الجزائر.. إلى أين؟ (2-2)
يمكن اعتبار أنه من الصعوبة الإجابة عن تساؤل إلى أين تذهب الجزائر؟ لسبب أساسي هو أن الأطراف نفسها لا تعرف بالضبط ماذا تريد؟
وسط هذه الحالة من تعقيدات وتداخلات المشهد السياسي في الجزائر، يظل السؤال قائما الجزائر.. إلى أين؟.. هذا التساؤل المستوحى من عنوان كتاب للصحفي محمد سيفاوي وهو الكتاب المنشور باللغة الفرنسية والمطروح منذ فبراير/ شباط ٢٠١٩.
يمكن اعتبار أنه من الصعوبة الإجابة عن سؤال: إلى أين تذهب الجزائر؟ لسبب أساسي هو أن الأطراف نفسها لا تعرف بالضبط ماذا تريد، فمن يريد التمديد لبوتفليقة لا يعرف كيف يوفق بين حاجته لفرصة يرتب فيها المسرح السياسي من جهة وتوجسه من أن تخرج الأمور عن السيطرة من جهة أخرى؛ ومن هنا نجد الارتباك في أطروحات أنصار هذا الاتجاه بين خارطة طريق بوتفليقة التي تخلو من أي سقف زمني محدد وتصريح نور الدين بدوي في المؤتمر الصحفي -الذي عقده يوم ١٣ مارس الجاري- الذي أشار فيه إلى مدة لا تتجاوز العام لإنهاء المرحلة الانتقالية.
أما من يرفض التمديد لبوتفليقة، فإنه لا يعرف كيف يوفق بين رغبته المعلنة في التخلص من كل وجوه نظام بوتفليقة من جهته وإدراكه للحاجة إلى الاستفادة من خبرة بعض الشخصيات الوازنة في عهد بوتفليقة من جهة أخرى.
ويمكن مناقشة بعض السيناريوهات المتداولة للمستقبل القريب للجزائر على النحو التالي:
تولي رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح السلطة بشكل مؤقت: بعد إعمال نص المادة ١٠٢ من الدستور الخاصة بتنظيم الأوضاع في حالة عدم قدرة رئيس الجمهورية على ممارسة مهامه.
هذا السيناريو يمكن وصفه بالسيناريو الدستوري لأنه يلتزم بحرفية النص في دستور ٢٠١٦، وكان يمكن له أن يكون مقبولا في نهاية العام الماضي مثلا أو في شهر يناير من العام الجاري؛ لكن الأحداث المتسارعة تجاوزته من طرف الحراك الشعبي.
أما على مستوى السلطة فلعله لا يزال قائما، وفي محاولة لقطع الحراك الشعبي مع هذا السيناريو بالمطلق يتم التشكيك في الأصول الجزائرية لبن صالح، وهنا يكون السؤال إن كان بن صالح من أصول غير جزائرية فكيف يتم وضعه في منصب يمنحه حق خلافة رئيس الجمهورية عند تعذر قيامه بمهامه؟
كذلك فإن الانتقال للبديل الآخر وهو تسليم السلطة بشكل مؤقت لمعاذ بو شارب - رئيس المجلس الشعبي الوطني أو الغرفة الثانية للبرلمان الجزائري- أمر مستبعد من جانب الحراك، وذلك لأن عملية تنصيب بوشارب رئيسا للمجلس الشعبي الوطني في نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٨ ينظر لها عديد من القانونيين الجزائريين باعتبارها عملا غير دستوري لأنها تضمنت إزاحة رئيس المجلس وهو السعيد بوحجة بفرض سلطة الأمر الواقع.
وهذا يعني أن من نفذ انقلابا ضد رئيس الغرفة الثانية لن يُسمَح له بتنفيذ انقلاب آخر ضد الإرادة الشعبية.
سيناريو آخر له بعض الحضور في الشارع الجزائري وهو من شقين، الأول: خروج آمن لبوتفليقة وعائلته، والآخر تشكيل مجلس للحكم يدير المرحلة الانتقالية التي تنتهي بتكوين الجمهورية الجزائرية الثانية، وذلك بعد أن يقوم مجلس الحكم بتشكيل مجلس تأسيسي -معين على الأرجح- يعدّل الدستور ويضع قانونا جديدا للانتخابات، ويظل قائما لحين إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.
هنا نجد أن الذاكرة الجزائرية تستدعي خبرة المجلس الأعلى للدولة الذي حكم البلاد بين عامّي ١٩٩٢ و١٩٩٤، وكان يتكون من خمسة أعضاء وترأسه أولا محمد بوضياف ثم علي كافي.
ومن الأسماء المرشحة لعضوية المجلس الجديد أحمد طالب الإبراهيمي نجل الشيخ بشير الإبراهيمي، والمرشح تولّى مناصب وزارية عدة كالخارجية والإعلام والثقافة، وهناك اليمين زروال الذي تولى السلطة بعد علي كافي أي بعد انتهاء تجربة المجلس الأعلى للدولة، وهو قبل أن يرأس الجزائر كان وزيرا للدفاع، وقد سبق أن طُلِبَ منه في عام ٢٠٠٤ أن يترشح للرئاسة أمام بوتفليقة وتردد ثم رفض.
وهناك مولود حمروش الذي تولى رئاسة الحكومة في عهد الشاذلي بن جديد وأدار عملية التحول إلى التعددية السياسية من ١٩٨٩ حتى ١٩٩١.
