ساحل أفريقيا على فوهة بركان النيجر.. "إيكواس" تبدأ العد التنازلي؟
هل تمتلك دول غرب أفريقيا حقا الوسائل اللازمة لتنفيذ تهديدها بالتدخل عسكريا في النيجر حال رفض الانقلابيين إعادة السلطة للرئيس؟
في الواقع، فإنه نادرا ما كان لهذه المجموعة المعروفة اختصارا بـ"إيكوس"، مثل هذه اللهجة الحازمة التي أظهرتها حيال الجيش النيجري بإمهاله حتى الأحد المقبل لإعادة السلطة للرئيس محمد بازوم.
عكس ذلك، هددت المجموعة بالتدخل عسكريا في البلد الفقير لمنع التداول القسري على الحكم، في تهديد يبدو جديا لدرجة أن رؤساء أركان دول إيكواس سيعقدون، في وقت لاحق الأربعاء، اجتماعا طارئا بهذا الشأن.
أزمة النيجر.. هل تنجح عقوبات "إيكواس" في إنهاء الانقلاب؟
وبحسب مصادر مطلعة، فإن الاجتماع سيضع الاستراتيجية العسكرية في حال إرسال قوات إلى نيامي، ما يعني أن المجموعة ماضية بالفعل في خيار قد يقلب منطقة الساحل رأسا على عقب.
اصطفافات وتحالفات
المجالس العسكرية الحاكمة في كل من بوركينا فاسو ومالي وغينيا كوناكري لم تقف صامتة حيال تهديدات إيكواس، بل بدا الثلاثي منسجما حد التماهي، مهددا بدوره بالرد على أي هجوم على نيامي، كما اعتبر أن أي تحرك من المجموعة يشكل غزوا لأراضيه.
كما هددت الدول الثلاث بالانسحاب من المنظمة تماما بعد تجميد عضويتها عقب الانقلابات العسكرية التي حدثت بها في السنوات الأخيرة،
ويرى خبراء أن هذه الخطوة تفاقم الأزمة وتمثل دعما معنويا كبيرا للانقلابين في النيجر، وتؤكد أن الاصطفاف الإقليمي سيلقي بظلال دولية تصب في صالح الصراع الدولي على المنطقة،
الدكتورة أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بمصر، ترى أن مصالح المؤسسات العسكرية في دول الساحل متطابقة.
وتقول الطويل في حديث لـ"العين الإجبارية": "لا بد أيضا أن يكون هناك إدراك بأن الدول الكبرى تتدخل لصالح مصالحها في المنطقة"، مضيفة أن الضحية هو التداول السلمي للسلطة.
ولفتت إلى أن "المسألة أصبحت صراعات ومصالح، وتلويح مالي وبوركينا فاسو بالتدخل العسكري حال نفذت إيكواس تهديدها، يعتبر مؤشرا قويا على حصار النفوذ الفرنسي بالمنطقة، وفقدان باريس لنقاط ارتكازها بالقارة".
وبحسب الخبيرة، فإن ذلك يرجع إلى نتيجة مقاربات فرنسية خاطئة أصبحت لها نتائج على الأرض، مشيرة إلى أن السيطرة على الموارد تواجه بعداءات عالمية، علاوة على وجود مؤيدين داخليين لمثل هذه الانقلابات، لأنه لم يجدوا من الغرب ما يحفظ مصالحهم.
وبالنسبة لها، فإن "الصراع الداخلي على السلطة في النيجر بدأ في الانحدار إلى مربع الصراع المعلن بين الكتلة الشرقية والغربية، كما أن التوتر الفرنسي الملحوظ يعكس أن كواليس الانقلاب في النيجر شهدت تحولات من الداخل من نظام قديم كان يدين بالولاء لباريس لآخر جديد كان ظاهرا في البداية بدعم هذا التوجه، إلا أن الأمور بدأت تضح أكثر وأكثر بمرور الوقت".
وتابعت أنه "بعدما كان انقلاب القصر هادئا في البداية تحول إلى اعتقالات لكل من يعلن أية اتصالات مع باريس، ما يعكس أن الانقلابيين الجدد بدأوا يعلنون عن توجهاتهم شيئا فشيئا، ويتجسد ذلك في اعتقال رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الطاقة وهو نجل الرئيس السابق محمدو يوسفو".
ارتباط إثني
أما الدكتور أمين إسماعيل محجوب، الخبير الأمني والعسكري بمركز البحوث الاستراتيجية بالخرطوم، فيعتبر من جهته أن تغيير الأنظمة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر تم لصالح إثنية معينة.
ويقول محجوب لـ"العين الإخبارية"، إنه "أصبح هناك ارتباط مصالح له علاقة بالصراع بين فرنسا وروسيا في منطقة الساحل الغنية بالموارد"، مفسرا حديث المسؤولين في مالي وبوركينا فاسو وتلويحهم بالرد عسكريا، على الارتباطات الإثنية والعرقية أكثر من التحالفات الإقليمية والدولية.
وأوضح أن "ذلك بدأ بانقلابات في مالي وبوركينا فاسو بدعم مالي كبير جدا، وحشد لانتخابات النيجر الأخيرة والتي فاز بها محمد بازوم".
ووفق محجوب، فإن الأوراق اختلطت على ما يبدو في هذه المنطقة وتأثرت بما يدور في السودان، مضيفا أن موقعه الجيواستراتيجي يؤثر كثيرا على الجوار الغربي والشرقي، وأن هناك 6 دول حبيسة ليست لديها موانئ تعتمد على السودان وتربطها به تجارة بينية وعلاقات قبلية وثقافية مشتركة، علاوة على توفر الموارد المائية والمعدنية وتوفر الأراضي الخصبة.
وخلص إلى أن هذه التأثيرات قد تنتقل إلى تشاد وإلى ليبيا وأفريقيا الوسطى، مؤكدا أن تهديدات مالي وبوركينا فاسو بالتدخل تشكل محاولة لدرء الأخطار عن شعوبها.
رسالة مضادة
يرى الدكتور محمد شريف جاكو، الخبير التشادي في الشؤون الأفريقية أن مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري استنكرت قرارات مؤتمر أبوجا الأخير لمنظمة إيكواس.
ويقول جاكو لـ"العين الإخبارية"، إن مدى تأثير هذا الإعلان يتلخص في أن هذا التصريح يعتبر دعما معنويا كبيرا لشعب النيجر، ويدفع نحو انقسام دول إيكواس في خطوة لن تكون لصالح الطرفين.
وتابع أنه من المعروف أن هناك تعليق لعضوية هذه الدول إضافة إلى أنهم هددوا بالانسحاب نهائيا من المنظمة ما سيجعل دول إيكواس ستفكر جيدا قبل اتخاذ مثل هذا القرار بالتدخل،
وهنا، تكمن الرسالة القوية لفرنسا، وفق الخبير، في أن "للنيجر أصدقاء وسندا يتجاوزون الدول الثلاث ومن خلفهم، وبالطبع معروف من خلفهم"، مؤكدا أن فرنسا تعي جدا ذلك وأنها لن تخطو خطوة غير محسوبة.
وموضحا الجزئية الأخيرة، قال إن أي إخفاق في عمل عسكري في النيجر سيكتب نهاية فرنسا في منطقة غرب أفريقيا.
واعتبر أن شعوب القارة "باتوا الآن أكثر تضامنا من ذي قبل، ولا يرون أن ما يجري في النيجر يخص الشعب النيجري فقط، إنما يخص جميع الشعوب الأفريقية المتطلعة إلى الاستقلال الذاتي من القوى الغربية".