القمة العربية الإسلامية التي عُقدت في العاصمة السعودية الرياض، يوم السبت الماضي، كانت بمثابة تعبير قوي عن موقف عربي موحد مما يجري في غزة.
وبينت أن هناك اتساقا في التقديرات العربية والإسلامية للأزمة بعد أن وصلت أوضاع الفلسطينيين في قطاع غزة إلى أسوأ حال يمكن تخيله لأي شعب على مر التاريخ.
حملت القمة رسالة قوية إلى العالم، خصوصاً إلى الأطراف الفاعلة ذات التأثير في قضايا المنطقة وتحديداً الأطراف الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. فهي الوحيدة التي بإمكانها الضغط على إسرائيل من أجل وقف ممارساتها ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.
والشيء الذي امتاز به بيان قمة الرياض، أن القمة تجاوزت مرحلة الشجب والإدانة وغيرهما من الصيغ العمومية المعبرة عن الرفض والاعتراض المبدئي، وتضمن (البيان) مواقف محددة وخطوات مطلوب اتخاذها. على رأسها: كسر حصار غزة من أجل إدخال قوافل مساعدات إنسانية تشمل الغذاء والدواء والوقود بشكل فوري، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية.
كما ذهب بيان القمة في نقطة أخرى إلى مستوى أبعد وذلك من خلال مخاطبة المجتمع الدولي من أجل وقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطات الاحتلال، التي تستخدم في قتل الشعب الفلسطيني.
ومن الإشارات البارزة في بيان قمة الرياض، أنه لم يغفل الجانب القانوني لما يجري في غزة. وإن كانت المداخل القانونية في هذه الحالات تستغرق وقتاً ونادراً ما يتم إنفاذها أو تفعيلها، إلا أنه يوجد رصيد كبير من الإدانات بل والأحكام القضائية سواءً الوطنية أو الدولية ضد مسؤولين وحكومات إسرائيلية سابقة، على خلفية تراكم الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين وتكرارها على مدار عقود.
لكن لكي نكون موضوعيين ونفكر بشيء من العقلانية، فإن النجاح الحقيقي لقمة الرياض لا يقاس بحجم التغيير أو التقدم في صياغة البيان الختامي وبالتالي الاعتقاد بأن الأزمة تم حلها والانتهاء منها، وإنما النجاح لا بد أن يقاس بما يتم تنفيذه على الأرض عملياً حتى لا يتكرر الأمر في قادم الأيام، وكأننا نكرر الخطأ.
فإذا كانت اللحظة السياسية الحالية تتطلب الخروج من الأزمة الراهنة في أسرع وقت اكتفاء بالخسائر الإنسانية الفادحة التي وقعت حتى الآن. فإن التفكير ما بعد القمة لا بد أن يتركز في بلورة وصياغة رؤية مستقبلية عملية لحل القضية الفلسطينية فعلياً وبشكل نهائي وعدم ترك المجال للمغامرات السياسية.
لأنه، بدون الوصول إلى هذين الهدفين أو على الأقل البدء فوراً في الاقتراب منهما، فإن الفشل والإخفاق يكونان النتيجة النهائية والمباشرة ليس لقمة الرياض وحدها، وإنما أيضاً لكل الجهود والمحاولات الجارية لتطويق الأزمة أو نزع فتيل انفجار المنطقة كلها.
إن الإنجاز الحقيقي الذي يجب أن تعمل الأطراف الدولية كلها من أجله ما بعد القمة، هو إجبار كل من حركة "حماس" والحكومة الإسرائيلية على تقديم ما كانت تسميه وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس بيل كلينتون (الفترة التي شهدت تحولات إيجابية في الأزمة الفلسطينية) مادلين أولبرايت "تنازلات مؤلمة"، بمعنى أن يتخلى كلا الطرفين عن الأهداف القصوى التي يريد كل من الطرفين تحقيقها، خاصة بعد أن أثبتت الحرب التي مر عليها 40 يوماً صعوبة إن لم تكن استحالة تحقيق تلك الأهداف بالصورة الكاملة.
الفكرة أن المطلوب بشدة من العرب والمجتمع الدولي بعد قمة الرياض، تحريك مواقف الطرفين نحو تخفيض سقف المطالب وإضفاء مرونة ولو نسبية على المواقف. فإذا نجح العرب بمعاونة الغرب في ذلك، سيكون إنجازاً قد يمهد لمرحلة ما بعد غزة بشكل يرضي كل الأطراف لأن "المعادلة الصفرية" لم تعد موجودة في السياسة أو أنها في الأصل غير موجودة، وإن وجدت فإن النتائج السيئة للأزمة ستعود وربما ستكون أكثر كارثية وقد تطول الجميع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة