من غارات الريف لحرب المدن.. «القاعدة» تعدّل استراتيجيتها في غرب أفريقيا

عدّل تنظيم القاعدة من استراتيجيته في غرب أفريقيا. فمن غارات على قرى في الريف إلى السيطرة على مدن رئيسية، يسعى لترسيخ وجوده وتعزيز مصادر التمويل.
ويعمل "نصرة الإسلام والمسلمين" تحت راية القاعدة في غرب أفريقيا، وحتى الشهر الماضي، كانت منطقة كايس غرب مالي هادئة نسبيًا، حيث نجت من الهجمات الإرهابية المتواصلة التي دفعت الولايات المتحدة والأمم المتحدة إلى تصنيف مالي وجيرانها كمركز عالمي جديد للإرهاب، وذلك وفقًا لما ذكرته صحيفة "تلغراف" البريطانية.
لكن هذا الهدوء انتهى مع سفك الجماعات الإرهابية للدماء وشنّ هجمات منسقة في 7 بلدات ومدن في جميع أنحاء المنطقة.
ووفقًا لبيانات من منظمة "بيانات مواقع وأحداث الصراعات المسلحة" (ACLED)، وهي منظمة أمريكية لرصد الأزمات، قُتل نحو 850 شخصًا على يد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في مالي والنيجر وبوركينا فاسو خلال شهر مايو/أيار وحده.
وشكّل تصاعد الهجمات إحدى أكثر الفترات دموية في التاريخ الحديث لمنطقة الساحل، وهو ما أدى إلى زيادة المخاوف بشأن استقرار المنطقة في وقتٍ تنأى فيه الأنظمة العسكرية هناك عن الغرب.
وبعد أكثر من عقد من إراقة الدماء على يد المتمردين، والتي تسببت في نزوح جماعي، تثور المخاوف من أن العنف يتجه الآن نحو غرب أفريقيا الساحلي.
وحذر الجنرال مايكل لانغلي، القائد الأعلى للقوات الأمريكية في أفريقيا، من أن الوصول إلى الساحل كان أحد الأهداف الجديدة للإرهابيين.
وقال: "إذا وصلوا إلى الساحل، فسيمكنهم تمويل عملياتهم من خلال التهريب والاتجار بالبشر وتجارة الأسلحة".
وفي الأول من يوليو/تموز الجاري، تمكّنت حكومة مالي من صدّ هجمات لجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، لكنّ التوغّل في منطقة كايس كان بمثابة تغيير جوهري في مسار الحرب، بحسب المحللين.
ورصد المحللون وجود تحول واضح من تكتيكات حرب العصابات الريفية إلى حملة تهدف إلى السيطرة على الأراضي المحيطة بالمراكز الحضرية وتأكيد الهيمنة السياسية في منطقة الساحل.
ولا تقتصر السيطرة جنوب غرب مالي على القدرة على الوصول إلى حدود السنغال وموريتانيا فحسب، لكن المنطقة تحتوي أيضًا على جزء كبير من ثروة مالي من الذهب.
وفي تصريحات لـ"تلغراف"، قال أولف ليسينغ، مدير برنامج الساحل في مؤسسة كونراد أديناور الألمانية للأبحاث، إن مالي لا تزال تتمتع بقبضة أفضل على جنوب غربها من أي مكان آخر، لكنّ التوغّل الجديد لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين قد يُرهق القوات الحكومية، وأضاف أن الجماعة "تحاول ترسيخ وجودها في جنوب غرب مالي قرب الحدود السنغالية، وهو وضع يسوده هدوء نسبي".
وأعرب عن اعتقاده بأن "نصرة الإسلام والمسلمين تسعى إلى إنشاء جبهة جديدة، وإجبار الجيش على نقل جنوده من الشمال والوسط إلى الجنوب".
ومنذ أوائل القرن الماضي، تواجه مالي أزمة عميقة عندما سيطر الانفصاليون الطوارق والفصائل الإرهابية على تمبكتو وغاو ومدن أخرى في شمال البلاد.
وحقق التدخل العسكري الفرنسي بعض النجاح المبكر في دحرهم، لكن باريس تورطت في مهمة صعبة لمكافحة التمرد شهدت علاقات متوترة مع الحكومة.
لاحقًا، امتد العنف إلى النيجر وبوركينا فاسو، وفي عام 2017، تأسست جماعة نصرة الإسلام والمسلمين باندماج جماعات إرهابية، بما في ذلك تنظيم القاعدة في بلاد المغرب.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت نصرة الإسلام والمسلمين، التي يُقدَّر عدد مقاتليها بما بين 6000 و7000 مقاتل، أقوى جماعة مسلحة في المنطقة.
ويقود الجماعة إياد أغ غالي، الزعيم السابق للمتمردين في انتفاضات الطوارق في مالي في التسعينيات، كما قاد جماعة "أنصار الدين" الإرهابية، كجزء من تحالف احتل شمال مالي لفترة وجيزة في عام 2012، ويُعتقد أن طموحه هو فرض الحكم الإسلامي في جميع أنحاء منطقة الساحل.
واستغلت الانقلابات العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو الغضب الشعبي إزاء الفشل في تحسين الأمن في مواجهة تقدم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
وطردت المجالس العسكرية قوات الغرب، خاصة فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، وطلبت الدعم من روسيا، لكن الوضع يستمر في التدهور.
وقال إبراهيم يحيى إبراهيم، من مجموعة الأزمات الدولية: "تخوض الأطراف حرب استنزاف، مع توسّع الجماعات الإرهابية في المناطق الريفية، وسيطرة القوات الحكومية وحلفائها الروس على المراكز الحضرية".
وأفادت التقارير أن تكتيكات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في ساحة المعركة أصبحت أكثر تطورًا، وتشمل الآن استخدام الأسلحة المضادة للطائرات والمسيّرات، كما يُعتقد أيضًا أنها تحقق عائدات طائلة من الغارات وسرقة الماشية، واختطاف البضائع، وعمليات الخطف، وفرض الضرائب على المجتمعات المحلية.