مختصون لـ"العين الإخبارية": الجزائر متحكمة في وباء الكوليرا
أطباء مختصون يؤكدون أن الجزائر تمكنت من التحكم في وباء الكوليرا، لكنها عجزت حتى الآن في الوصول إلى مصدر انتشاره.
رغم عدم إعلانها حالة الطوارئ في البلاد، فإن الجزائر تعيش حالة استنفار صحي بعد تفشي وباء الكوليرا للمرة الأولى منذ أكثر من 20 سنة، وتُسابق معها الزمن مختلف الهيئات الصحية الجزائرية للقضاء على الوباء الذي فتك بخمسة أشخاص حتى الآن.
- وزير الصحة الجزائري يتعهد بالقضاء على انتشار وباء الكوليرا خلال أيام
- الجزائر تحدد أحد المنابع كمصدر للكوليرا.. والسكان يتحدّون بشرب مياهه
آخر الإحصائيات الرسمية عن عدد المصابين بوباء الكوليرا في الجزائر، صدرت عن وزارة الصحة الجزائرية، إذ كشفت، في بيان لها، عن ارتفاع عدد المصابين إلى 62 حالة من أصل 173 حالة استقبلتها مختلف المستشفيات الحكومية منذ 7 أغسطس/آب الماضي.
كما كشف بيان وزارة الصحة الجزائرية عن اتساع رقعة الوباء إلى محافظتين جديدتين، ليرتفع بذلك عدد المحافظات التي انتشر فيها المرض إلى 6 محافظات، وذكر أن محافظة البويرة سجلت 30 حالة، وتيبازة 14 حالة، والجزائر العاصمة 13 حالة، إضافة إلى حالة في كل من محافظتي عين الدفلى والمدية وسط البلاد.
ولم تذكر وزارة الصحة الجزائرية ثلاث محافظات أخرى، رغم التأكد من وجود إصابات فيها، وهي باتنة (شرق الجزائر)، ووهران وغليزان (غرب البلاد).
في مقابل ذلك، أكدت وزارة الصحة الجزائرية تكفل المستشفيات الحكومية بجميع الحالات المتضررة من الوباء، وأن "85 حالة غادرت المستشفيات، فيما تبقى وضعية الحالات الأخرى في تحسن مستمر".
ومع حرص وزارة الصحة الجزائرية على تقديم معلومات تفصيلية إلى الرأي العام الجزائري بشكل يومي، إلا أن التضارب في الأرقام بين إدارات المستشفيات الحكومية والوزارة بقي مستمرا، حيث أشار بيان وزارة الصحة الجزائرية إلى أنه "لم يتم تسجيل أي حالة وفاة أخرى ما عدا الحالتين اللتين تم الإعلان عنهما سابقاً بمحافظة البويرة".
وأكدت الأرقام الحقيقية، بحسب كثير من المختصين ومسؤولي بعض المستشفيات الحكومية، أن عدد الوفيات بوباء الكوليرا وصل إلى 5 أشخاص، آخرهم سيدة توفيت الإثنين الماضي بمحافظة البليدة أيضا، وفق ما أكده رئيس ديوان والي محافظة البليدة آيت أحمد الطاهر في تصريحات لوسائل الإعلام الجزائرية، فضلاً عن شقيقتين توفيتا مطلع الشهر الحالي بعد إصابتهما بوباء الكوليرا بمحافظة البويرة، في الوقت الذي أكدت فيه إدارة المستشفى أن وفاتهما كانت بسبب "مرض غريب"، ليتضح فيما بعد أنه الكوليرا.
تحكم تام في الوباء
انتقال وباء الكوليرا من محافظة إلى أخرى وبقاء مصادر انتشاره غامضاً إلى الآن زاد من مخاوف الجزائريين من عدم قدرة الهيئات الصحية على التحكم في انتشار الوباء إلى المزيد من المحافظات.
إلا أن النقطة التي اشترك فيها غالبية الأطباء المختصين في الجزائر، هو تأكيدهم على تحكم الجزائر في انتشار الوباء، لما تملكه من مرافق صحية ومختصين قادرين على مجابهة المرض.
وفي تصريح صحفي خص به "العين الإخبارية"، قال رئيس عمادة الأطباء الجزائريين الدكتور بركاني بقاط "إن الجزائر متحكمة بشكل كامل في الوباء، ويعود ذلك إلى المرافق الصحية التي تتوفر بالجزائر والكوادر الطبية".
