الذراع الإعلامية لنظام الحمدين استماتت في محاولاتها اليائسة لإعادة رسم معالم المنطقة، وتوزيع جديد للنفوذ بحثا عن موطئ قدم.
إن المتابع لسياسة التخبط العشوائي التي أصبحت تنهجها قناة "الرأي والرأي الآخر"، يجزم يقينا بقرب زوال نجم المنصة القطرية، مع اقتراب الإعلان رسمياً عن خاتمة الفيلم المطول لـ"الجزيرة"، حيث ظهر جليا أن الذراع الإعلامية لنظام الحمدين استماتت في محاولاتها اليائسة لإعادة رسم معالم المنطقة وتوزيع جديد للنفوذ وفق رؤية استراتيجية تهدف الدوحة من ورائها إلى البحث عن موطئ قدم في منطقة شديدة الحساسية وبيئة استراتيجية معقدة جدا.
ها هم داعش والقاعدة والإخوان يشكرون الجزيرة، وملايين المكتوين بنار الفتنة والخراب والدمار والإرهاب تشكوها إلى الله، وتطالب بإغلاقها خدمة لأهداف الوحدة العربية والكتلة الإسلامية، وعزاءً لملايين الضحايا الذين كانت الجزيرة، بشكل مباشر أو غير مباشر، سببا في نفيهم وهلاكهم وشقائهم.
وتطبيقا للقاعدة الماكيافيللية التي تنص على أن "الغاية تبرر الوسيلة"، انطلقت قناة الجزيرة في تبني خط إعلامي مرفوض أخلاقيا من خلال ربط تحالفات غير مقبولة سياسياً وقانونياً مع التنظيمات المتطرفة، والتخطيط لضرب أمن واستقرار مجموعة من الدول لإخضاعها لأجندة النظام القطري الجديد بقيادة ثنائي "الحمدين".
لقد رأينا كيف أن الجزيرة، وفي الوقت الذي كانت فيه المخابرات العالمية تبحث عن أبسط المعلومات وأية خيوط تؤدي إلى تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن، استطاعت الحصول على لقاء حصري مع "الشيخ" في ديسمبر عام 1998م، وأعقبته لقاءات متكررة مع رموز التنظيم، وصلت بالقناة إلى تخصيص مساحة مهمة من برامجها لعناصر التنظيم ينفثون من خلالها سمومهم ويوسِّعون من دائرة أتباعهم، حتى أصبحت هذه التنظيمات قِبلة وملاذا للعديد من المغرر بهم والباحثين عن إثبات الذات أو "شهادة" مزورة لدخول جنة الخلد والتي وضع الإرهابيون في طريقها جثث الأبرياء وخراب الأنظمة العربية والإسلامية. لقد أسهمت الجزيرة في جعل أيمن الظواهري وأسامة بن لادن وجوها مألوفة على قناة "الجزيرة" التي أسبغت عليهم لقب الشيوخ والعلماء.
على هذا المستوى تلاقت أطروحات القيادة السياسية القطرية مع تأصيلات التنظيمات الإرهابية على مستوى مجموعة نقاط التلاقي الموضوعي ومنها:
- أن العلاقة بين قطر والجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين والقاعدة وداعش والنصرة، تبقى أطروحة تدعمها مجموعة من القرائن والمؤشرات التي تحاول "الإمارة" دفعها على استحياء وبغير كثير من الشجاعة.
- إن رصد علاقة قطر مع التنظيمات الإرهابية، تجد ما يبررها على الأرض من خلال احتضان قطر لأبرز رموز الفكر التكفيري المتطرف وعلى رأسهم:
- يوسف القرضاوي الذي وصف قطر بأنها "أطعمتهم من جوع وآمنتهم من خوف".
- وجدي غنيم الذي أعلن على الملأ شرعية إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، واعتبر ذلك من صميم الدين الإسلامي.
- محمد شوقي الإسلامبولي أخ خالد الإسلامبولي المنفذ الرئيسي لعملية اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات أثناء العرض العسكري بتاريخ 6 أكتوبر 1981، بمساعدة من طارق الزمر الذي يوجد هو الآخر على الأراضي القطرية.
