طفرة الذكاء الاصطناعي تهدد سوق «الديون الآمنة» وتثير مخاوف المستثمرين
تشهد الأسواق المالية الأمريكية تحولًا كبيرًا مع استمرار طفرة الذكاء الاصطناعي في دفع النمو الاقتصادي، ضمن زخم لا يعتمد فقط على أرباح الشركات وابتكاراتها، بل أصبح مرتبطًا بشكل متزايد بأسواق الائتمان والتمويل عبر الاقتراض المكثف.
ووفقًا لتقرير نشرته وكالة بلومبرغ، فإن الطفرة التي كانت تبدو فرصة للنمو بدأت تُلقي بظلال من المخاوف على ما كان يُعتبر من أكثر قطاعات الدخل الثابت أمانًا: سوق الديون “الآمنة”.
وأشار التقرير إلى أن زيادة الإصدارات في سوق السندات من قبل الشركات، لا سيما شركات المرافق، أدت إلى ارتفاع كبير في مستوى الديون المتاحة في الأسواق المالية.
أكبر المقترضين
وتشمل هذه الشركات قطاعات الكهرباء والطاقة، التي أصبحت من بين أكبر المقترضين لتمويل توسعاتها في البنية التحتية اللازمة لمواكبة الطلب المتزايد على الطاقة الناجم عن توسع عمليات الذكاء الاصطناعي.
وقد سجّلت مبيعات سندات شركات المرافق الأمريكية زيادة بنسبة 19% هذا العام لتصل إلى رقم قياسي يقارب 158 مليار دولار، بفضل الطلب الكبير على تمويل مشروعات الشبكات الكهربائية ومحطات الطاقة.
وتشير تقديرات اتحاد الشركات الكهربائية Edison Electric Institute إلى أن هذه الشركات تخطط لإنفاق أكثر من 1.1 تريليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة على هذا القطاع، وهو ما يعكس حجم التوسعات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
مؤشر مزدوج
وتعد هذه الزيادة في إصدار الديون مؤشرًا مزدوج الوجه؛ فهي من جهة تدل على استعداد الشركات لتحمل مزيد من الالتزامات المالية من أجل النمو، ومن جهة أخرى، فإن زيادة المعروض من السندات في الأسواق يمكن أن تضغط على تقييمات هذه الأصول، مما يقلل من جاذبيتها لدى المستثمرين الباحثين عن الأمان. وفي ظل ارتفاع التكاليف التمويلية، قد تواجه هوامش أرباح الشركات ضغوطًا إضافية، لا سيما إذا تدخل المنظمون للحد من زيادة أسعار الفائدة أو تشديد الإقراض.
ونقل تقرير بلومبيرغ عن خبراء أن الاعتماد الكبير على التمويل الخارجي لتغطية نفقات الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون محفوفًا بالمخاطر، مستدعين تجربة فقاعة الإنترنت في تسعينيات القرن الماضي، حين تجاوزت الاستثمارات العوائد الواقعية. وأبدى محللون في مؤسسات مالية مثل Bridgewater Associates مخاوف من أن استمرار هذا الاتجاه قد يخلق فجوة بين التمويل الضخم والعوائد المتوقعة، مما قد يؤدي إلى تقلبات حادة في الأسواق إذا لم تتحقق الأرباح المرجوة.
ومن ناحية أخرى، أدى هذا الاعتماد على التمويل عبر الديون إلى تراجع أداء أسواق الأسهم، حيث أغلقت مؤشرات "وول ستريت" على انخفاض في جلسات التداول الأخيرة مع تصاعد المخاوف بشأن استدامة مشاريع الذكاء الاصطناعي الضخمة. وسجل مؤشر "ناسداك" تراجعًا ملحوظًا بعد بيانات أظهرت تراجع ثقة المستثمرين في قدرة الشركات الكبرى على مواصلة تمويل هذه المشروعات دون زيادة المخاطر المالية.
ومع استمرار وتيرة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية المرتبطة به، يراقب المحللون ما اذا كان هذا الاتجاه سيستمر في دعم النمو الاقتصادي بشكل مستدام، أم أنه سيزيد من هشاشة بعض قطاعات الأسواق المالية؟ ويرى المحللون أن الإجابة تعتمد على قدرة الشركات على تحويل الاستثمارات الضخمة في الذكاء الاصطناعي إلى عوائد حقيقية، مما يجعل التوازن بين النمو والديون أمرًا حاسمًا خلال السنوات القادمة.