أيضاً أحمد بن بيتور أول رئيس للحكومة في عهد بوتفليقة عام ١٩٩٩ الذي استقال خلافا مع بوتفليقة حول صلاحيات رئيس الجمهورية.
كذلك يتم تداول اسمي عبد الله جاب الله رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية، واسم علي بن فليس الذي تولى مناصب وزارية عدة وكان أمينا عاما سابقا لجبهة التحرير الوطني ثم انشق عنها وكوّن حزب طلائع الحريات.
حلول سياسية.. لا دستورية
على هذه القائمة المقترحة من الأسماء توجد ملاحظات، الأولى أنها تنتمي لفئة الحلول السياسية وليس الحلول الدستورية، لكن بطبيعة الحال يمكن القول إن الظرف الذي تمر به الجزائر له خصوصيته، وإنه سبق اللجوء لحل سياسي لا دستوري عندما تمت إزاحة السعيد بوحجة من رئاسة المجلس الشعبي الوطني.
الملاحظة الثانية أن تشكيل هذا المجلس يفترض أن يكون هناك من يتفاوض باسم الحراك مع أصحاب الأسماء المطروحة ومع السلطة، أي يقتضي الأخذ برأي الأقلية التي تؤيد تأطير الحراك.
الملاحظة الثالثة أن جميع الأسماء المطروحة لم تنبثق عن الحراك الشعبي لكن لها تاريخ قديم سواء في المعارضة أو في مكافحة الفساد.
الملاحظة الرابعة أن فكرة مجلس جماعي للحكم لها سوابقها خارج الجزائر، حيث جرى العمل بها بعد الثورة الفرنسية، كما أنها طرحت في مصر بعد عام ٢٠١١ مرات عدة، وتم تنفيذها في ليبيا، أما في تونس فإنها اتخذت شكل الترويكا.
سيناريوهات كارثية
- السيناريو الكارثي الأول: الذي يقوم على أساس اختفاء بوتفليقة فجأة من مسرح الأحداث بوفاته أو باستحالة توظيف اسمه في أي فعل سياسي؛ الأمر الذي يؤدي إلى تفجير التناقضات داخل مؤسسات الدولة، فالتناقض داخل الأجهزة الأمنية والبيروقراطية وحتى القضائية بين أنصار اللواء توفيق ومعارضيه، وداخل مؤسسة الرئاسة بين شقيقّي الرئيس السعيد بوتفليقة وناصر بوتفليقة وداخل طبقة رجال الأعمال بين الرأسمالية الوطنية وتلك المرتبطة بالخارج، وداخل جبهة التحرير الضعيفة أصلا بين الاتجاهات الليبرالية والديمقراطية الاجتماعية، ومثل هذا السيناريو يعد مقدمة للفوضى ما يستدعي إخراج المشهد الراهن من سلميته، والتدخل المباشر للقوات المسلحة.
-السيناريو الكارثي الثاني: يتمثل في تدويل القضية بحكم الأهمية الدولية الكبيرة للجزائر، هنا نجد أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رحّب بسحب بوتفليقة ترشحه وطلب أن تكون المدة الانتقالية معقولة؛ ما فجّر عاصفة من الانتقادات داخل الجزائر احتجاجا على التدخل الفرنسي في الشأن الجزائري، كذلك انتقد الجزائريون كلمة معقولة وتساءلوا عن مدلولاتها من وجهة نطر ماكرون.
والواقع أن فرنسا كما وصفها أحد مقالات الرأي الفرنسية "تسير على البيض" إشارة لحيرتها في التعامل مع الشأن الجزائري، فإن هي تدخلت أثارت الذكرى المريرة لـ١٣٢ عاما من احتلال الجزائر، وإن هي لم تتدخل أثارت غضب ملايين الجزائريين الذين يحملون جنسيتها ويعيشون على الأرض الفرنسية؛ لكن هذا الارتباك لن يدوم طويلا وستأتي لحظة تضطر فيها فرنسا للتدخل بشكل واضح إذا ما وجدت تهديدا لمصالحها الكبيرة مع الجزائر وخوفها من تدفق المهاجرين.
أما فيما يخص الموقف الأمريكي، فإنه عبّر بشكل عام عن الحاجة لمراعاة المطالب الشعبية دون الخوض في التفاصيل، لكن الولايات المتحدة بدورها تراقب مجريات الأحداث في الجزائر عن كثب لأسباب كثيرة أهمها التنافس مع فرنسا في هذه المنطقة الاستراتيجية من الوطن العربي.
وفي مسألة التحذير من خطر التدويل لا ننسى أن دولا مثل الصين وبريطانيا وكوريا تقدمت للسلطة الجزائرية في عام ٢٠١٣ بطلب للتدخل بقوات تابعة لها لإنقاذ رهائنها الذين كانوا ضمن المحتجزين في المجمع النفطي الضخم في تنجنتورين، وكان المحتجزون هم بعض من إرهابيي تنظيم القاعدة رفضا منهم للعملية العسكرية التي كانت تنفذها فرنسا ضد أوكار القاعدة في مالي، ولم يتم إجهاض هذا التدخل إلا برفض بات من اللواء محمد مدين أو توفيق، وهذا مجرد مؤشر بسيط على ما يمكن أن تلجأ إليه القوى الأجنبية عند تهديد مصالحها بشكل مباشر في الجزائر.
** الدكتورة: نيفين مسعد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
aXA6IDMuMTQ1LjExMi4yMyA= جزيرة ام اند امز