استعمار فرنسا للجزائر.. هل تتحقق المصالحة التاريخية؟
أثار اقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإسقاط مطلب الاعتذار للجزائر عن جرائم بلاده الاستعمارية استياء شعبيا بالجزائر.
فبحسب تأكيدات خبراء فهناك صعوبة في توصل الجزائر وفرنسا إلى تسوية توافقية بينهما فيما يتعلق بمسألة الاعتذار عن الجرائم الاستعمارية، وسط إصرار كل طرف على مطلبه والذي يتمحور مابين "الاعتذار" أو "المصالحة التاريخية".
ومنذ نيل الجزائر استقلالها قبل 58 عاماً، بقي ملف الذاكرة معلقاً مع باريس، خاصة فيما يتعلق بالاعتذار واستعادة الأرشيف المنهوب والتجارب النووية، ولم تفلح "رسائل الغزل المتبادل" بين قصري "المرادية" و"الإليزيه" من فك تلك العقدة التاريخية التي لازمت علاقتهما.
- الجزائر تهدد بالتحكيم الدولي لاسترجاع "ذاكرتها" من فرنسا
- "الجزائر أرض الثورات".. سحابة "توتر" مع فرنسا
موقف باريس من مسألة الاعتذار، كرره الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عندما كشف عن رؤية فرنسية جديدة لمفهوم الاعتذار عن الحقبة الاستعمارية للجزائر، تقوم "على المصالحة بدل الاعتذار".
وفي مقابلة مع صحيفة "جون أفريك"، قال ماكرون إن "معالجة أزمة الذاكرة مع الجزائر تقوم على تجسيد المصالحة وليس بتقديم اعتذار عن جرائم الفترة الاستعمارية" (1830 – 1962).
ومن جهته أكد الدكتور لزهر ماروك الخبير بالعلاقات الجزائرية الفرنسية لـ"العين الإخبارية" أن مسألة الاعتذار تبقى عثرة بين البلدين، إلا أنه شدد على الأهمية الاستراتيجية للبلدين خاصة فيما يتعلق بالمصالح المشتركة والتحديات الأمنية الإقليمية.
استياء جزائري
تصريح الرئيس الفرنسي أثار استياء شعبياً ومن المنظمات الثورية لقدماء المحاربين وذوي الشهداء، في وقت التزمت السلطات الجزائرية الصمت.
إلا أن الرد الجزائري كان عبر منظمة قدماء المحاربين التي نفت أن يكون الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد وافق على طي صفحة الماضي الأليم بين البلدين بـ"المصالحة التاريخية".
وأكدت المنظمة أن الجزائر "لن تتنازل عن مطلب الاعتذار عن جرائم الاستعمار الفرنسي"، واعتبرت بأن كلام ماكرون "يدل على أن فرنسا ما زالت ترى بأن مستعمراتها القديمة تابعة لها".
ونهاية الشهر الماضي، هددت الجزائر باللجوء إلى التحكيم الدولي لاسترجاع أرشيفها المنهوب فترة الاحتلال الفرنسي الذي دام 132 سنة (1830 – 1962) بسبب ما وصفته بـ"التباطؤ الفرنسي في تلبية مطلبها"، في سابقة هي الأولى من نوعها بين البلدين.
متغيرات كثيرة
ومن جهته عاد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتور لزهر ماروك مشيراً إلى أن العلاقات بين الجزائر وباريس محكومة بعدة متغيرات.
وأوضح أن أبرز تلك المتغيرات هو "الإرث الاستعماري الفرنسي في الجزائر، والتي تعتبر من أسوأ فترات تاريخ البلاد تحت حكم الاستعمار، حيث تم ارتكاب جرائم إبادة بحق الشعب الجزائري تماثل ما فعلته النازية في أوروبا".
ويرى أن لتطور العلاقات بين البلدين وعودتها إلى المسار الطبيبي يشترط تجاوز هذه العقبة التي تقف عندها العلاقات وتصيبها بقدر من التوتر، لافتاً إلى أن مطالبة الجزائر لفرنسا بالاعتذار يعد أدنى مطلب للجزائريين على جرائمها على مدار أكثر من قرن.
وأضاف أن "الاعتذار هو مطلب سياسي يحظى بإجماع وطني في الجزائر، ورئيس البلاد عبد المجيد تبون اعتمد عليه في حملته الانتخابية، كما أن رد باريس يؤكد أن السياسة الفرنسية تجاه هذا الملف لديها نوع من التخبط والكيل بمكيالين".
واعتبر الأكاديمي الجزائري أنه "من دون اعتذار فإن العلاقات بين البلدين تبقى تراوح مكانها بين الشد والجذب، وهو ضرورة تجعل العلاقات تتحرر من عبء التاريخ الاستعماري".
وكشف عن وجود ما أسماه بـ"لوبي قوي نافذ داخل الإدارة الفرنسية" لا يريد أن يُحمل فرنسا تبعات الجرائم التي ارتكبتها، منوها إلى أنه "من الواضح أن ماكرون اصطدم بهذا اللوبي النافذ، لأنه ألمح منذ سنوات إلى تقبل مسألة الاعتذار للجزائر".
إغراء فرنسي
ورأى مراقبون أن تصريحات الرئيس الفرنسي حول مسألة الاعتذار للجزائر حملت في طياتها "ما يشبه الصفقة أو العرض المغري الذي قد يدفع الجزائر لإعادة النظر في إصرارها على اعتذار فرنسي كامل عن جرائمها الاستعمارية".
واستند المراقبون في ذلك إلى "عبارات الغزل" التي أدلى بها ماكرون وما تبعها من حديثه عن الاعتذار، عندما أكد أنه "لن يكون هناك استقرار في أفريقيا بدون استقرار الجزائر"، وكذا وصفه لنظيره الجزائري بـ"الرجل الشجاع"، وتعهد بمساعدته "لتمر الجزائر من المرحلة الانتقالية إلى الجزائر الجديدة".
إلا أن الأكاديمي الدكتور لزهر ماروك كانت له قراءة أخرى، وأوضح في حديثه لـ"العين الإخبارية" أنه "رغم التردد الفرنسي في الاعتراف بالجرائم في الجزائر، فإنه لن يسقطه عند الشعب الجزائري وهو بمثابة الحق المبدئي".
واعتبر في المقابل أن تصريح ماكرون "يؤكد أن فرنسا يهمها استقرار الجزائر الأمني والسياسي، ويحظى بالأهمية القصوى في السياسة الخارجية الفرنسية باعتبار الجزائر دولة ذات خصوصيات تجعل منها فاعلا مؤثرا في أفريقيا والبحر المتوسط، كما أن زعزعة استقرار الجزائر من شأنها أن تفتح مخاطر جمة لأوروبا".
وتابع قائلا هناك مصالح حيوية فرنسية في الجزائر بينها أكثر من 400 شركة واستثمارات في العديد من القطاعات تستلزم استقرارا سياسيا وأمنيا، وأن تلعب أيضا باريس دوراً في دعم هذا الاستقرار حتى تحقق مصالحها فضلاً عن مصالحها في دول الجوار وبينها ليبيا.
aXA6IDE4LjIyMy4yMTAuMjQ5IA== جزيرة ام اند امز