- عبد الحكيم بلحاج أمير الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة وأحد أبرز عناصر تنظيم القاعدة ورئيس حزب الوطن الإسلامي.
- محمد علي الصلابي: من أخطر قيادات الإخوان المسلمين في ليبيا وصاحب كتاب "فقه التمكين في القرآن الكريم" والذي يطرح من خلاله الآليات الكفيلة بالوصول إلى مرحلة التمكين، حلم حياة تنظيمات الإسلام السياسي. سبق أن استضافته قناة الجزيرة في مرات عديدة لعل أبرزها الحلقة التي خصصت لفقه التمكين والتي كان من خلالها علي الصلابي ضيفا على برنامج "الشريعة والحياة".
- إسماعيل الصلابي: أخ محمد علي الصلابي وهو ليبي وقائد كتيبة راف الله السحاتي.
في نفس الاتجاه، وفي خطوة استفزازية أخرى لمشاعر المسلمين، استضافت الجزيرة الإرهابي أبومحمد الجولاني الذي كان في ضيافة كريمة للإخواني أحمد منصور.
إن اندلاع الأزمة الخليجية-القطرية الأخيرة ومحاولات رصد محددات الطرح الاستراتيجي، فرضت علينا مقاربة ردة الفعل القطرية على المستوى الإعلامي، حيث وقفنا على تبني الدوحة قواعد "الهجوم الاستراتيجي" عبر سياسة إعلامية كانت قناة الجزيرة إحدى أهم وسائلها وأدواتها، وذلك بغرض الضغط على الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، في أفق تخفيف إجراءاتها السيادية ولهجتها والقبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات وفق شروط مقبولة ولا تُنقص من الصورة التي تريد أن ترسمها قطر على نظامها السياسي.
ويمكن القول إنه عندما تم الإعلان عن إطلاق قناة الجزيرة في نوفمبر 1996، اعتقد الناس أن "شعلة إعلامية" سطعت من قطر على الوطن العربي المظلم، لتنقله من غياهب الجهل والبلادة وسيادة الرأي الرسمي الأوحد، إلى جنات الحرية في التفكير والتعبير، ولتعلم العرب فضائل الحوار المتحضر وكيفية الاختلاف في الآراء دون عداوة أو خصام.
لكن، ومباشرة بعد مرحلة "التمكين" الإعلامي للقناة، اتجهت الجزيرة لمرحلة نشر الفكر الإرهابي للقاعدة وداعش والإخوان، وتحت غطاء الاختراق والسبق الصحفي والكفاءة والمهنية دخل بن لادن لبيوت العرب، واحتفل الإرهابيون، أمام شاشات الجزيرة دائما، بسقوط برجي التجارة العالمية في هجمات 11 سبتمبر.
وتحت غطاء الرأي والرأي الآخر و"اعرف عدوك" جلس الصهيوني على شاشة الجزيرة حول مائدة الأسر العربية، ثم تحت ذرائع تنوير العقول وتقوية القدرات وبناء الكفاءات وتحرير الشعوب وتحقيق الكرامة والحرية والازدهار، خيرت الدويلة، الدول بين الخضوع لطموحاتها التوسعية والهيمنية أو أن تسلط عليهم لسان دكاترة الجزيرة وضيوفهم "الخيرين الغيورين"، وكاميرات مصوريها المضحين المغامرين، فدعت للخروج على الحكام والثورة على الأوضاع وبناء الدول من جديد، تارة باسم الدين وتارة باسم الحرية والعدالة الاجتماعية.
واليوم، بعد أكثر من عشرين سنة على إطلاقها، ها هم داعش والقاعدة والإخوان يشكرون الجزيرة، وملايين المكتوين بنار الفتنة والخراب والدمار والإرهاب تشكوها إلى الله، وتطالب بإغلاقها خدمة لأهداف الوحدة العربية والكتلة الإسلامية، وعزاءً لملايين الضحايا الذين كانت الجزيرة، بشكل مباشر أو غير مباشر، سببا في نفيهم وهلاكهم وشقائهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة