فيسبوك الجزائر.. بين "كاف" الكوكايين والكوليرا وكبش العيد
حرف الكاف يتحول إلى محل سخرية بين مستخدمي مواقع التواصل في الجزائر، بعد انتشار وباء الكوليرا وإحباط تهريب الكوكايين، فضلا عن كبش العيد
لم يسبق وأن اشتركت صفحات الجزائريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي في "حرف" كما اشتركت هذه الأيام في حرف "الكاف"، فلا حرف آخر يعلو فوقه أو يمكن له أن ينافسه.
- استنفار في الجزائر بعد وفاة شخص وإصابة 41 بوباء الكوليرا
- بالفيديو.. جزائريون يتحدون رقصة كيكي بنسخ طريفة
فمن "كاف الكوكايين" إلى "كاف الكوليرا" مرورا بـ"كاف كبش العيد"، كلها "كافات" كانت عنواناً بارزاً لسخرية الجزائريين المعهودة التي يخرجونها في أزماتهم، وإن كانت سخرية فإن تلك "الكاف" ما هي إلا تعبير عن "كاف" "كرههم المكبوت" لواقع أو لتبعات أزمة أو لرغبة جماعية في التغيير نحو الأحسن، كما يرى ذلك كثير من المختصين في علم الاجتماع وعلم النفس.
"كاف".. الكوكايين
"كاف" الجزائريين الأولى كانت "يتيمة" في بداياتها، أو التي ولدت في 29 مايو/أيار 2018 وتصادفت مع النصف الثاني لشهر رمضان، عندما أحبطت قوات الدرك الجزائرية والمجموعة الإقليمية لحرس السواحل إدخال أكبر كمية من مادة الكوكايين إلى الجزائر في ميناء وهران (غرب الجزائر) قدرت كميتها بـ701 كيلوجرام كانت قادمة من البرازيل.
الكمية المحجوزة من الكوكايين الأكبر من نوعها في تاريخ الجزائر والمنطقتين العربية والأفريقية، تحولت منذ ذلك التاريخ إلى حديث الجزائريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي مختلف جلساتهم، ولا يكاد يخلو منشور "فيسبوكي" من كلمة "الكوكايين" التي احتلت صدارة الكلمات عند الجزائريين.
"كاف".. كبش العيد
اقترب بعد ذلك عيد الأضحى، ولم يعد معها "كاف الكوكايين" يتيماً، فلحقت به "كاف كبش العيد"، وانتقل حديث الجزائريين على مواقع التواصل عن غلاء أسعارها مقارنة ببقية الدول، خصوصاً بعد أن علموا أن الجزائر تحتل المرتبة الثانية عربياً من حيث غلاء أسعار أضاحي العيد.
كما أن عيد الأضحى هذا العام يتزامن مع اقتراب الدخول الاجتماعي في الجزائر، وهو ما يفرض أعباءً إضافية على العائلات الجزائرية التي ستجد نفسها ملزمة أيضا بشراء الأدوات المدرسية والكتب لأبنائها، وحتى تحضير ميزانيات للدروس الخصوصية، وهو النقاش التي فُتح عبر صفحات الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي مع "كاف كبش العيد".
"كاف".. الكوليرا
"كاف" الصدمة الثانية بعد "كاف الكوكايين" كما يحلو لكثيرين تسميتها في الجزائر، لم تكن إلا "كارثة" ثانية أو حتى ثالثة، فهي الثانية بعد الكوليرا، والثالثة بعد وباء الحصبة الذي ضرب كثيرا من المحافظات الجنوبية للجزائر منذ شهر فبراير/شباط الماضي، وأودى بحياة عشرات الأطفال وكبار السن.
كان ذلك وباء الكوليرا الذي تسبب في مقتل شخصين، وأصاب 180 شخصاً، لم يبق منهم إلا 49 شخصاً لا يزالون تحت الرقابة الطبية في مستشفيات محافظات البليدة وتيبازة والجزائر العاصمة والبويرة، مع عشرات الحالات التي لم يتم التأكد بعد من إصابتها ببكتيريا الكوليرا.
في البداية عبَّر الجزائريون عن صدمتهم من "غزو" الكوليرا مناطق في بلادهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ثم سرعان ما ربطوا حكاية "الكوكايين" بحكاية "الكوليرا"، وتحولت معها الأزمة الصحية إلى سخرية عند كثير من الجزائريين.
الديناصورات والحب في زمن الكوليرا.. تعود إلى الجزائر
"العين الإخبارية" رصدت "وسائل تعبير" الجزائريين الأخيرة عن انتشار وباء الكوليرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، امتزجت بين دعوات البعض إلى "عدم تسييس" الأزمة الصحية، وبين انتقاد المجال الصحي والتعبير عن صدمتهم من دخول مرض الفقراء والحروب كما يسمى إلى الجزائر، وأخرى ذهبت أبعد من ذلك، عندما ترجمت مواقفها بأساليب سخرية تفاعل معها كثير من نشطاء مواقع التواصل.
- الجزائر.. "صلاة الاحتجاج" على الحفلات الغنائية تثير جدلا واسعا
- سخط شعبي في الجزائر بعد مقتل شاب بسبب "موقف سيارات"
وتحول مصطلح الكوليرا إلى هاشتاغ عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، إلى أن أصبح على غالبية صفحات الجزائريين، وهو هاتشتاغ "#الكوليرا_في الجزائر"، ليكون عنواناً لمختلف الآراء والتحليلات وحتى النصائح، ومنهم من رأى أن كملة "كوليرا" كفيلة بأن تنقل الرعب إلى بقية المحافظات الجزائرية.
وباء الكوليرا أعاد أيضا إحياء رواية "الحب في زمن الكوليرا" للكاتب الكولومبي "غابرييل غارثيا ماركيز" والتي نشرها عام 1985، وأصبح غلاف الرواية على جدار كثير صفحات الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى إن بعضهم وضع صورة أخرى لرئيس حزب جزائري ومزج بين اسم كاتب الرواية الكولومبي واسم رئيس الحزب الجزائري.
بعضهم قال "إننا كنا نضحك على اسم الرواية وإذا بنا نعيش الكوليرا لكن بكره لواقع مريض"، وآخرون اعترفوا "بأنهم سيقرؤون الرواية للمرة الأولى"، وبعضهم "تمنى أن يصاب بالكوليرا مع حبيبته حتى يعيدا إحياء الرواية لكن بنسخة جزائرية".
ومن بين الحلول المضحكة التي اقترحها بعض الجزائريين لمواجهة انتشار وباء الكوليرا في الجزائر، صورة نشرها عدد منهم تقول: "للوقاية من الكوليرا اتبع النصائح التالية: اغسل يديك جيدا، افتح الخزانة، أخرج جواز السفر، حضر حقيبة السفر، اهرب".
تعليقات ومنشورات أخرى لا تقل سخرية، إذ اعتبر كثيرون أن وباء الكوليرا من الأمراض التي تكاد تنقرض من الأرض، ومرتبطة بالعصور القديمة، ومن هنا رأوا أنه "مع عودة الكوليرا في الجزائر فإننا نسير بسرعة إلى الوراء، التقينا في البداية مع الكوليرا، وإذا استمرت السرعة كما هي فإننا سنلتقي لا محالة بالديناصورات".
ومنهم من قال "إن الجزائري إذا لم يمت بالعين فإنه يموت بالعين"؛ أي إذا لم يمت بعين الحاسد فإنه يموت بماء الحنفية، رغم أن وزارتي الصحة والموارد المائية الجزائريتين أكدتا أن مياه الحنفيات خالية من الوباء، ودعت الجزائريين إلى استعمالها في الشرب.
النفايات.. هي السبب
غير أن كثيرا من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي رفضوا فكرة تحميل الجهات المسؤولة عن الصحة في الجزائر مسؤولية انتشار وباء الكوليرا في 6 محافظات جزائرية، واتهموا مواطنين بالتسبب في ذلك، من خلال النفايات المتراكمة في الشوارع والأحياء.
ونشر عدد منهم صوراً لمخلفات أضاحي العيد التي رماها جزائريون في القمامات، والتي اعتبر كثير من مستخدمي فيسبوك في الجزائر أنها تقف وراء تفشي الوباء، إضافة إلى صور أخرى فضحت بعض المزارعين الذين يسقون أراضيهم بمياه الصرف الصحي.
واستغل كثير من الجزائريين فرصة انتشار وباء الكوليرا إلى توجيه نداء لتنظيف الشوارع بشكل أكثر، وغرس ثقافة النظافة في المجتمع، وعدم الاكتفاء بتنظيف المنازل، ورمي القمامات في أماكنها، حفاظاً على الصحة العمومية.
يذكر أن وزارة الصحة الجزائرية أعلنت أن مصدر تفشي وباء الكوليرا في البلاد يعود إلى مياه منبع (حمر العين) بمنطقة سيدي لكبير في محافظة تيبازة، وكشفت عن أن التحاليل أثبتت بأن مياهه غير صالحة للاستهلاك، وبأنها متلوثة ببكتيريا قوسية تسبب الإصابة بوباء الكوليرا.
وأعلنت في المقابل أن الجزائر تمكنت من السيطرة على الوباء، إضافة إلى اتخاذ وزارة الصحة الجزائرية جملة من الإجراءات الوقائية لوقف انتشار الوباء من خلال تشكيل لجان مكلفة بالوقاية بمحافظة البليدة التي شهدت أكبر عدد من المصابين بالوباء، مع معاينة كل المناطق الزراعية المحيطة بمكان إصابة العائلات في مختلف المحافظات.