لن يكون من السهل على عناصر "الجولاني" الرضوخ خاصة بعد معرفتهم بأنّ مصيرهم بات على المحك
لم يكن إعلان الفصائل السورية المعارضة عن سحب أسلحتها الثقيلة في مناطق محافظة إدلب مفاجئا لأحد على الإطلاق، هذا ما كانت تتوقعه جميع الأطراف خاصة مع ضمان الطرف التركي لنظيره الروسي إكمال عملية تفريغ إدلب من هذه الأسلحة تمهيدا للبدء بالعملية السياسية، التي تسعى موسكو لإبرامها على مقاسها، وإن لم تعجب الأطراف الأخرى ذات التأثير القوي في الملف السوري إيران وتركيا.
"النصرة" وبعد خسارتها الداعم المالي المتمثل بقطر وتخلي الراعي السياسي تركيا عنها، لن تستطيع مقاومة ما يُحضرلها بين الأطراف الدولية، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة المصلحة الكبرى في القضاء على التنظيمات المتطرفة
طوال الفترة الماضية وأنقرة تعمل ليل نهار على مراقبة حركة العناصر الموجودة داخل المدينة، وهي طلبت من الفصائل جميعها بمن فيها جبهة تحرير الشام "النصرة سابقا" معلومات دقيقة عن أفرادها، وتزويد الجانب التركي بصور شخصية لجميع المقاتلين، وهذا ما يثبت بدون أدنى شكك أنّ الطرف الروسي استطاع انتزاع المدينة من المعارضة والأتراك في آن واحد من دون تحريك الألة العسكرية باتجاه تلك البقعة الجغرافية التي يقطنها نحو ثلاثة ملايين سوري من عموم المحافظات الأخرى.
ماهو مصير "النصرة " بعد اتفاق موسكو وأنقرة تجنيب إدلب عملية عسكرية؟
في الواقع ستترك تركيا فرصة كبيرة لفصائل الجيش الحر قيادة المشهد بما يرضي أبناء المدينة المؤيد كثير منهم للمعارضة والرافض لهيمنة النصرة، ولكن ذلك سيصطدم بشكل كبير مع عناصر "أبو محمد الجولاني" الذين لم تستطع المخابرات التركية ترويضهم بالقدر الذي يجعلهم يقبلون بالواقع الجديد المتمثل بضرورة رحيلهم عن إدلب؛ أو الرضوخ لما تقرره تركيا مع روسيا بشأن شكل الحل عموما ومصير مدينة إدلب على وجه الخصوص.
لن يكون من السهل على عناصر "الجولاني" الرضوخ خاصة بعد معرفتهم بأنّ مصيرهم بات على المحك بعد وصول الأمور إلى خانة بحث جميع الدول المعنية بالأزمة السورية عن الكيفية التي من خلالها يمكن القضاء على هؤلاء العناصر والتخلص منهم، لتبقى الساحة مقتصرة على طرفين اثنين، المعارضة والنظام، مع ملاحظة فرق الموازين على الأرض لصالح الأخير.
عدم قبول "النصرة" بحلّ نفسها والإندماج مع العناصر الأخرى سيجعلها ليس هدفا للمعارضة المعتدلة فحسب، بل للجانبين التركي والروسي، اللذين سيتعاونان عسكريا حتما في هذا الشأن للخلاص من شرّها، فالأمور ماعادت كما كانت في الأول حين كان عناصر هذا الفصيل المتطرف يتحركون بسهولة من وإلى الداخل السوري على مرأى أعين ضباط المخابرات التركية، وبدعم مالي كانت تؤمنه لهم قطر.
الطرفان الداعمان للنصرة قطر وتركيا ليسا بأحسن أحوالهما، فالأولى تعاني عزلة ومقاطعة من الدول العربية بسبب تصرفاتها وعبثها بأمن المنطقة العربية، ولعلّ دعمها للنصرة كان أحد الأسباب المهمة التي أدت إلى نفور العواصم العربية وابتعادها عن الدوحة المصبوغة بدعم الجماعات المتطرفة النصرة ومن لفّ لفيفها.
أمّا تركيا فما عادت قادرة على مجابهة الثقل الروسي في سوريا وبات زعيم الكرملين ينتزع الورقة تلو الأخرى من نظيره التركي المثقل بالاضطرابات الاقتصادية الداخلية والعلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى خوف الحكومة التركية من اشتداد عود النصرة ونقلها مركز ثقلها إلى الداخل التركي حال محاصرتها في سوريا؛ لذلك باتت تبحث هي الأخرى التخلص منها أكثر من أي طرف أخر خشية على مصالحها الداخلية.
مع كل هذه المعطيات نستطيع القول إنّ النصرة وبعد خسارتها الداعم المالي المتمثل بقطر وتخلي الراعي السياسي تركيا عنها لن تستطيع مقاومة ما يُحضرلها بين الأطراف الدولية، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة المصلحة الكبرى في القضاء على التنظيمات المتطرفة، وستعمل الدولتان التركية والروسية بالتعاون مع الجيش الحر على فكفكتها داخليا وزرع الشقاق بين صفوف قادتها والانقضاض عليها، وهذا ماحدث بالفعل خلال الأسبوع الماضي حين اندلعت مواجهات كبيرة بين جبهة التحرير المدعومة تركيا وعناصر النصرة بالقرب من مدينة إدلب، وهذا مؤشر على أنّ نهاية النصرة بات أقرب بكثير مما يعتقد قادتها.
بالفعل قد تكون إدلب قد جُنّبت عملية عسكرية من قبل ثنائية دمشق موسكو، إلّا أنّ هذا لايعني بقاء المدينة على حالها آمنة مطمئنة، فالعملية العسكرية قادمة لامحال ولن يكون النظام طرفا فيها، فالمؤشرات توحي بأنّ العناصر المعتدلة من المعارضة السورية "جبهة التحرير" هي من ستتولى فتح جبهة المعركة مع النصرة، خاصة أنّ الأخيرة قتلت وسجنت واعتقلت الكثير من قادة الحراك المعتدل خلال فترة سيطرتها على إدلب وحلب منذ العام 2016، وهذا ما لم ولن تنساه كتائب الجيش الحر التي عاثت النصرة قتلا وتنكيلا بأفرادها على امتداد مساحة سوريا، لذلك ستكون تواقة للتخلص من حلفاء الأمس ضد النظام أعداء اليوم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة