"غار جبيلات".. استثمار صيني يوقظ "العملاق الحديدي النائم" بالجزائر
استحوذت الصين على واحد من أكبر المشاريع الاستثمارية في الجزائر في مجال المناجم بقيمة وصلت إلى ملياري دولار.
مشروع قدرت تكلفته الأولية بـ2 مليار دولار لاستغلال منجم "غار جبيلات" بمحافظة تندوف الواقعة في الجنوب الغربي من الجزائر بتمويل مشترك من الجانبين.
- الاستثمار في البتروكيماويات.. ورقة الجزائر لـ"اصطياد" شركات عملاقة
- تبون "يبشر" الجزائريين حول أموال نظام بوتفليقة بالخارج
وذلك بالشراكة بين المؤسسة الجزائرية للحديد والصلب "فيرال" و3 شركات صينية عملاقة مختصة في مجال التنقيب والاستغلال المنجمي وهي شركة "أم سي سي" و"سي دابليو اي" "هايداي سولار" وفق القاعدة الاستثمارية 51/49 (51 % للجزائر و49 % للشركات الصينية).
"ام سي سي" من الشركات الصينية الرائدة عالمياً في بناء وتطوير المناجم واستخراج المعادن، و"سي دابليو اي" تختص بتطوير وبناء وتشغيل مشاريع الطاقة المتجددة، أما شركة "هايداي سولار" فيكمن اختصاصها في في حلول الشبكات الكهربائية الدقيقة والمعدات الرئيسية.
وكشف وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب عن أن تاريخ استغلال المنجم وحدده في غضون 2025 على أن تستغرق فترة إنشاء المنجم 4 أعوام من 2021 إلى 2024.
وأوضح بأن المرحلة الثانية من استغلال المنجم في غضون 2025 يتم فيها استعمال عربات كهربائية لنقل الحديد إلى شمال البلاد وبعدها نقله إلى مستغانم (غرب) من أجل التصدير.
وتوقع الوزير الجزائري أن يُسهم المشروع في تخفيض واردات استيراد الحديد، مع توفير مناصب شغل تصل إلى 3 آلاف عامل كمرحلة أولى، وسط توقعات بتضاعف الرقم بحلول 2025.
"عرقاب" وصف المشروع في تصريحات إعلامية بـ"التاريخي" وتوقع أن يكون "غار جبيلات" منجماً "مستداماً معتمدا في نشاطه على استغلال الطاقات المتجددة"، وكذا لـ"بعده الدولي من خلال تصدير الحديد المنتج إلى مختلف الأسواق عبر ميناء مستغانم".
عقدة الرؤساء
ولـ"غار جبيلات" ما يشبه القصة مع جميع الرؤساء الـ7 الذين حكموا الجزائر منذ نيل استقلالها عام 1962، والذي يعد من أكبر مناجم الحديد في العالم بسعة تصل إلى 3 مليار طن.
اكتشاف المنجم للمرة الأولى تم سنة 1952 إبان فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، من قبل العالم الفرنسي "بيار جيفان"، فيما لم يتمكن الإحتلال من استغلال المنجم بسبب صعوبة تضاريس موقع المنجم الواقع في أقصى الجنوب الغربي.
حاول جميع رؤساء الجزائر الاستفادة من الاحتياطات الهائلة لمنجم "غار جبيلات" لعله يغير واجهة الاقتصاد الجزائري، إلا أنهم عجزوا عن ذلك لعدة أسباب، وتحول إلى "عقدة اقتصادية لهم".
ومن بين تلك الأسباب التي حصرها خبراء اقتصاديون في "الضغوط التي مارسها اللوبي الفرنسي للاستحواذ على المنجم، وطبيعة مسار مراحل الإنتاج والتصدير التي طرحتها شركات فرنسية بأن يتم نقل الحديد من تندوف إلى ميناء بجاية الواقع شرق الجزائر على طول 1900 كيلومتر"، وهو ما جعل تكلفة الاستغلال والانتاج تتأرج مرتفعة بين 10 مليارات دولار إلى 20 مليار دولار.
بالإضافة إلى غياب التكنولوجيا الخاصة باستغلال هذا النوع من المناجم، وتركيز الجزائر على جلب الاستثمارات في قطاع النفط، وكذا الأزمات المالية التي مرت بها الجزائر منذ النصف الثاني لثمانينيات القرن الماضي، ليبقى مشروع استغلال المنجم لنحو 60 عاماً "حبرا على ورق".
غير أن التداعيات الأخيرة لتراجع أسعار النفط وجائحة كورونا، أجبر السلطات الجزائرية على التسريع في البحث عن مصادر طاقوية أخرى تكون بديلا عن عائدات المحروقات بينها مناجم الحديد والذهب بهدف سد العجز المسجل.
ويصطلح على وصف المنجم بـ"عملاق المعدن الرمادي النائم" أو "العملاق الحديدي النائم"، والذي مُنح استغلاله للشركات الصينية الرائدة في مجال استغلال المناجم.
بوصلة استثمار ضخم
ويعد منجم "غار جبيلات" الجزائري واحدا من أكبر المناجم النائمة على معدن الحديد في العالم، وتقدر احتياطاته من المعدن الرمادي بين 3 مليار طن إلى 3.5 مليار طن، بينها 1.7 مليار طن يمكن استغلالها كمرحلة أولى بحسب وزير الطاقة والمناجم الجزائري.
وتعول الحكومة الجزائرية على أن يساهم الاستثمار في المنجم الضخم على تحرير اقتصاد البلاد من "سجن النفط" باعتباره "مشروع القرن" الذي قد يغير معالم الاقتصاد الجزائري وفق الحسابات الاقتصادية لمسؤولي الجزائر وشركاؤهم الصينيين.
وتستهدف الجزائر عدة أسواق عالمية في صادراتها المقبلة لإنتاج "غار جبيلات"، إذ تركز على أسواق عربية وغرب أفريقيا ودول أوروبية كمرحلة أولى، على أن يمتد التصدير إلى دول آسيوية.
ويسمح استغلال المنجم للجزائر من توفير 10 مليارات دولار تمثل صادرات سنوية جزائرية من الحديد وفق أرقام الجمارك الجزائرية.
ويتربع المنجم على 3 مناطق استغلال وهي "غار جبيلات غرب" و"وسط" و"شرق"، فيما تقرر أن يشمل الاستثمار الصيني الجزائري في منطقة الغرب التي تحتوي على احتياطي يقدر بـ1.7 مليار طن، ما يمثل نسبة 56 % من إجمالي احتياطي المنجم.