الجزائر تؤمّن حدودها.. رسائل دبلوماسية وتحركات عسكرية
تحركات دبلوماسية وعسكرية غير مسبوقة تشهدها الجزائر بالآونة الأخيرة بهدف تأمين حدودها.
تحركات اختتمت، الثلاثاء، باجتماع للمجلس الأعلى للأمن برئاسة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ومشاركة كبار المسؤولين الأمنيين ومن قطاعات الخارجية والداخلية والعدل، دون الكشف عن مخرجاته.
- رسالة الغزواني لتبون.. إشادة موريتانية بالجزائر
- الرئيس التونسي: التعاون والتنسيق مع الجزائر مبدأ راسخ
ويقول خبراء أمنيون إنه منذ سقوط نظام معمر القذافي في ليبيا سنة 2011، باتت الجزائر -وهي أكبر بلد أفريقي مساحة- تعيش وسط إقليم متوتر وحدود شاسعة ملتهبة زادها انتشار الأسلحة الليبية في الساحل والصحراء، لينقلب الوضع الأمني بالمنطقة ويزداد النشاط الإرهابي الذي شكل تحدياً كبيرا للجيش الجزائري.
وهي الفترة التي تزامنت مع بداية غياب الدبلوماسية الجزائرية عن محيطها الإقليمي بفعل مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
ومع انتخاب رئيس جديد للبلاد، سعى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون -منذ توليه مقاليد الحكم نهاية 2019- إلى "إعادة الأمور إلى نصابها" كما قال، وسجلت الدبلوماسية الجزائرية عودة تدريجية للأزمات المحيطة بها.
وبالأيام الأخيرة، سجلت الدبلوماسية الجزائرية تحركات على أكثر من صعيد، بشكل غير مسبوق، باتجاه الدول المجاورة لها مثل تونس والنيجر ومالي وموريتانيا، وكان التنسيق الأمني العامل المشترك لتحركات الجزائر الإقليمية.
تونس
نشاط الجزائر بدأ من تونس، الخميس الماضي، التي حط فيها وزير الخارجية صبري بوقادوم، تحضيرا لزيارة الرئيس عبد المجيد تبون، وكذلك لبحث الأزمة الليبية.
بوقادوم أكد، في تصريحات إعلامية، أن الجزائر تقاسمت مع تونس بالأمس "ماضٍ مجيدا، ونواجه اليوم معا نفس التحديات"، بينما شدد الرئيس التونسي قيس سعيد على أن التنسيق مع الجزائر في الملفات الثنائية والمسائل الإقليمية والدولية "خيار ثابت ومبدأ راسخ".
ومنذ 2017، رفعت الجزائر وتونس مستوى التنسيق الأمني بينهما على الحدود البالغ طولها 965 كيلومتر، بعد تزايد النشاط الإرهابي في مرتفعات الشعانبي المشتركة بين البلدين.
كما تقاسم البلدان التحديات والمخاطر الأمنية على طول المثلث الحدودي مع جارتهما المشتركة ليبيا، وهو الملف الأكبر الذي رفع التنسيق إلى قيادتي البلدين في العامين الأخيرين.
ليبيا
وسبق للجزائر أن حذرت من وصول "نيران حرب ليبيا إليها" عبر حدود شاسعة يبلغ طولها 982 كيلومتر، ولذلك كانت من أوائل الدول المرحبة بتشكيل السلطة التنفيذية الجديدة بليبيا، كما جدد رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز جراد، في اتصال هاتفي مع نظيره الليبي الجديد عبد الحميد الدبيبة، استعداد بلاده لدعم ليبيا في تحقيق السلم والمصالحة الوطنية.
في المقابل، كشف وزير الخارجية الجزائري عن زيارة مرتقبة لوفود ليبية لبلاده في غضون الأيام القليلة المقبلة، دون أن يعطي تفاصيل عن طبيعة تلك الوفود.
موريتانيا
من جانب آخر، سجل محور الجزائر – نواكشوط "انتعاشاً دبلوماسياً" في الاتجاهين، بعد زيارة وزير الداخلية الجزائري كمال بلجود إلى موريتانيا الخميس الماضي، وتوقيع مذكرة تفاهم لإنشاء لجنة ثنائية حدودية بين البلدين، أوكلت لها مهمات أمنية لضبط الحدود البالغ طولها 463 كيلومتر، واقتصادية لتنشيط التبادلات التجارية بين البلدين الجارين.
والأحد الماضي، استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وزير الخارجية الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، الذي سلمه رسالة من نظيره الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
وأكد الوزير الموريتاني اتفاق البلدين على إعادة بعث التنسيق بين البلدين في مختلف المجالات، خصوصاً في مجالات الأمن والاقتصاد والاستثمار.
النيجر
الجمعة الماضي، طار وفد جزائري رفيع إلى نيامي، قاده رئيس الوزراء عبد العزيز جراد، وشارك في مراسم تنصيب الرئيس المنتخب محمد بازوم، وسلمه رسالة خطية من نظيره الجزائري عبد المجيد تبون.
وأوضح بيان عن مكتب رئيس الوزراء الجزائري تلقت "العين الإخبارية" نسخة منه، أن "جراد" نقل "تحيات تبون للرئيس النيجيري وتمنياته له بالنجاح وموصول التوفيق في مهامه السامية، والعمل سوياً على تطوير العلاقات الثنائية المتميزة التي تجمع البلدين الشقيقين".
وقبل ذلك، أدانت الجزائر بشدة محاولة الانقلاب العسكري الفاشل الذي وقع الأسبوع الماضي بالنيجر، ودعت إلى "الاحترام الصارم للشرعية والنظام الدستوري" في البلد الذي تربطه معه حدود طولها 956 كيلومتر.
مالي
وسجلت الجزائر، الاثنين، زيارة "ثنائية" لوزيري الخارجية والدفاع في مالي، والتي جاءت عقب زيارة الرئيس المالي باه أنداو للجزائر منتصف الشهر الماضي.
وعقب استقباله من قبل الرئيس الجزائري، أوضح وزير الخارجية المالي زيني مولاي أن زيارته تأتي بعد اتفاق رئيسي البلدين على "الذهاب بالعلاقات بين البلدين نحو مستقبل واعد ترتكز على السلم والأمن واستقرار البلدين".
كما بحث وزير الدفاع المالي العقيد ساديو كامارا مع كبار المسؤولين العسكريين الجزائريين "التعاون العسكري الثنائي وتبادل التحليلات ووجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك".
ومنذ الانقلاب العسكري على حكم إبراهيم أبو بكر كايتا، العام الماضي، سرّعت الجزائر من تحركاتها "خشية المزيد من تدهور الأوضاع الأمنية" على حدودها مع جارتها الجنوبية، واعتبرت بأن حل الأزمة المالية "لن يكون إلا 90 % جزائرياً".
وتعتبر الحدود مع مالي التي تعد الأكبر بين بقية دول جيران الجزائر بـ1376 كيلومتر، مصدر قلق للسلطات الأمنية والسياسية الجزائرية منذ 2012، بعد أن دفعت الجزائر بتعزيزات عسكرية كبيرة ومخططاً أمنياً لتأمين المنشآت النفطية والعسكرية في صحرائها خشية عمليات إرهابية تنطلق من الشمال المالي الذي تحول إلى مرتع للجماعات الإرهابية المنضوية تحت لوائي "القاعدة" و"داعش".
والحدود نفسها سجلت أيضا، الجمعة الماضي، مناورات عسكرية ضخمة "تيريرين 2021"، ربط متابعون "توقيتها" بالتحذيرات التي أطلقها قائد الجيش الجزائري، الجمعة، والتي دعا فيها القوات المسلحة لـ"الفطنة من تحديات محتملة" تقودها الجماعات الإرهابية الناشطة بمنطقة الساحل، خصوصاً في الشمال المالي، والتي سماها "الشراذم الإجرامية"، كاشفاً وجود مخطط لتحويل الصحراء الجزائرية إلى "ملاذ آمن لتحقيق أغراضها المعادية عبر شبكاتها وجيوبها وأذنابها".
مخاوف جزائرية
ويرى متابعون أن لتحركات الجزائر الدبلوماسية الأخيرة"مبررات موضوعية"، وتندرج في سياق التحولات الأمنية التي تشهدها المنطقة وفرضت نفسها على أولويات أجندة الجزائر الدبلوماسية والأمنية.
ولخصوا مخاوف الجزائر في التحذيرات التي أطلقتها من "تعرضها لمؤامرة" من أطراف خارجية تستهدف أمنها وسيادتها، دون أن تكشف عنها أو عن طبيعة المؤامرة.
وكذلك ضمان عودة تأثيرها الدبلوماسي في القضايا الإقليمية، بعد غياب لنحو عقد كامل، وهو الغياب الذي أكدت السلطات الجزائرية بأنه "أثّر على دورها إقليمياً وعلى أمنها بعد أن وجدت نفسها منعزلة في وسط إقليمي متوتر".
كما تنظر الجزائر إلى القواعد العسكرية في بعض الدول المجاورة "تهديدا مباشرا لها"، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم بالقول إن "الجزائر انطلاقاً من قناعاتها، لا تتمنى رؤية مثل هذه القواعد الأجنبية في البلدان المجاورة مهما كانت الأسباب".
وشدد على أنه "يعود لكل حكومة لتقرر بكل سيادية ما تريده من أجل الدفاع عن ذاتها"، لافتاً في السياق إلى أن "كثرة القواعد العسكرية الأجنبية لم تجلب تاريخياً أي فائدة".