يرى البعض أن اختيار عدنان الزرفي لمنصب رئيس الوزراء انتصار للمنهج الأمريكي على المنهج الإيراني والأحزاب والمليشيات التابعة له
بعد انسحاب مرشح رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح، محمد توفيق علاوي لرئاسة الوزارء بعد رفض البرلمان، اضطر إلى ترشيح شخصية ثانية وهو عدنان الزرفي؛ إذ يأتي اختيار هذه الشخصية وسط بحر متلاطم من مصالح الأحزاب والمكونات والمليشيات والنزاعات وملفات فساد ومظاهرات شعبية احتجاجية هادرة.. فمن يكون عدنان الزرفي؟
إنه عدنان عبدخضير عباس مطر الزرفي، ولد في محافظة النجف عام 1966، وحصل على شهادة الدكتوراه من كلية الفقه-جامعة الكوفة. انضّم إلى حزب الدعوة عام 1983، وكان مُداناً بالسجن المؤبد في سجن "أبوغريب" أيام النظام السابق لكنه فّر منه في فبراير 1991، إثر الفوضى التي نجمت عن الانتفاضة التي كان أبرز المشاركين فيها، هاجر إلى مخيم الرفحاء في المملكة العربية السعودية 1991-1994، ومن بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي عاد منها إلى العراق بعد الاحتلال الأمريكي في عام 2003.
يرى البعض أن اختيار عدنان الزرفي لمنصب رئيس الوزراء انتصار للمنهج الأمريكي على المنهج الإيراني والأحزاب والمليشيات التابعة له، فيما يذهب البعض إلى اتهام رئيس الجمهورية باختراق الدستور، أو محاولة انقلاب على الطبقة السياسية الحاكمة
وبعد مرور عام على ذلك، أسس حركة الوفاء العراقية، وعمل عضوا في هيئة الإعمار العراقي، وانتخب محافظا لمدينة النجف على مدى ثلاث دورات، وأثيرت ضده ملفات فساد في إنشاء مطارها ومشروع النجف عاصمة ثقافية. تقلد منصب وكيل مساعد شؤون الاستخبارات في وزارة الداخلية العراقية من عام 2006 حتى عام 2009. وترأس فيما بعد كتلة ائتلاف "النصر" في البرلمان التي تزعمها حيدر العبادي. وهو رجل أمريكا الأول كما تصفه الكتب والأحزاب المتحكمة.
لذلك يرى البعض أن اختيار عدنان الزرفي لمنصب رئيس الوزراء انتصار للمنهج الأمريكي على المنهج الإيراني والأحزاب والمليشيات التابعة له، فيما يذهب البعض إلى اتهام رئيس الجمهورية باختراق الدستور، أو بمحاولة انقلاب على الطبقة السياسية الحاكمة، ولكن في حالة موافقة البرلمان عليه سيكون تكليفه حلا مؤقتا مقبولا من أجل الخروج من حالة انسداد الأزمة العراقية، على الرغم من أنه لا يمثل بالضرورة طموحات العراقيين التي عبّر عنها الشارع العراقي، منذ أكتوبر من العام الماضي. والسؤال المطروح:
هل يمثل عدنان الزرفي المواصفات المطلوبة للحكم والرئاسة؟
أعلن عدنان الزرفي عن وعود كثيرة فيما يتعلق بإخراج العراق من أزمته الحالية، من خلال عدم السير في طريق الموالاة لإيران، إلا أن هذا التوجه يجابه معارضة شديدة من الطبقة السياسية، التي تعتبر ترشيحه بمثابة مؤامرة عليها، خاصة من قبل الكتل الكبيرة المهيمنة، مثل تحالف الفتح وائتلاف دولة القانون وعصائب أهل الحق، وهي تشكّل الغالبية العظمى في البرلمان، وينصّب تبريرتها للرفض في اتهام المرشح الجديد بالميول الأمريكية، وهو اتهام كبير خاصة بعد الضربات الأمريكية الأخيرة على مواقع الحشد الشعبي الموالية لهذه الكتل والأحزاب. وأكثر من ذلك ذهبت هذه الكتل والأحزاب إلى اتهام رئيس الجمهورية باختراق الدستور بترشيحه عدنان الزرفي، في الوقت الذي تؤكد فيها أطراف أخرى بأنه استوفى مقتضيات المادة 76 من الدستور، وفي حال استمرار رفض المرشح الحالي فإن رئيس الجمهورية سيضطر لحّل البرلمان، والدعوة إلى انتخابات عامة حسب المادة 64 من الدستور.
مهما يكن من أمر، فإن المعضلة الجوهرية تكمن في الطبقة السياسية التي لم تنجح في اختيار دولة القانون والتوجه الوطني. لا تزال الكتل السنيّة والكردية تلتزم الصمت إزاء هذا الترشيح، رغم تبعيتها إلى الكتل الكبيرة، لكنها في الوقت نفسه تسعى إلى دعم أي شخصية سياسية قوية قادرة على إدارة الحكم في المرحلة الانتقالية.
وهذا ما يضع أمام المرشح عدنان الزرفي لرئاسة الوزراء مهمة صعبة، وإقامة توازنات دقيقة بين الأحزاب والكتل، التي تسعى إلى الحفاظ على مصالحها في شارع ملتهب بالحراك الشعبي الذي يدعو إلى رحيل الطبقة السياسية وأحزابها. جوهر المشكلة أن الطبقة السياسية الحاكمة لا تمتلك رجال دولة قادرين على تبني مفاهيم وطنية والتزام بمعايير النزاهة، بعيداً عن الطائفية والتبعية. وأكبر دليل على ذلك أن الشخصيات التي توالت على حكم العراق طيلة أكثر من عقد ونصف أمثال إبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبدالمهدي، لم يقدموا أي مشروع سياسي وطني يوحّد العراقيين كافة، وأنتج ذلك ما يُطلق عليه بالدولة الفاشلة في إدارة الحكم.
إن تشكيل حكومة مؤقتة يعكس فشل الأحزاب والمليشيات التي هيمنت على المشهد السياسي، واستأثرت الحكم، دون أن يكون لها القدرة على مواكبة العصر أو تلبية مطالب الشارع العراقي، وتعزيز السيادة الوطنية، وتوفير الأمن والخدمات، ووقف الهدر في المال العام.
هل يستطيع عدنان الزرفي، المرشح الجديد لمنصب رئيس الوزراء، أن يحقق المعايير والقيم السابقة الذكر؟
ليس من السهل على أي مرشح أن يتغاضى عن مصالح الأحزاب والكتل المتحكمة، وولاءاتها الخارجية، ومَنْ يمتلك الجرأة على الخروج عن هذا النطاق سيواجه بالاعتراض الشديد، كما حصل مع المرشح الأول محمد توفيق علاوي، وربما يكرر المرشح الجديد الخطأ نفسه بالانفتاح على الحراك الشعبي، والخروج عن طاعة الأحزاب والكتل الكبيرة، في بحر متلاطم الأمواج كالواقع العراقي الحالي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة