الجزائر 2021.. عام "السقوط الحر" لجماعة الإخوان
لن ينسى إخوان الجزائر عام 2021، وذلك لما حمله من أحداث كتبت نهايتهم السياسية، ووضعت حدا لتجارتهم بالدين.
كان 2021 عاماً لـ"تلوث بضاعة" جماعة الإخوان بالجزائر، الذين وجدوا أنفسهم أمام حقيقة "انتهاء صلاحيتهم" سياسياً وشعبياً بعد أن احتكروا لـ3 عقود كاملة "السوق السوداء للسياسة" بقوانين نظام المحاصصة السري الذي منحهم ما ليس لهم.
- نكسة إخوان الجزائر بالمحليات.. 5 أسباب وراء السقوط الحر
- "إخوان الجزائر" والبرلمان الجديد.. صفعة الخسارة تنسف الأكاذيب
نظام كُتبت نهايته في 2021، ومعه تأكد الجزائريون ومحيطهم الخارجي بأن "قوة الإخوان الشعبية والسياسية" لم تكن إلا وهماً طال تصديقه، وفق ما أكده خبراء جزائريون في وقت سابق لـ"العين الإخبارية".
ومن صناديق الاقتراع، عادت تيارات الإخوان إلى أحجامها الطبيعية، وأفرزت نكسات وخيبات وهزائم تاريخية، تقهقرت معها الجماعة المتعطشة للحكم وبات تواجدهم "هامشياً" في مشهد سياسي جديد لا مجال فيه لكعكة كانوا يقتسمونها في جُنح الظلام.
خيبة البرلمان
طوال 3 عقود كاملة، تبجح إخوان الجزائر بـ"أنهم القوة السياسية الأولى في البلاد"، واجتروا معها أسطوانة "التيار السياسي المظلوم بالتزوير".
وبعد أن حاولوا الالتفاف على لفظهم من قبل ملايين الجزائريين بحراكهم الشعبي في 2019، تبين في 2021 بأن ذلك اللفظ "غير قابل للنقض ولا الطعن الشعبييْن".
وكان موعد الانتخابات التشريعية "تأكيدا للمؤكد"، إذ سقطت فيه مزاعم "الاكتساح الانتخابي"، واكتسحت الهزيمة معاقل جماعة الإخوان.
خيبة تقاطرت على إخوان الجزائر بدءا من تغيير قانون الانتخابات الذي أنهى العمل بـ"نظام المحاصصة السري" والمعروف باسم "نظام الكوتة" الذي كانوا من أكثر المستفيدين منه، ما فسح المجال واسعاً لأن يكون الإخوان وجهاً لوجه أمام الإرادة الشعبية الحقيقية وليست المزورة.
ومن أصل 407 مقاعد نيابية، حصلت 3 تيارات إخوانية على 114 مقعدا، وهو ما يمثل 22% من إجمالي مقاعد البرلمان الجزائري في الانتخابات التي جرت في يونيو/حزيران 2021، بينهم الحزب المسمى "جبهة العدالة والتنمية" الذي يقوده الإخواني عبدالله جاب الله.
وتعرض ذلك الحزب لأكبر هزيمة في تاريخه بحصوله على مقعدين اثنين فقط، بعد أن تعدت مقاعده في البرلمانات السابقة 10.
ويرى مراقبون أن دخول جماعة الإخوان للبرلمان الجديد يؤكد سقوطها المدوي وبداية اندثارها تدريجيا في الساحة السياسية، ونكسة جديدة ألمّت بها، بعد أسابيع من خطابات الدعاية وأقاويل "سنكون القوة الأولى والمهيمنة".
وفي تصريح سابق لـ"العين الإخبارية" شرّح المحلل السياسي الدكتور عامر رخيلة أسباب النكسة الإخوانية الانتخابية، مشيرا إلى أن "الأحزاب الإسلامية (الإخوانية) وأقول للأسف كونها لا تملك برنامجاً ورؤى وما زالت تجتر خطاباً انتهى زمنه ولم يبق له صدى في الشارع، فإن هذه التيارات لا ينتظر منها إلا التأييد، ولذلك فإن تلك الأسماء (مقري وجاب الله وبن قرينة) لم يكن يوم موقف جدي في مسألة المعارضة".
مضيفاً بأن "مواقفهم كانت دائما تتحرش بالسلطة لمحاولة استمالتها، أو أنها كانت تمارس ازدواجية الخطاب، وما يطرح للاستهلاك للرأي عام شيء، وما يحدث في الكواليس شيء آخر"، مؤكدا في السياق على أن "الإسلاميين (الإخوان) بالجزائر فقدوا لونهم السياسي".
فيما فسّر الأكاديمي الدكتور قادري حسين تراجع جماعة الإخوان في الانتخابات المحلية، وحصر ذلك في جملة من الأسباب أبرزها "إنهاء العمل بنظام المحاصصة السري" المعروف بـ"نظام الكوتة".
وأوضح ذلك في تصريح سابق لـ"العين الإخبارية" عندما قال: "يبدو أن النظام السابق كان يقسم الكعكة على بعض الأحزاب والتيارات، ومن أسباب تراجع الإسلاميين (الإخوان) خاصة حركة مجتمع السلم (الإخوانية) يعود إلى توقف العمل بنظام الحصص، فقد كان لهم دور وظيفي معين، رغم أنهم كان يتباكون دائما ويزعمون سرقة أصواتهم".
نكسة المحليات
وعادت انتخابات تجديد المجالس المحلية في نوفمبر/تشرين الثاني، لتصفع مجددا تيارات إخوان الجزائر، وتقهقرت للمركزين الخامس والسادس بمقاعد متشرذمة ومتصارعة.
وأكد خبراء ومراقبون أن تجديد اللفظ الشعبي لجماعة الإخوان لم يكن فقط بـ"من انتخب"، بل حتى بـ"من عزف وقاطع" انتخابات وجد فيها ملايين الناخبين "جماعة الإخوان شرا"، فهجر صناديق الاقتراع نحو 18 مليون ناخب رفضاً لتلك البضاعة، وعاقبهم نحو 3 ملايين آخرين.
واقع إخواني عرته صناديق الاقتراع وفضحت حقيقة حجم الشعبي، وهو ما أكده المحلل السياسي والخبير القانوني الدكتور عامر رخيلة لـ"العين الإخبارية"، إذ نبه إلى أن "عدم امتلاك الإسلاميين (الإخوان) لقاعدة شعبية كان من أبرز أسباب تراجعها في الانتخابات".
وأوضح بأن "التيارات الإخوانية "لا تملك قواعد شعبية مثل الأحزاب التقليدية، وشاهدنا كيف خسرت حتى في عدد من معاقلها، وهذا ما يؤكد بأن قواعدها لم تكن تقليدية ولا ثابتة".
وأشار إلى سبب آخر لتراجع ما يعرف بـ"حركة مجتمع السلم" الإخوانية، وذكر بأن ذلك يعود أيضا "إلى أن الإمكانيات التي كانت تُسخر من طرف الدولة في الانتخابات ومنحها أموال لم تعد موجودة، وهذا ما له انعكاسات".
ونوه كذلك إلى الخطاب الإخواني الدارج في الانتخابات، والذي وصفه بـ"الهزلي والتهريجي والذي لم يتغير رغم التغيرات التي حصلت في الجزائر".
وتابع قائلا: "الإسلاميون (الإخوان) دخلوا أيضا الانتخابات منقسمين وتنافسين بين تيارين (حركة مجتمع السلم والبناء الوطني)، وهو ما أدى إلى انشطار أصوات مؤديهم بين التيارين".
المتاجرة والتهريج
وأكد خبراء في وقت سابق لـ"العين الإخبارية" أن جماعة إخوان الجزائر وصلت إلى مرحلة الإفلاس السياسي، ليس بنتائج الانتخابات فقط، بل بخطاباتهم التي عرّت حقيقة أطماعهم المحدودة في الحكم، وأسقطت ما تبقى من أقنعة الزيف والبهتان.
إفلاس تأكد في لغة خطاباتهم التي طغى عليها المتاجرة بكل شيء وهم يتسولون ويتوسلون أصوات الناخبين، لعلها تمدد كذبة القرن الـ21 بأنهم "قوة سياسية"، فسقطوا في فخ التهريج واللهث وراء مصالحهم الضيقة.
ولم تجد قيادات تيارات الإخوان أدنى حرج وهي تتاجر بـ"الخطوط الحمراء" عن أغلبية الجزائريين، بدءا بشهداء الثورة التحريرية، وملف الذاكرة مع فرنسا، وحتى مدرب المنتخب الجزائري لكرة القدم جمال بلماضي، الذي كان أحد أوراق المتاجرة الإخوانية في 2021.
متاجرة فضحها لمين عصماني رئيس حزب "صوت الشعب" في تصريحات شهر يوليو/حزيران الماضي، عندما عاد إلى قضية متاجرة الإخوان بالدين، واتهمهم بـ"استغلال الدين كسجل تجاري" لتحقيق أطماعهم السياسية.
وخلال تجمع شعبي انتخابي بوسط البلاد، اتهم "عصماني" التيارات الإخوانية في بلاده بـ"استغلال شعارات الدين كسجل تجاري" وبـ"زعم المعارضة"، وقال: "إن الأحزاب الإسلامية (الإخوانية) استغلت شعارات الدين كسجل تجاري، وعلى الطبقة السياسية أن تقدم البدائل عوض المعارضة وفقط".
خطاب تجاري عاد بالأثر العكسي على تيارات الإخوان، وهي ترى ملايين الجزائريين "يبصمون على عقود الطلاق" في الانتخابات مع جماعة "فُرضت" على الأغلبية الشعبية لنحو 3 عقود كاملة.
وبالمحصلة، فقد كان 2021 عاماً للتأكيد على أن الفصائل الإخوانية في الجزائر لم تكن إلا بالونات في المشهد السياسي، لم يبق منها إلا عقدتها، لكنهم دخلوا المجالس المنتخبة منتفخين بالهزيمة والخيبة والنكسة والتشرذم، ورقماً بعد فاصلة الحقيقة السياسية أعادت الإرادة الشعبية تدقيقها وتصحيحها.