدادات أمنية مكثفة.
بهذا الشعار الجميل استقبلت مصر، قيادة وحكومة وشعباً وقيادات فكرية ودينية، بابا الفاتيكان في أول زيارة له لمصر. ازدانت الشوارع والميادين باللوحات المرحبة بقدومه، وسط استعدادات أمنية مكثفة. كان البابا قادماً لحضور مؤتمر الأزهر للسلام العالمي، لتوجيه رسالة سلام للعالم من الأزهر الشريف، والذي يشارك فيه مجلس حكماء المسلمين برئاسة فضيلة شيخ الأزهر، والأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، وعدد من القيادات الدينية حول العالم، ورئيسة المجلس الوطني الاتحادي أمل عبدالله القبيسي، ومعالي الشيخة لبنى بنت خالد القاسمي وزيرة الدولة للتسامح بدولة الإمارات، والأمين العام للمجلس الوطني للكنائس بالولايات المتحدة، والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وممثل البابا تواضروس الثاني، ورئيس أساقفة القسطنطينية.. إلخ.
وشارك البابا في الجلسة الختامية للملتقى الديني التاريخي بكلمة، قال فيها: لنكرر معاً من هذه الأرض، أرض اللقاء بين السماء والأرض وأرض العهود بين البشر والمؤمنين.. لنكرر (لا) قوية وواضحة لأي شكل من أشكال العنف والثأر والكراهية المرتكبة باسم الدين أو باسم الله.
لقد استقبل المصريون البابا بكل حفاوة، وسط مشاعر الحب والامتنان، وجاءت كلمته قصيدة رائعة في حب مصر، ومكانتها الدينية والحضارية والتاريخية، ودورها الكبير في المنطقة، وبخاصة في مواجهة دوامات العنف، وقال كلمة بليغة ومؤثرة: إن مصر ستظل بلداً لن ينقص فيه الخبز، والحرية، والعدالة الاجتماعية.
جاءت كلمات البابا وشيخ الأزهر وبقية القادة الدينيين، لتؤكد تصميمهم جميعاً على مواجهة العدو المشترك للإنسانية جمعاء: العنف والتطرف، بالحرص على دعم ثقافة الحوار والتقارب والتعاون، وتعزيز المشترك الديني والأخلاقي، ممثلاً في الإيمان بالله تعالى، والعمل الصالح، والحساب والجزاء، والقيم الأخلاقية، وحقوق الإنسان وكرامته، والمبادئ العليا: المساواة، والعدالة، والحرية.
وإذا كان القادة السياسيون، معنيين بالتقارب لمصلحة أوطانهم، فالأجدر بممثلي الأديان أن يكونوا الأكثر حرصاً على الحوار والتقارب، تعزيزاً للمشترك الديني والأخلاقي. كما أنه على رموز الثقافة والفكر والقادة السياسيين العمل الدؤوب على غرس قيم التسامح وقبول الآخر واحترامه في الضمائر، بما يحقق إمكان التعايش والتآخي والتعاون ونبذ الكراهية والتعصب والعنف والعداوة.
جاءت كلمات البابا وشيخ الأزهر وبقية القادة الدينيين، لتؤكد تصميمهم جميعاً على مواجهة العدو المشترك للإنسانية جمعاء؛ العنف والتطرف، عبر دعم ثقافة الحوار وتعزيز المشترك الديني والأخلاقي
لقد أصبح منهج الحوار، ضرورة إنسانية وحضارية في عالم معولم، سقطت فيه الحواجز بين البشر، وزادت فيه احتياجاتهم بعضهم لبعض، وتشابكت مصالحهم، وأصبح الشأن الداخلي مؤثراً في الشأن الخارجي، والخارجي مؤثراً في الداخلي، وصار العالم معنياً بعضه ببعض.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن هناك منهجين للعلاقات بين البشر:
الأول: المنهج الحواري التفاهمي العقلاني، الذي يتجنب الصدام، ويسعى لتوسيع مساحات التفاهم، وتعظيم الإيجابيات المتحققة من التقارب، وإضاءة أوجه الشراكة النافعة بين الأديان والثقافات والحضارات، وتحجيم أوجه الخلاف والتعارض.
الثاني: المنهج العدائي التصادمي، الذي يوظف الدين لخدمة أهداف سياسية وأيديولوجية، ولإحياء النزعات التعصبية، واستدعاء الروح العدائية التاريخية، وتصوير الآخر الديني أو المذهبي أو العرقي، عدواً متآمراً ينبغي نبذه.
ولأن الأديان من عند الله تعالى، وهي نور وهداية للبشرية، فإنها مع منهج الحوار العقلاني، ومبدأ التعايش الإنساني، وضد منهج التصادم والعدوان، مصداقاً لقوله تعالى: "وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا".
إن الله تعالى يريد الخير للبشرية، وما أرسل رسله يحملون رسالته إلا من أجل أن يحب الإنسان أخاه الإنسان.
ختاماً: لا يجوز لنا ترك الساحة لدعاة التصادم والكراهية، بل علينا قطع الطريق على دعاوى استدامة العداوة، حتى لا نخسر أولادنا ومستقبلنا، وفِي هذا السياق يمكن لثقافة الحوار بين الأديان، الوصول إلى أرضية مشتركة تخفف من أسباب التوتر وتعمل على إزالة الركام الثقيل من سوء الفهم وإساءة الظن والتشكيك والارتياب والتشويه، عند كل طرف تجاه الآخر، وذلك يوجب علينا أن نسمو بالدِّين وننزهه عن الأغراض والصراعات السياسية، وأتصور أن الحوار بين الأديان وسيلة إيجابية، لنتعلم كيف نختلف دون أن نتخاصم، أو أن يتهم بَعضُنَا بعضاً.
* نقلا عن “الاتحاد” الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة