الصواريخ «الطائشة».. الفاشر على طريق «الأرض المحروقة»
باتت الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، بمثابة «بؤرة لهب» مع ازدياد المعارك احتداما واتساع نطاقها، واستخدام طرفي النزاع للصواريخ الطائشة بشكل يُنذر بتحويل المدينة إلى "أرض محروقة".
وليست الصواريخ وحدها هي ما يحول المنطقة إلى جحيم فلا يتوقف طرفا النزاع، الجيش والدعم السريع، عن استخدام الطيران الحربي، والصواريخ وكل الأسلحة الثقيلة والخفيفة، رغم الضغوط الدولية بعدم اجتياح المنطقة، وتهديد حياة ملايين المدنيين.
- أزمة السودان.. هل يوقف «سلاح العقوبات» الأمريكي معارك الفاشر؟
- سياسة «الأرض المحروقة».. سلاح جديد في معركة الفاشر المصيرية
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني و"الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 8 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.
القصف العشوائي
وأفادت مصادر عسكرية لـ"العين الإخبارية"، بأن "الجيش السوداني استخدم الطيران الحربي والمدافع الثقيلة في الهجوم على قوات الدعم السريع، في محيط مدينة الفاشر".
وطبقا للمصادر، فإن "القصف العشوائي، أسفر عن سقوط منازل كليا وجزئيا، وتهديد مخيمات النازحين في أطراف المدينة".
ووفق المصادر، فإن قوات "الدعم السريع" واصلت إطلاق القذائف المدفعية من مواقعها في محيط مدينة الفاشر تجاه الأحياء المأهولة بالسكان، ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى في صفوف المدنيين ودمار هائل طال المنازل والمنشآت الحيوية.
ويقول المواطن عبدالله يحيى، إن القصف العشوائي والصواريخ الطائشة تسببت في حرائق في عدد من أحياء المدينة.
وأوضح يحيى، في حديثه لـ"العين الإخبارية": "القصف العشوائي أدى إلى تدمير المنازل، ونزوح كبير للمواطنين".
من جهتها، تقول المواطنة، عائشة إسحاق، إن "الفاشر، تعيش أوضاعا صعبة ومعقدة للغاية بسبب الاشتباكات المستمرة بين الجيش السوداني، وقوات (الدعم السريع)، بكافة أنواع الأسلحة".
وأضافت عائشة في حديثها لـ"العين الإخبارية": "انقطع إمداد الكهرباء والمياه، والمستشفيات مغلقة بسبب الدمار الذي سببه القصف العشوائي".
وتابعت، "أطفالنا يموتون بسبب نقص الغذاء والدواء. نناشد المجتمع الإقليمي والدولي، الضغط على طرفي الصراع لوقف الحرب في الفاشر".
نزوح جماعي
وذكرت قوات "الدعم السريع" في بيان اطلعت عليه "العين الإخبارية"، أن الطيران الحربي التابع للجيش السوداني واصل عمليات القصف المتعمد على مدينة الفاشر، ما تسبب في مقتل عدد من المدنيين الأبرياء من النساء والأطفال ونزوح آلاف المواطنين وتدمير المنشآت العامة والخاصة.
وأضافت: "وفي موازاة ذلك خرج علينا مني أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور) بحديث مرتبك محشو بالترهات والأكاذيب، في محاولة بائسة ويائسة لقلب الحقائق ولعب دور الضحية، ولم يستح الرجل وهو يطلق لخياله العنان بدعوة أهل دارفور والتحشيد للدفاع عن فلول النظام البائد التي ظلت تبطش بالشعب السوداني وأهل دارفور على وجه الخصوص لأكثر من ثلاثين عاما"، بحسب البيان.
وكتب حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، في صفحته الرسمية عبر "فيسبوك": "لقد وصلتنا أخبار أكيدة أن قيادة قوات الدعم السريع أطلقت استنفارا جديدا لاجتياح الفاشر ونهبها من كل الجهات".
وأضاف: "في دعوتها للاستنفار لقد أغرت المستنفرين بنهب واستباحة مدينة الفاشر. من طرفنا نعلن استنفارا عاما للدفاع عن الأنفس والأبرياء وممتلكات المواطنين في الفاشر".
سباق التسليح
وبالنسبة إلى الكاتب والمحلل السياسي، عباس عبدالرحمن، فإن "معركة الفاشر مصيرية لطرفي الصراع في الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، لذلك لجأ كل طرف إلى استخدام كل أسلحته القتالية".
وأوضح عبدالرحمن في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن "الجيش السوداني استخدم الطيران الحربي، والإسقاط المظلي للأسلحة والمقاتلين داخل الفرقة السادسة مشاة وسط العاصمة الفاشر".
وأشار إلى أن "الجيش السوداني يستخدم الطيران والمدافع الثقيلة والصواريخ، في الهجوم على قوات الدعم السريع في محيط المدينة".
ونوه إلى أن "الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني، تتوسط مدينة الفاشر وتحتل موقعا جغرافيا تحيطه مرافق عامة وخاصة مهمة في عاصمة ولاية شمال دارفور".
وأكد أن "قوات الدعم السريع استخدمت مؤخرا طائرات مسيرة مسلحة بالقنابل، وأخرى بالقذائف في اجتياحها مدن دارفور خلال الفترة الماضية".
من جهته يقول الكاتب والمحلل الاستراتيجي، عبدالباسط يوسف، إن قوات "الدعم السريع، تستخدم مئات السيارات القتالية رباعية الدفع ومزودة بأسلحة رشاشة خفيفة ومتوسطة".
وأشار يوسف في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إلى أن "قوات الدعم السريع تستخدم مدرعات ومدفعية ومضادات طيران وأسلحة متطورة".
وأوضح يوسف، أن "الدعم السريع يمتلك أيضا مدافع الهاون الكبيرة 160 ملم و240 ملم، وقذائف شديدة الانفجار".
واجتاحت قوات "الدعم السريع" 4 عواصم ولايات أخرى في دارفور العام الماضي، ما أدى إلى تعقيد الأوضاع الأمنية والإنسانية، في ظل شح الغذاء والدواء والماء.
مصير مجهول
ومع تصاعد وتيرة الاشتباكات، يواجه نحو مليون مدنيا محصورين داخل الفاشر مصيرا مجهولا لعدم استطاعتهم مغادرة المدينة إلى المناطق الآمنة، في ظل صعوبة الحصول على الغذاء بسبب غلق الطرق ومنع شاحنات المواد الغذائية من دخول المدينة.
ورغم تحذيرات إقليمية ودولية لطرفي النزاع لتجنب المواجهات العسكرية، داخل الفاشر المكتظة بالنازحين الفارين من جحيم الحرب في عواصم دارفور الأخرى، فإن التحشيد العسكري وصل ذروته مؤخرا.
ودمرت الحرب سبل عيش ملايين السودانيين، بمن في ذلك العاملون في قطاع الزراعة والرعي التي يعمل فيها 80% من القوى العاملة في البلاد، نتيجة لتوسع نطاقها مصحوبا بالهجمات العشوائية على المدنيين.
وفاقمت الحرب من حدة الأزمة الإنسانية في إقليم دارفور، خاصة في مخيمات النازحين، إثر تسبب الاشتباكات الناجمة عنها في تعطيل وصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى الإقليم.
وخلفت الحرب الدائرة في السودان منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 أكبر أزمة إنسانية على المستوى الدولي، إذ اضطر الناس إلى تناول أعلاف الحيوانات وأوراق الأشجار في دارفور، لعدم توفر الغذاء في مخيمات النزوح البالغة عددها 51 في ولايات دارفور الخمس.
وأُنشئت مخيمات اللجوء في دارفور عندما نزح السكان من القرى إلى المدن الكبيرة بحثا عن الأمان بعد اندلاع الحرب في الإقليم 2003 بين القوات الحكومية وفصائل مسلحة متمردة.
ويشهد إقليم دارفور منذ 2003 نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة، أودى بحياة نحو 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.