الجزائر وفرنسا.. سجال على وقع خونة ثورة التحرير
السفارة الفرنسية تنفي مناقشتها مع السلطات الجزائرية ملف عودة من خانوا ثورة التحرير.
أجبرت موجة غضب شعبية في الجزائر جراء تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان بشأن عودة "الجزائريين الذين خانوا الثورة التحريرية الجزائرية" (1954 – 1962)، السفارة الفرنسية على إصدار بيان "توضيحي" في محاولة لامتصاص موجة الغضب، وسط سجال لم يتوقف بين الجانبين.
- انتقادات لتراجع الاستثمارات الفرنسية في الجزائر
- وثيقة مسربة: فرنسا نفذت اغتيالات فردية إبان احتلالها للجزائر
وأصدرت السفارة الفرنسية في الجزائر بياناً "نفت" فيه "مناقشة المسألة مع السلطات الجزائرية، مؤكدة أن التقارير التي تحدثت عن عزم فرنسا إعادة "الخونة" إلى الجزائر عارية عن الصحة.
بيان السفارة الفرنسية عاد إلى التصريحات التي "خلفت أزمة صامتة" بين الجزائر وباريس بحسب مراقبين، وجاء فيه "في 29 مايو/أيار الماضي تحدث وزير الخارجية جون إيف لودريان عن وضع الحركي (الذين خانوا الثورة) وحركتهم بين فرنسا والجزائر، رداً على سؤال مكتوب من عضو البرلمان داميان آدم".
وذكر البيان أن رد وزير الخارجية الفرنسي على سؤال النائب البرلماني "نشر في الجريدة الرسمية للجمهورية الفرنسية"، وأضاف بأن لودريان قال فيه إن "الحكومة الفرنسية تحس بالضيق الذي يشعر به قدماء الحركي وعائلاتهم الذين غادروا الأرض التي ولدوا فيها والتي لا يعودون إليها حتى في الرحلة الأخيرة من حياتهم"، في إشارة إلى رفض الجزائر دفنهم على أراضيها.
ورغم تأكيد الوزير الفرنسي، في كلمته، بأن "الحكومة الفرنسية تبذل جهوداً كبيرة لتمكينهم من العودة إلى الأرض الأم"، إلا أن بيان السفارة الفرنسية في الجزائر واصل دفاعه عن وزير الخارجية الفرنسي، وجاء فيه أن "لودريان لم يقل إن مسألة عودة قدماء الحركي في الجزائر كانت محل نقاش مع السلطات الجزائرية، كما قال إن فرنسا ستفعل كل شيء للحفاظ على حق الحركي في العودة إلى بلدهم".
وأضاف البيان أنه "إضافة إلى ذلك، فإنه لم يكن هناك أي سؤال على عكس ما كتبت الصحافة بخصوص ممارسة بعض الضغط أو الابتزاز على السلطات الجزائرية".
توضيح السفارة الفرنسية لكلام وزير خارجيتها جاء "أطول من كلمة لودريان في حد ذاتها"، إذ حاول بحسب المراقبين، امتصاص الغضب الشعبي والرسمي الجزائري.
وذكر البيان أن وزير الخارجية الفرنسي "أشار إلى رغبة الرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارته إلى الجزائر في 6 ديسمبر/كانون الأول الماضي، العمل مع السلطات الجزائرية من أجل المصالحة والتعافي من الذاكرة".
وأضاف أن "الوزير اعتبر أنها مجرد اقتراحات للحوار في هذه القضية الحساسة للغاية، وأنه لا ينبغي التقليل من حساسية هذه القضايا أمام الرأي العام والسلطات في كلا البلدين".
وخلال زيارة ماكرون إلى الجزائر دعا السلطات الجزائرية إلى الانخراط فيما أسماه "المصالحة والتعافي مع الذاكرة وأن فرنسا مستعدة لأن تنخرط في هذا المسعى، وتعمل على إيجاد الوسائل لضمانه في الأشهر والسنوات المقبلة، وأن تعمل أيضا الجزائر وفرنسا معاً حتى يتمكن الرجال والنساء الذين ولدوا في الجزائر والذين يريدون العودة إليها مهما كانت عائلاتهم وتاريخهم الشخصي مع هذا البلد"، على حد تعبيره.
- ماكرون يختتم زيارته إلى الجزائر بالاتفاق على تسليم الجماجم
- ماكرون وملف الذاكرة الجزائرية الفرنسية.. الاعتراف المبتور
وفي 29 مايو/أيار الماضي، أدلى وزير الخارجية الفرنسي بتصريحات أثارت أزمة دبلوماسية جديدة بين الجزائر وباريس، في رده على سؤال طرحه النائب داميان آدم عن حزب "الجمهورية إلى الأمام"، يتعلق بوضع الحركي وحرية التنقل بين الجزائر وفرنسا، وهو الرد الذي نشر في الجريدة الرسمية الفرنسية الأسبوع الماضي "بالتزامن مع احتفال الجزائر بعيد استقلالها الـ 56".
واعتبر النائب الفرنسي في سؤاله أن رفض السلطات الجزائرية السماح لهؤلاء الأشخاص وعائلاتهم بزيارة الجزائر "بالقرار غير العادل بعد كل هذه السنوات التي انقضت على الأحداث التي عاشها البلدان".
ورقة ضغط ومساومة
رد الجزائر جاء "سريعاً" ومن بوابة "المنظمة الوطنية للمجاهدين" التي وصفت تصريحات وزير الخارجية الفرنسي "بورقة الضغط والمساومة".
وفي بيان "شديد اللهجة"، قالت المنظمة الجزائرية "إن التلويح بملف استرجاع ما يعتبرونه ممتلكات المعمرين والأقدام السوداء من قبل السلطات الفرنسية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون ورقة ضغط ومساومة لارتباطه الوثيق بالثمن الباهظ الذي دفعه الشعب الجزائري من خلال دماء قوافل من أبنائه الشهداء".
واعتبر البيان أن ملف الحركي بالنسبة للدولة الجزائرية "قد طوي بصفة قطعية ولن يكون تحت أي ظرف محل مساومة، فهو شأن فرنسي لا علاقة لدولتنا به".
وذكّر في المقابل الحكومة الفرنسية "بموقف فرنسا من الفرنسيين الذين اختاروا التعاون مع النازيين بعد احتلالهم فرنسا، بحيث ما زلنا نسمع - رغم مرور أكثر من 70 عاماً - عن ملاحقة تلك الفئة وإنزال أقسى درجات العقوبة وحرمانهم من جميع حقوقهم المدنية".
- الجزائر.. ماذا بقي من ثورة المليون شهيد بعد 63 عاما؟
- 10 جرائم قتل مريبة لجزائريين بفرنسا تحيِّر سلطات البلدين
بيان المنظمة الجزائرية للمجاهدين واصل توجيه رسائل "الغضب الجزائري" كما سماها متابعون للعلاقات الجزائرية الفرنسية، حيث جاء فيه "كيف يعقل أن تكون هذه الدولة المتحضرة قاسية على أبنائها الذين باعوا ضمائرهم وتحالفوا مع المحتل وتكون رحيمة بمن اختاروا طواعية الانضمام للاحتلال الفرنسي".
كما أعرب بيان المنظمة الجزائرية عن "أسفه لحنين فرنسا لأمجاد الفردوس المفقود المسمى (الجزائر الفرنسية) الذي لا يزال يتفاعل في ذاكرة بعض المسؤولين عن المؤسسات الفرنسية الرسمية، فيدفعها للتصريح بالمطالبة بحقوق غير مشروعة قد فصل التاريخ في شأنها"، كما جاء في البيان.
وترفض السلطات الجزائرية منذ استقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي عام 1962 "رفضاً قاطعاً" مناقشة ملف عودة الحركي إلى الجزائر، وهم جزائريون عملوا مع جيش الاحتلال الفرنسي، ولهم عدة تسميات في الجزائر من بينها "الحَرْكي، القومِيَّة، القُيَّاد، الزْواف"، وعملوا على نقل أخبار مجاهدي الثورة التحريرية وكل متعاون معهم إلى الجيش الفرنسي، وكانوا يشرفون على عمليات التعذيب والإعدامات الجماعية.
وذكر عدد ممن عاشوا الثورة الجزائرية "للعين الإخبارية"، أن الجنود الفرنسيين كانوا يقومون بحملات اعتقالات واسعة وعشوائية، ويأتون "بالحركي الذي يقف أمام المعتقلين ووجهه مغطى بقماش ومثقوب في جهة العينين" حتى يكشف لهم "بأصبعه" عن المجاهدين أو المتعاونين مع الثورة التحريرية، "دون أن ينطق بكلمة" خشية أن يتم التعرف عليه.
وبعد نيل الجزائر استقلالها في 5 يوليو 1962 قرر عدد كبير من الحركي "الفرار" مع جنود الجيش الفرنسي والمعمرين الفرنسيين والأوروبيين، إذ تقدر الدراسات التاريخية عددهم بنحو 60 ألفاً باحتساب عائلاتهم، وتحولوا مع مرور السنوات إلى "جالية كبيرة في فرنسا" قدرها الإعلام الفرنسي بحوالي "نصف مليون".