وأضاف أن "عدم إعلان الجزائر حالة الطوارئ منطقي، بالنظر إلى توفر المرافق الصحية والأدوية اللازمة والكافية لمجابهة المرض، كما أن إعلان حالة الطوارئ مع مثل هذه الأوبئة لا يكون إلا في حالة الحروب وانعدام الاستقرار الأمني، وهو ما لا ينطبق على الحالة الجزائرية، والحالات التي تم اكتشافها في محافظات أخرى نقلت الوباء من المحافظات الأربع الأولى، ومع ذلك سارع الأطباء إلى معالجة تلك الحالات لعدم نقلها للعدوى، وما ساعد على ذلك هو تمكن الأطباء من تشخيص أعراض المرض".
من جانبه، قال الطبيب المختص الدكتور سامي سليماني، في حوار مع "العين الإخبارية"، إنه "سيتم القضاء على الوباء في غضون الأسابيع المقبلة، لكن الأهم هو عدم الاكتفاء بالإجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة، بل يجب على المواطن أن يتحلى بالوعي الكافي في النظافة واتباع طرق الوقاية، لتسهيل القضاء على الكوليرا، والأمر لا يكون إلا بطرق بسيطة في حياتنا اليومية، لكنها فعالة".
وأضاف: "لا يمكن الحكم على تقدم أو تخلف أي بلد من مرض انتشر فيه، رغم أن غالبية الحالات المسجلة للكوليرا توجد في الدول التي تعيش حالة حروب أو لها نظاما صرف صحي وصحي ضعيفان، وقلة المستشفيات والأطباء".
وتابع قائلاً: "فرنسا التي تعد من الدول المتقدمة صحياً وطبياً، تسجل سنوياً حالة أو أكثر للكوليرا على أراضيها، تأتيها من الخارج، والأمر نفسه بالنسبة للجزائر، وأرى أن ظهور الوباء في الجزائر جاء من الخارج، فالبكتيريا المسؤولة عن المرض لا يمكن لها أن تخرج تلقائياً من أي مكان، لكنها تنتقل من مكان إلى مكان، والدليل على ذلك، هو عدم ظهور أي حالة للكوليرا في الجزائر منذ أكثر من 20 عاماً".
وعن عدم إعلان الجزائر حالة الطوارئ، قال الدكتور إسلام سليماني: "في اعتقادي، الوباء لم يصل إلى درجة الخطورة التي يجب معها إعلان الطوارئ، كما أن هذا الوباء لا يمكن حتى أن يؤثر على الدخول المدرسي المقبل".
غموض مصدر انتشار الوباء
خلال هذا الأسبوع، ذكرت وزارة الصحة الجزائرية أن مصدر انتشار وباء الكوليرا في الجزائر من مياه منبع (حمر العين) بمنطقة سيدي لكبير في محافظة تيبازة، واعتبرت أنها غير صالحة للاستهلاك، بعد أن ثبت تلوثها ببكتيريا قوسية تسبب الإصابة بوباء الكوليرا.
غير أن معهد باستور المختص في التحاليل الطبية أكد أنه "لم يتم التأكد بعد إن كان منبع حمر العين يحتوي فعلا على بكتيريا الكوليرا"، وهو ما زاد من حالة الغموض بخصوص مصدر انتشار وباء الكوليرا بشكل مفاجئ.
وقال الدكتور بركاني بقاط، رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، في حديثه مع "العين الإخبارية"، "إن هناك غموضاً فعلا، ومن خلال تتبعنا لكل المعلومات المتعلقة بهذا الوباء، فإنه لم يتضح حتى الآن مصدر انتشاره، في البداية كان هناك حديث عن مرض غريب في محافظة البويرة وأدى إلى وفاة شقيقتين، ثم تم الحديث عن انتقال عائلة أصابها الوباء من محافظة البويرة إلى محافظة البليدة، ما أدى إلى انتشاره وإصابة العشرات في محافظة البليدة، صراحة هذه رواية لا يمكن تصديقها خاصة إذا ما اعتمدنا على حديث الوزارة عن منبع حمر العين بمحافظة تيبازة كمصدر لانتشار الوباء، ولا ننسى أن معرفة مصدر انتشار الوباء سيساعد في القضاء عليه بشكل سريع".
وتابع قائلاً: "مع ظهور المرض في محافظتي البويرة والبليدة، الأطباء لم يتمكنوا من تشخيص المرض، لعدم معرفتهم به، ولأنه من الأمراض التي أصبحت نادرة في العالم، وتم التعامل معه في البداية على أنه مرض غريب رغم أن علاجه بسيط بمضادات حيوية وبعض النصائح التي يجب على المريض اتباعها".
ومن هنا، كشف رئيس عمادة الأطباء الجزائريين عن أنه اقترح على وزارة الصحة إنشاء هيئة وطنية للوقاية من الأمراض المعدية خاصة النادرة منها، حيث قال: "لا يعقل ألا تكون هذه الهيئة خاصة مع الأمراض التي أصبحت موجودة وعودة أمراض للظهور مثل الكوليرا والطاعون وغيرهما".
- فيسبوك الجزائر.. بين "كاف" الكوكايين والكوليرا وكبش العيد
- مرضى الكوليرا بالجزائر.. قصص تنتظر نهايات شافية
أما الطبيب المختص الدكتور سامي سليماني فيرى، في حواره مع "العين الإخبارية"، أن طريقة التعامل مع الوباء كانت خاطئة منذ البداية، فلو اكتشف الأطباء الحالات الأولى وعملوا على احتوائها وأخذوا جميع الاحتياطات اللازمة، لم نكن لنصل إلى هذا العدد من المصابين ومن المناطق التي شملها الوباء.
وأضاف: "كان الأجدر بأن يتوقع المختصون خاصة في فصل الصيف ظهور مرض معدٍ أو وباء، حتى وإن كانت هناك بعض الأمراض لها أعراض مشابهة للكوليرا مثل الإسهال، كما أن بدايات انتشار الوباء شهدت دخول نحو 60 شخصاً إلى المستشفى في 24 ساعة، ما يعني أن هناك احتمالا كبيرا لوجود وباء، إضافة إلى ضرورة احتواء الوباء في مكان ظهوره كان بإمكانه عدم انتشاره إلى مناطق أخرى".
وعن حالة الغموض التي ما زالت تكتنف مصدر انتشار الوباء في الجزائر، قال الدكتور إسلام سليماني إنه من الصعب جدا الوصول إلى البؤرة الأولى لانتشار الكوليرا، والأمر هنا يتعلق بتحقيق أمني أكثر منه طبي للوصول إلى المريض رقم واحد كما هو معمول به في كل دول العالم.
وكشف الطبيب المختص لـ"العين الإخبارية" عن معلومات بخصوص البؤرة الأولى لوباء الكوليرا في الجزائر، حيث قال: "من خلال اتصالاتي مع زملائي الأطباء في المحافظات التي مسها الوباء، فإن البؤرة الأولى تم تسجيلها في منطقة (سور الغزلان) بمحافظة البويرة، أصيبت بها عائلة من تلك المنطقة، ونقلت معها المرض إلى أقربائها في محافظة البليدة، لكن مع ذلك يمكن أن تكون هناك أكثر من بؤرة واحدة".
دور الإعلام.. التوعية وتفادي التسييس في مثل هذه الحالات
ظهور وباء الكوليرا في الجزائر تسبب في ارتباك شعبي وحتى رسمي في البلاد، زاده بحسب المراقبين انتشار الشائعات والأخبار غير الدقيقة التي تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتضارب في المعلومات الذي وقعت فيه بعض وسائل الإعلام المحلية في الجزائر، ما طرح تساؤلات جدية عن الدور الذي يجب أن يلعبه الإعلام عند ظهور مثل هذه الأوبئة الخطرة.
- استنفار في الجزائر بعد وفاة شخص وإصابة 41 بوباء الكوليرا
- إجراءات وقائية بالجزائر لتقليص انتشار وباء الكوليرا
وقال الطبيب المختص الدكتور سامي سليماني، في حديثه مع "العين الإخبارية"، إنه "يجب توفر تخصصات صحفية في الصحة بكل مؤسسة إعلامية لتفادي أي أخطاء أو نقل لمعلومات غير منطقية، إضافة إلى التواصل الدائم مع الأطباء والمختصين، والأهم أيضا في اعتقادي، أن يصب الإعلام جهده واهتمامه في طرق مواجهة هذا الوباء وتنويره للرأي العام بمختلف النصائح المساعدة في القضاء عليه أو الوقاية منه، عوض أن يتم الاهتمام والتركيز على من تقع المسؤولية في انتشار الوباء، وتضييع الوقت في البحث عن المصدر أو المريض رقم 1 وتسييس القضية".
وأشار الدكتور سليماني إلى حديث بعض وسائل الإعلام في الجزائر عن انتقال وباء الكوليرا إلى الجزائر عن طريق المهاجرين الأفارقة، حيث قال: "لا يوجد أي تأكيد على ذلك، وإن تأكد فلا يجب أن ننسى أن الجزائريين يتنقلون إلى دول أخرى وبعضهم ينقل أمراضا إلى تلك الدول، وهذا أمر عادي ويحدث حتى مع سائحين من دول غربية، وبالتالي فإن هذا الأمر لا يعد مشكلاً في حد ذاته، بل المشكل في الوباء وفي طريقة القضاء عليه".