خطة جزائرية "لإنقاذ" شركات رجال الأعمال المسجونين
مصير مجهول ينتظر الآلاف من العاملين في مصانع رجال الأعمال الجزائريين المحبوسين بتهم فساد.
قررت الحكومة الجزائرية التحرك لإنقاذ المؤسسات الاستثمارية لرجال الأعمال الذين أصدر القضاء الجزائري أوامر بسجنهم مؤقتاً بتهم فساد متعددة.
- سجن الحَرَّاش الجزائري.. جامع رموز بوتفليقة الأغنياء
- بعد "فولكسفاجن".. "كيا الجزائر" تضيف تهما جديدة بالفساد لأويحيى
وأعلن حسان رابحي وزير الاتصال (الإعلام) والناطق الرسمي باسم الحكومة الجزائرية أن الأخيرة قررت تشكيل لجنة وزارية للحفاظ على المؤسسات المالية المملوكة لرجال الأعمال القابعين في سجن الحراش بالجزائر العاصمة.
غير أن المسؤول الجزائري لم يقدم تفاصيل أخرى عن الآلية التي ستتبعها الحكومة الجزائرية لتسيير تلك الشركات الاستثمارية في قطاعات عدة، وإن كان ذلك يعني أن الجزائر "قررت تأميمها والاستحواذ عليها".
ويوجد في سجن الحراش بالجزائر العاصمة 9 رجال أعمال، بينهم 6 خضعوا لتحقيقات أمنية وقضائية منذ مارس/آذار الماضي، قبل أن يُصدر القضاء الجزائري قرارات متتالية بوضعهم الحبس المؤقت، على خلفية الحراك الشعبي الذي أسقط حكم عبدالعزيز بوتفليقة في 2 أبريل/نيسان الماضي.
وتفوق ثروات رجال الأعمال المقربين أغلبهم من عائلة بوتفليقة 15 مليار دولار بحسب مصادر إعلامية جزائرية ودولية، ويتعلق الأمر بكل من: علي حداد (10 مليارات دولار)، يسعد ربراب (4 مليارات دولار)، رضا كونيناف (800 مليون دولار)، مراد عولمي (400 مليون دولار)، محيي الدين طحكوت (120 مليون دولار)، وحسان عرباوي (قيمة مجهولة).
ويُتابع رجال الأعمال الستة بتهم فساد عديدة تتعلق بـ"تهريب رؤوس أموال إلى الخارج وتبييض الأموال، وإبرام صفقات عمومية مع الحكومة دون الوفاء بالتزاماتهم التعاقدية، واستغلال نفوذ الموظفين الحكوميين للحصول على مزايا غير مستحقة، وتحويل عقارات وامتيازات عن مقصدها الامتيازي، وتضخيم الفواتير، واستيراد عتاد مُستعمل، والحصول على قروض بنكية ضخمة".
وترتكز استثماراتهم في قطاعات عدة، أبرزها: الأشغال العمومية (الإنشاءات)، العقارات، النفط والكهرباء والغاز وتحويل الطاقة الكهربائية، الأسمنت، الموارد المائية، الإعلام، البتروكيماويات، الصناعات الغذائية، النقل الجامعي، الرياضة، إضافة لمصانع تركيب السيارات والأجهزة الإلكترونية الأجنبية (تويوتا، هيونداي، كيا، فولسفاجن، سامسونج).
مصير مجهول لآلاف مناصب العمل
وذكرت إحصائيات رسمية جزائرية في 2018 أن رجال الأعمال يستحوذون على 80% من الثروة في الجزائر، والبالغ عددهم 4 آلاف رجل أعمال تفوق قيمة ثرواتهم 40 مليار دولار وفق ما ذكره "منتدى رجال الأعمال" العام الماضي الذي يعد أكبر تكتل اقتصادي في الجزائر بـ7 آلاف مؤسسة استثمارية.
ويوفر القطاع الخاص بالجزائر مناصب شغل لقرابة 7 ملايين جزائري من أصل 11 مليون عامل بينهم 400 ألف عامل لـ"منتدى رجال الأعمال"، ما يعني أن القطاع الخاص في الجزائر يُشغل ما نسبته 63% من اليد العاملة الموجودة في سوق العمل.
واستناداً إلى الأرقام التي حصلت عليها "العين الإخبارية" من خبراء اقتصاديين عن بعض رجال الأعمال القابعين في سجن الحراش الجزائري الخاصة بمناصب الشغل التي توفرها شركاتهم الاستثمارية، فقد جاء رجل الأعمال علي حداد المقرب من عائلة بوتفليقة في المركز الأول بـ15 ألف عامل، في قطاعات عدة أبرزها المنشآت والإعلام وتركيب السيارات.
فيما يُجهل عدد مناصب الشغل التي يوفرها رضا كونيناف المقرب من الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة التي تعد "أغنى عائلة في الجزائر" بثروة تقدر بنحو 800 مليون دولار والتي تملك 45 شركة أغلبها "وهمية" بحسب التهم الموجهة لهم من قبل القضاء الجزائري.
وحل رجل الأعمال محيي الدين طحكوت في المركز الثاني بتوفيره 13 ألف منصب عمل أغلبها في قطاع تركيب السيارات باعتباره ممثل شركة "هيونداي" الكورية الجنوبية للسيارات في الجزائر.
وجاء يسعد ربراب ثاني أغنى رجل أعمال بالجزائر ثالثاً بـ13 ألف عامل في شركاته الاستثمارية في مجال الصناعات الغذائية والإلكترونيات، فيما حل مراد عولمي رابعا بنحو ألف عامل، أغلبها في مجال تركيب السيارات، كونه ممثل علامة "فولكسفاجن" الألمانية للسيارات بالجزائر.
ويتخوف الجزائريون العاملون في مؤسسات رجال الأعمال المسجونين بتهم فساد الذين يفوق عددهم 50 ألف عامل من شبح البطالة وتكرار سيناريو النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، عندما قررت الجزائر غلق عشرات الشركات وخصخصة أخرى؛ الأمر الذي أدى إلى فقدان آلاف العمال مناصبهم.
فتح رأس مال الشركات
وعلى الرغم من التهم الثقيلة الموجهة لأغنى رجال الأعمال الجزائريين المسجونين من قبل القضاء، فإن الخبراء الاقتصاديين يجمعون على أن "الحكومة الجزائرية مطالبة بالحفاظ على مكاسب مناصب الشغل التي توفرها ونشاط تلك المؤسسات، مع تطبيق القانون بصرامة في الوقت ذاته على كل تجاوزاتهم".
وبحسب الخبير الاقتصادي الدكتور علاوة خلوط، فإن هناك 3 سيناريوهات يمكن التعامل فيها مع المؤسسات الاستثمارية لرجال الأعمال المسجونين في الجزائر، أبرزها "فتح البنوك رأس مالها لاستعادة أموالها والحفاظ على مناصب الشغل التي توفرها".
وقال في تصريح لـ"العين الإخبارية": إن "تصريح المسؤول الحكومي سياسي بامتياز لحد الآن ولا يتضمن إجراءات واضحة، ونحن الآن أمام 3 سيناريوهات، الأول هو أن قانون الفساد يضع كل مؤسسة أو أي عقار مصدره غير شرعي تحت تصرف القضاء الذي يقرر تجميدها حتى يُصدر حكمه النهائي".
أما الثاني كما ذكر أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة الجزائر أنه "إذا كانت البنوك الحكومية تملك أموالاً لدى تلك الشركات، ففي هذه الحالة تُشرف البنوك على تلك الاستثمارات بحكم أموالها غير المسترجعة من قبل مؤسسات رجال الأعمال، ويمكن خلالها للبنوك أن تسترجع أموالها، ويستحسن فتحها في شكل شركة مساهمة، من خلال فتح رأس مال المؤسسات الاستثمارية لهؤلاء المتهمين، وهذا إن كانت تلك المؤسسات في وضعيات قانونية".
"هناك حالة ثالثة" - يضيف الأكاديمي الجزائري - والمتعلقة بـ"المشاريع والاستثمارات التي لم تدخل قيد الإنجاز التي أعطت فيها البنوك أموالاً كبيرة على شكل قروض، فهنا البنوك مطالبة باسترجاع أموالها كاملة".
واستبعد في المقابل لجوء الجزائر إلى "تأميم ومصادرة" تلك الشركات الاستثمارية التابعة لرجال الأعمال المسجونين بتهم فساد أو حتى "إغلاقها"، مشدداً على أن ذلك "مسيء لسمعة الجزائر وسيعمل على إثارة مخاوف المستثمرين الأجانب، كما لا يوجد تأميم للشركات في قانون الاستثمار الجزائري الحالي، لكن يمكن للجزائر استرجاع الأموال بعد أن يثبت القضاء بأن الحصول عليها تم بطرق غير قانونية".
"الحارس القضائي"
بدوره، قدم الخبير القانوني الجزائري الدكتور عامر رخيلة الحلول القانونية التي يمكن للحكومة الجزائرية اللجوء إليها لـ"حماية" المؤسسات الاستثمارية لرجال الأعمال المسجونين التي تبدأ بما يُعرف في القضاء الجزائري بـ"الحارس القضائي".
وأوضح في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن "هناك إجراءات سبق للجزائر أن اعتمدتها، من بينها ما يسمى بالحارس القضائي الخاص بكل من يمتلك ممتلكات ومؤسسات، وللحفاظ على نشاطها واستمرار عملها وأداء موظفيها مع ضمان حقوقهم، يعين القضاء ما يسمى بالحارس القضائي".
وذكر بأن دوره يتمثل في أن "يكون مسؤولاً أمام القاضي، من خلال إدارة شؤون المؤسسة بصفته مديراً لها، ويمارس صلاحياته في دفع أجور العمال وضمان المادة الأولية، والوفاء بالتزامات المؤسسة وغيرها، وكل ذلك من أجل الحفاظ على مناصب الشغل وعلى وجود المؤسسة إلى غاية صدور الحكم النهائي للعدالة، وحالياً هذه هي الحالة المطروحة وعلى الكثير من المؤسسات".
وفي حال صدور الحكم النهائي للقضاء الجزائري، كشف العضو السابق في المحكمة العليا الجزائري (أعلى هيئة قضائية بالجزائر) أن "البنوك مطالبة في هذه الحالة بتقديم تقارير مفصلة عن ديونها لدى تلك المؤسسات مع تحديد كل تلك المؤسسات، وهنا يقوم الحارس القضائي بالوفاء بالتزامات المؤسسة بموافقة القاضي من خلال استخلاص ما للمؤسسة من ذمة مالية للغير وبأوامر من القاضي المعين".
وتوقع الدكتور رخيلة أن تلجأ الجزائر إلى فتح رأس مال تلك المؤسسات كأسهم للبيع، مشدداً على أن "الدور الأساسي الآن يتمثل في فصل العدالة في وضعية الشخص المالك لرؤوس الأموال والعقارات".