سخط شعبي في الجزائر بعد مقتل شاب بسبب "موقف سيارات"
4 حراس في موقف سيارات غير شرعي في محافظة بجاية يقتلون جزائرياً قدم من جنوب البلاد رفض دفع ثمن الموقف.
اهتزت الجزائر هذا الأسبوع على وقع جريمة قتل بشعة بمنطقة "سوق الإثنين" التابعة لمحافظة بجاية الساحلية، راح ضحيتها السائح عيسى زبير القادم من محافظة "الوادي" الواقعة جنوب الجزائر.
- الجزائر.. ارتكاب 700 جريمة يومياً في العام الماضي
- بالصور.. الجزائر تحبط تهريب 701 كجم من الكوكايين إلى أراضيها
وإذا عرف سبب مقتل الشاب الذي يبلغ من العمر 36 عاماً "زاد العجب"، إذ تعرض عيسى زبير "لضرب مبرح من قبل حراس موقف سيارات بمنطقة سوق الإثنين، بعدما رفض دفع المبلغ الذي طالبوه به كحق الدخول إلى الشاطئ وركن السيارة بموقف السيارات العشوائي والمقدر بـ200 دينار جزائري (1.69 دولار أمريكي)"، وتركوه مرمياً في الأرض ومغمى عليه.
ونقل بعدها عيسى زبير إلى مستشفى مدينة بجاية، ليلفظ أنفاسه الأخيرة بقسم الإنعاش صبيحة اليوم التالي متأثراً بإصابات بليغة على مستوى الوجه والصدر.
وشيعت الخميس جنازة المغدور عيسى زبير بمسقط رأسه في محافظة الوادي وسط حضور شعبي كبير من سكان المنطقة، الذين حولوا الجنازة إلى وقفة تضامنية واحتجاجية شعبية كبيرة أمام مقر الولاية، حيث ندد المحتجون بمقتل الشاب وطالبوا بتطبيق القصاص على مرتكبي هذه الجريمة.
تحرك رسمي
في هذه الأثناء أعلنت مصالح الدرك الجزائرية بمحافظة بجاية توقيفها المتهم الرئيسي في قضية مقتل الشاب عيسى زبير مع شريكين آخرين له، في وقت ذكر الأمن الجزائري أن مواطنين من منطقة سوق الإثنين أبلغوا عن 4 متهمين، ما يعني أن متهماً واحداً يبقى في حالة فرار.
من جانبه، توعد وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي، بتطبيق عقوبات صارمة على المجرمين، وأشار إلى أن التحقيقات الأمنية ما زالت مستمرة مع مرتكبي الجريمة.
وكشف الوزير الجزائري بالأرقام عن واقع ظاهرة الاعتداءات في مواقف السيارات غير المرخصة، والتي بلغت 100 حالة اعتداء، مشيراً إلى أن الأمن الجزائري ألقى القبض على "ألف شخص" يعملون في هذه الأماكن غير المرخصة.
الموت بأرخص الأثمان
حادثة مقتل الشاب عيسى زبير خلفت موجة استياء شعبية عارمة في الجزائر، وأجمع كثيرون على أن "الموت بات السلعة الأرخص في الجزائر"، وطالبوا السلطات الأمنية ووزارة الداخلية الجزائرية بتحمل مسؤولياتها في تطبيق القانون ومحاربة "مافيا مواقف السيارات" التي غزت غالبية المدن الجزائرية.
"ذهب للفسحة فعاد في كفن"، هكذا علق عدد من الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتبروا أن تكرر مثل هذه الجرائم يناقض سعي الحكومة الجزائرية في جعل الجزائر قبلة سياحية، خاصة مع إجبار الجزائريين من قبل "مافيا مواقف السيارات" كما تسمى في الجزائر على دفع تكلفة كل شيء في الشواطئ، من الطاولات والكراسي والمظلات الشمسية.
ورغم تدخل قوات الأمن الجزائرية في عدد من شواطئ البلاد، إلا أن ظاهرة احتكار الشواطئ من قبل بعض الأشخاص وإجبار المصطافين على دفع أموال لأشياء كانت مجانية زاد من سخط الجزائريين، ومنهم من ذكر أن "الكل أصبح يفرض قانونه ومنطقه في غياب شبه تام لهيبة مؤسسات الدولة".
ورأى آخرون أن تزايد ظاهرة الإجرام في الجزائر مؤشر على "غياب الإنسانية والقيم الدينية والأخلاقية، وضياع ما تبقى من قيم الإنسان، إلى درجة يُقتل فيها جزائري من أجل مبلغ رمزي".
غير أن بعض الجزائريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي رفضوا فكرة تحميل السلطات الأمنية مسؤولية الجريمة، واعتبروا أن "الجزائري الذي يقتل أخاه الجزائري من أجل 200 دينار لا يحق له اتهام السلطة الجزائرية بالظلم والفساد".
والأكثر من هذا، تحولت قضية مواقف السيارات غير الشرعية إلى مادة للسخرية من قبل بعض الجزائريين، إذ انتشرت صور مفبركة يظهر فيها جزائري يجلس على طاولة ويحمل عصا بيده لكن "على سطح القمر"، حيث يجد رواد الفضاء "الأمريكيون" أنفسهم أيضاً مجبرين على دفع قيمة ركن "الصاروخ" في "موقف الصواريخ".
حملة "لن أدفع لموقف السيارات" الفيسبوكية
تفاعل الجزائريين مع حادثة مقتل الشباب زبير عيسى كان سريعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشرت حملة وطنية واسعة باسم "منخلصش الباركينغ" أي "لا أدفع لموقف السيارات"، وأعرب الجزائريون من خلال هذه الحملة عن تضامنهم مع الشاب المغدور الذي قتل في أحد شواطئ محافظة بجاية.
ودعا أصحاب الحملة إلى توسيعها عبر أوسع نطاق وفي المحافظات الجزائرية كافة البالغ عددها 48 محافظة، واعتبروا أن إجبار الجزائريين على دفع مبالغ وبطرق غير شرعية يصب في خانة "الابتزاز والسرقة"، وحذروا في المقابل من أن تصبح الجزائر بلداً تتحكم فيه العصابات في كل مكان ومجال.
كما انتقد المتفاعلون مع الحملة الفيسبوكية محاولة أصحاب مواقف السيارات غير الشرعية فرض منطقهم وبالقوة على الجزائريين، في وقت حددت وزارة الداخلية الجزائرية مبلغ 50 ديناراً جزائرياً (0.42 دولار أمريكي) ثمناً لركن السيارات في مواقف السيارات المرخصة.
في مقابل ذلك، فضل عدد من الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي تقديم نصائح لتفادي الدخول في ملاسنات أو شجار مع أصحاب مواقف السيارات غير الشرعية، ووضعوا أرقاماً هاتفية تابعة للأمن الجزائري للتبليغ عن هؤلاء.
جرائم سابقة
حادثة مقتل الشاب زبير عيسى لم تكن الوحيدة في الجزائر، فقد سبقتها حوادث قتل مشابهة في السنوات الأخيرة وفي عدد من المدن الجزائرية، ففي 20 يونيو الماضي قتل أصحاب موقف سيارات غير مرخص "أباً لثلاثة أطفال" في محافظة سكيكدة (شرق الجزائر) بعدما رفض أن يدفع لهم ثمن ركن سيارته في مكان عمومي حولوه إلى موقف سيارات بطريقة غير قانونية.
وما يؤكد بحسب الكثيرين في الجزائر أن أصحاب هذه الأماكن من المجرمين، قصة المغدور، فبعد أن رفض دفع المال لأصحاب موقف السيارات ودخوله في ملاسنات كلامية معهم، توجه إلى مقر الشرطة وقدم شكوى ضدهم، ومباشرة بعد خروجه من المقر توجه أحد أفراد العصابة إلى الشاكي واعتدى عليه بعدة طعنات قاتلة بسكين حاد، إلى أن لفظ أنفاسه.
إرهاب من آخر
يرى كثير من المختصين والمتابعين في الجزائر في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن ظاهرة مواقف السيارات غير الشرعية في البلاد باتت "إرهاباً جديداً يهدد حياة الجزائريين"، واعتبروا أن الجزائر أصبحت "غابة كبيرة" يتحكم فيها القوي والمجرم، ودعوا "إلى تنظيف البلاد من هؤلاء المجرمين، واتخاذ إجراءات رادعة ضدهم"، رغم أن قانون العقوبات الجزائري ينص على عقوبة 6 أشهر لكل شخص يقيم موقفاً للسيارات بطريقة غير قانونية، إلا أن الظاهرة في ازدياد كبير.
- مصادر لـ"العين الإخبارية": الجيش الجزائري يحاصر أمراء القاعدة في جبال بيسي
- أكثر من 700 مهاجر سري جزائري ماتوا في أوروبا منذ 1994
وما يؤكد بحسب المختصين التشابه الكبير بين الإرهاب المتطرف المتعارف عليه والذي عاشته الجزائر، وبين ظاهرة مواقف السيارات غير الشرعية، هي عدوانية أصحابها الذين يتعاطى غالبيتهم المخدرات والحبوب المهلوسة، ويحملون معهم العصي ومختلف أنواع الأسلحة البيضاء، ومنهم من يحمل معه تذاكر وأقمصة خاصة لكنها مزيفة، ومنهم من شبههم بـ"المليشيات الإرهابية المسلحة".
والأكثر والأخطر من ذلك، فإن كثيراً من الجزائريين يشتكون من تحول أحيائهم وسكناتهم إلى مواقف سيارات، حيث يجبرهم محتلو هذه الأماكن على دفع ثمن ركن سياراتهم "أمام منازلهم"، حتى أن من يبقى في سيارته يجد نفسه مجبراً على دفع مبلغ حراسة السيارة.
غير أن ما دفع إلى انتشار مواقف السيارات غير المرخصة في الجزائر، بحسب كثير من المختصين، هي قلة المواقف المرخصة من قبل الدولة، حيث يوجد في كل محافظة تقريباً من موقف واحد إلى 4 مواقف "فقط"، في وقت فاق حجم حظيرة السيارات في الجزائر 8 ملايين مركبة.
ومن بين الأسباب التي قدمها المختصون لـ"العين الإخبارية"، أن "غالبية من يلجأون إلى فرض مواقف سيارات بطرق غير شرعية من خريجي السجون والسوابق الإجرامية، والذين يتم إطلاق سراحهم في كل مناسبة وطنية ودينية دون أن يكملوا مدة عقوباتهم، ويفضلون بعد خروجهم من السجن مواصلة "مهنة الإجرام" لكن بطرق جديدة "وشبه قانونية" تضمن لهم الربح السريع، وعوض لجوئهم إلى السرقة في الشوارع التي تعيدهم إلى السجون، يعتمدون على مواقف السيارات من خلال إجبار الناس على دفع مبالغ مالية تحت التهديد "تدفع مالاً أو تدفع روحك.. لك الخيار" كما يقول كثير من الجزائريين، ما يعني بحسبهم أن "الجزائري بات مجبراً على دفع مبلغ مالي لبقائه حياً".