إنفانتينو عاتب أفريقيا على أنها خذلت الأسطورة بيليه، بل وقدح عائلة كرة القدم بأفريقيا، لأنها فتحت الجيوب والمغارات ليستوطن فيها الفساد
لست أدري إن كان الجوهرة السوداء بيليه قد ندم أم لا على أنه خرج قبل عقود من الزمن، وقد تفرج على منتخب الكاميرون يقارع سادة العالم في كرة القدم، ويبلغ بدرجة عالية من الإبهار الدور ربع النهائي لمونديال إيطاليا 1990، ليبشر عائلة كرة القدم بأنه لم يتبق الكثير من الزمن ليعتلي منتخب أفريقي عرش العالم ويرفع الكأس الكونية؟
عاتب إنفانتينو أفريقيا على أنها خذلت الأسطورة بيليه، بل وقدح عائلة كرة القدم بأفريقيا، لأنها فتحت الجيوب والمغارات ليستوطن فيها الفساد، ووهبت لمصاصي الدماء وللمتاجرين في الأحلام الفرص، لكي ينهبوا ثروات القارة
فالأسطورة تنبأ بما أحس أنه قطار قادم من الجنوب بسحر لا يقاوم، فقد رأت عيناه منتخباً جزائرياً يصيب "المانشافت" بالذعر في مونديال إسبانيا 1982، ثم رأى بعد 4 سنوات منتخباً مغربياً يتصدر مجموعة الموت بمونديال المكسيك سنة 1986، وقد أخضع سادة أوروبا وقتذاك.
إلا أن لا شيء مما توقعه بيليه حدث، فإلى اليوم لم يصل أي منتخب أفريقي لمربع المونديال الذهبي، ليس لأن أفريقيا لا تحتكم على المهارات الفردية التي بمقدورها قيادة منتخب أفريقي للظفر بكأس العالم، ولكن لأن حوكمتها توجد في درجات متدنية، ولأن تدبير كرة القدم في كثير من بقاعها، يتولاه فاسدون ومرتشون وفاقدو القدرة على إبداع الحلول.
أذكر أن الأسطورة صامويل إيتو يوم خرج أسود الكاميرون بشكل صاغر وصادم من مونديال 2010 بجنوب أفريقيا بصفر نقطة، قال غاضباً وهو يرد على سؤال حول التناقض الرهيب بين مؤداه مع برشلونة ومع منتخب بلاده: "هناك بأوروبا نسير بطريقة احترافية لا يترك معها شيء للصدفة، وهنا نسير بطريقة هاوية، كل شيء يؤسس على المزاج، والمكان هو للجهلاء وللصوص".
هذا الذي أطلقه صامويل إيتو من عيارات ناسفة كشفت حقيقة الوضع، وهذا الذي حورب بسببه إيتو وهدد بالقتل، بل وجرى تخوينه من أبناء وطنه، هو ذاته الذي قاله رئيس الفيفا إنفانتينو، عندما دعي لافتتاح ندوة "تطوير المسابقات والبنى التحتية بأفريقيا" بالمغرب، لقد كسر كل علامات التشوير الدبلوماسية، وحطم لغة الخشب التي سادت لزمن، وقال في أفريقيا ما هي حقائق موجعة، بلا رياء وبلا تنميق.
عاتب إنفانتينو أفريقيا على أنها خذلت الأسطورة بيليه، بل وقدح عائلة كرة القدم بأفريقيا، لأنها فتحت الجيوب والمغارات ليستوطن فيها الفساد، ووهبت لمصاصي الدماء وللمتاجرين في الأحلام الفرص، لكي ينهبوا ثروات القارة، وأساءت لنفسها عندما قبلت بتدني الحوكمة إلى مستويات لم تعد مقبولة.
والحقيقة أن إنفانتينو وقد اختار مسلك المصارحة عوض المواربة، كشف للاتحاد الأفريقي لكرة القدم الطريق التي يجب أن يسلكها من الآن فصاعدًا، إن هو أراد أن يتمسك بثروته البشرية فلا يفوتها بأبخس الأثمان، وإن هو أراد أن يحقق في الآتي من الزمن ما تنبأ به الجوهرة السوداء بيليه قبل 30 سنة، أن يتوج منتخب أفريقي بكأس العالم.
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة