عندما ينفد صبر الرياض لتنتصر لسيادتها وتضع النقاط على الحروف، يدركون حجم الخطأ، ثم ما يلبثون في التراجع عن مواقفهم.
مع بداية القرن الماضي اتسعت رقعة سيطرة شركات الفواكه الأمريكية على مساحات واسعة من جمهوريات أمريكا الوسطى، مستغلة فقر تلك الدول للتحكم في خيرات شعوبها وتغيير قوانينها بما يضمن استثمارات تلك الشركات في السكك الحديدية والأراضي الزراعية والموانئ لتصدير إنتاج الموز إلى الولايات المتحدة.
وفي كتاب يحمل العنوان ذاته وصف الكاتب الأمريكي وليام سيدني بورتر المعروف بـ(أو. هنري) واقع تلك البلدان، خصوصاً هندوراس التي ظل فيها لسنوات هرباً من ملاحقة السلطات القضائية في بلاده.
من هنا جاءت التسمية للحالة السياسية التي تعيش فيها بعض الدول واقعاً تكون فيه مرهونة لمجموعة تتحكم في قوانينها وعلاقاتها الخارجية بالعالم.
ذكرني بهذا المصطلح التصريح الذي أدلى به وزير الخارجية عادل الجبير في، معرض حديثه حول الأزمة الراهنة مع كندا التي أعقبت محاولة بعض المسؤولين الكنديين التدخل في شؤوننا الداخلية متجاهلين ما تمثله المملكة من ثقل ومكانة لا يمكن بوجودها التعامل معها بهذا اللهجة المتعالية.
لا يمكن الوقوف في وجه دولة تعتز بسيادتها وبعدالة قضاياها مثل المملكة، واسألوا قطر جمهورية موز القرن الحادي والعشرين التي وإن اختلف المنتج والثروات الطبيعية إلا أن الفكرة ما زالت كما هي.. فدولة مرهونة لأجندات خارجية تخترقها الجماعات المتطرفة وتقوم بحمايتها قوى أجنبية.. لا يمكن أن تسمى بغير ذلك
«لسنا جمهورية موز» بهذا اختصر الوزير الجبير المسألة، ورسم الخطوط وحدد المعايير التي قد يجهلها بعض الدخلاء على السياسة والعلاقات الدولية.
يعتقد البعض أن انتقاد دولة مؤثرة مثل المملكة سيحقق له شعبية داخل بلاده، أو سيسهم في حصوله على بعض الأصوات في مواجهة القيادات التي حققت نسبة من النمو الاقتصادي لمواطنيها من خلال توقيع اتفاقيات استثمارية مع واحدة من أكبر الاقتصاديات العظمى في العالم.
هذا ما يحاولون القيام به، غير آبهين بمدى تأثر بلدانهم بتلك المغامرات الكلامية التي لا تعكس فهماً حقيقياً لواقعنا ولا حتى تعاطفاً مع قضايانا الوطنية.. مجرد كلام لا أكثر.
عندما ينفد صبر الرياض لتنتصر لسيادتها وتضع النقاط على الحروف يدركون حجم الخطأ، ثم ما يلبثون في التراجع عن مواقفهم بعد الحزم الذي تبديه بلادنا.. هذا ما فعلته ألمانيا وإسبانيا.. وكندا في الطريق إلى ذلك.
حتى دونالد ترامب رئيس أقوى دولة في العالم، عندما تحدث عن توفير الحماية لبلادنا جاءه الرد سريعاً من سمو ولي العهد حين قال في تصريحه الأخير لبلومبيرج: «نحن نشتري الأسلحة من أمريكا ولا نأخذها مجاناً، ولن ندفع شيئاً مقابل أمننا» وفي هذا رسالة واضحة للحليف التاريخي وتأكيد على علاقات مميزة تقوم على التعاون البيني والمصالح المشتركة بصرف النظر عمن يقود دفة الأمور في البيت الأبيض.
لا يمكن الوقوف في وجه دولة تعتز بسيادتها وبعدالة قضاياها مثل المملكة، واسألوا قطر جمهورية موز القرن الحادي والعشرين التي وإن اختلف المنتج والثروات الطبيعية إلا أن الفكرة ما زالت كما هي.. فدولة مرهونة لأجندات خارجية تخترقها الجماعات المتطرفة وتقوم بحمايتها قوى أجنبية.. لا يمكن أن تسمى بغير ذلك.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة