عفرين وسنجار وجبل قنديل.. مثلث أطماع تركي ينتظر استكمال ضلعيه
"التلال الثلاثة".. تشكل في حال السيطرة عليها منطقة جغرافية متصلة وواسعة، تمتد من الحدود التركية مع العراق إلى الحدود التركية مع سوريا
(عفرين، سنجار، جبل قنديل).. مثلث إستراتيجي ترنو الحكومة التركية إلى استكمال ضلعيه المتبقين عقب سيطرتها على مدينة عفرين شمالي سوريا، لتعلن بذلك نجاحها في القضاء على ما تعتبره "حزاما إرهابيا".
فبعد عفرين، تتركز أطماع التدخل التركي بالشرق الأوسط على سنجار، هذه المدينة الإستراتيجية الواقعة شمال غربي العراق قرب الحدود السورية، في وجهة ثانية تعتبرها أنقرة محطتها التالية للقضاء على المقاتلين الأكراد، فيما الهدف الأوضح هو أن السيطرة على تلك البلدة يعتبر حلقة وصل بين أطماع تركيا في سوريا والعراق.
أما الوجهة الثالثة للأطماع التركية، فتشمل جبل قنديل شمالي العراق، المطل على الحدود مع إيران ضمن سلسلة جبال زاجروس.
مثلث "التلال الثلاثة" (عفرين، سنجار، جبل قنديل) يستبطن أهمية إستراتيجية بالنسبة لأنقرة الطامعة في إحياء الدولة العثمانية الضائعة، في مشروع يتستر تحت غطاء تصفية الأكراد ومنعهم من إقامة دولة مستقلة على حدودها.
عفرين
تقع مدينة عفرين على ضفتي نهر عفرين، وتشكل أقصى الزاوية الشمالية الغربية من الحدود السورية التركية، يحدها من الغرب سهل العمق في لواء إسكندرونة والنهر الأسود الذي يرسم في تلك المنطقة خط الحدود.
أما من الشمال، فيحدها خط سكة القطار المار من ميدان إكبس حتى كلس، وهي سكة بنتها تركيا قبيل الحرب العالمية الأولى، ومن الشرق سهل أعزاز، ومن الجنوب منطقة جبل سمعان.
وعفرين منطقة جبلية تبلغ مساحتها نحو 3850 كيلومترا مربعا، أي ما يعادل 2% من مساحة سوريا، وهي منفصلة جغرافيا عن المناطق الأخرى الخاضعة للأكراد على طول الحدود مع تركيا.
وأكسب هذا أهمية إستراتيجية للمنطقة؛ كون السيطرة عليها ستحقق لأنقرة تواصلا جغرافيا بين جميع المناطق الحدودية الواقعة بين مدينة جرابلس غربي الفرات وبين البحر المتوسط.
كما أن هذا التواصل من شأنه أن يقضي على أي مشروع للتواصل الجغرافي بين المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد، وهذا ما يفسر أهمية عفرين بالنسبة لأنقرة، باعتبار أن المنطقة فاصلة بين مناطق سيطرة فصائل "درع الفرات" المدعومة من تركيا في جرابلس والباب وأعزاز إلى الشرق من عفرين، ومحافظة إدلب في الغرب.
سنجار
إثر سيطرة الجيش التركي على عفرين السورية الشهر الماضي، بدا من الواضح أنه سيتقدم نحو سنجار شمالي العراق، تحت لافتة القضاء على مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة تنظيما إرهابيا.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حينه مخاطبا الحكومة العراقية: "إذا لزم الأمر، فسنضع مخيمات الإرهابيين شمالي العراق تحت سيطرتنا بشكل مستمر، وقد نبهنا الإدارة المركزية إلى وجود مساعٍ لتحويل سنجار إلى قنديل جديد، وطلبنا منها التدخل في هذه المنطقة، ونحن جاهزون للتدخل في حال لم يقوموا هم بذلك".
ولم يمر هذا التلويح مرور الكرام بالنسبة لبغداد التي رفضت بشكل صريح أي توغل للجيش التركي داخل أراضيها بذريعة قتال الأكراد، من منطلق قناعتها أن الأكراد لا يشكلون الهدف الأوحد والأخير لأنقرة، وإنما هم مجرد محطة في مسار لا متناهٍ من الأطماع.
وما جرى بعد ذلك أيد هذا الأمر، فرغم إعلان حزب العمال الكردستاني انسحاب قواته في 23 مارس/ آذار الماضي من سنجار، إلا أن أنقرة ارتدت كعادتها عباءة المشكك في صحة ذلك، ونقلت وسائل إعلام تركية عن مسؤولين أن الإعلان عن الانسحاب مجرد مناورة أو خدعة، وأن الحزب سيبقى في المنطقة تحت مسمى "قوات مقاومة شنكال" (الاسم الكردي لسنجار).
جبل قنديل
بعد عفرين، تتوعد أنقرة بتوجيه مدفعياتها نحو جبل قنديل، في إقليم كردستان شمالي العراق، بذريعة القضاء على حزب العمال الكردستاني.
ويعتبر جبل قنديل من أغنى جبال الإقليم العراقي، بأهميته الإستراتيجية وثرواته الطبيعية، حيث تكثر فيه الحيوانات والطيور التي تبني فيه أوكارا تستمد أمنها من وعورة الجبل، ما يجعل فيه الصيد عملية صعبة وشاقة إن لم تكن مستحيلة.
ويقف الجبل أيضا حصنا طبيعيا أمام القوات التركية التي تستمر منذ سنوات في قصف الأكراد، ويختزل بدوره أهمية إستراتيجية بموقعه في نقطة التقاطع بين الحدود العراقية الإيرانية التركية، وبامتداده بعمق نحو 30 كيلومترا داخل الأراضي التركية.
وتعرف هذه المنطقة الجبلية بغاباتها الطبيعية الكثيفة وتلالها المرتفعة ووديانها العميقة، ضمن تضاريس وعرة شكلت عبر السنين، عائقا في وجه أنقرة للقضاء بشكل نهائي على المقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم عدوها اللدود.
وبسيطرتها على عفرين، تتوعد أنقرة بالتوجه إلى جبل قنديل، أحد أهم أضلاع أطماعها في بلاد الرافدين، لتجسد بذلك أحد أبرز بنود مشروعها الكبير في الشرق الأوسط القابع في مفترق الطرق بين الأطماع التركية والإيرانية.