ماكرون يختتم زيارته إلى الجزائر بالاتفاق على تسليم الجماجم
الرئيس الفرنسي دعا، في زيارة "الصفحة الجديدة" بالجزائر، إلى ضرورة الوصول لحل نهائي لقضية الذاكرة، المستمرة منذ سنوات.
اختتم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته الرسمية الأولى إلى الجزائر منذ دخوله الإليزيه شهر مايو/أيار الماضي، التي استغرقت أقل من 15 ساعة، بالاتفاق على إنهاء قضية جماجم الشهداء المثارة بين البلدين.
- الجزائر.. اتهامات لوزيرة بعرقلة استرجاع جماجم "مقاومين" من باريس
- جماجم شهداء الجزائر.. ملف مؤجل لما بعد الرئاسة الفرنسية
وعلى هامش زيارته، التقى الرئيس الفرنسي نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، في أول لقاء بينهما، واعتبرت الرئاسة الجزائرية أن الزيارة "فرصة سانحة للبلدين لإيجاد سبل جديدة لتعزيز الشراكة بينهما".
إعادة جماجم الشهداء
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال الندوة الصحفية التي نشطها بالجزائر العاصمة، أن الجزائر وباريس اتفقتا رسميا "إرجاع جماجم الشهداء وإنهاء القضية نهائيا".
كما دعا إلى "ضرورة الوصول لحل نهائي لقضية الذاكرة الذي ظلت لسنوات محور نقاش وخلاف بين البلدين".
وبهذا وبعد سنوات من الخلاف تسترجع الجزائر جماجم شهدائها الموجودة في متحف الإنسان في باريس، البالغ عددها 37 جمجمة مرقمة ومسجلة بالأسماء، نهبها الاستعمار بعد خروجه من الجزائر.
صفحة مستقبلية بلون وكتابة غامضين
استبق الرئيس الفرنسي زيارته إلى الجزائر بكلام كثير عن ملف الذاكرة، وأثناء زيارته قال كلاما أكثر، وسط صمت مطبق من قبل "كافة" المسؤولين الجزائريين الذين لم يدلوا بأي تصريح على هامش زيارة ماكرون.
الزيارة التي قال عنها المراقبون إنها لجس نبض "النظرة الماكرونية الجديدة" لعلاقات باريس مع الجزائر، بدأها ماكرون بالقول "إنه جاء لفتح صفحة جديدة مستقبلية، خاصة مع الجيل الذي يجب أن يغير نظرته تجاه فرنسا، وهو ما سيسهم في بناء مستقبل مشترك يخدم الطرفين".
كما دعا الجيل الجديد من الجزائريين إلى "التمتع بروح متفتحة على المستقبل، وألا يحصروا تفكيرهم في قضايا مضى عليها عشرات السنين".
زيارة اليوم الواحد والأولى لماكرون إلى الجزائر أجمع المراقبون في البلدين أنها زيارة "لقراءة النوايا" "وجس النبض" بعد أن استبق زيارته بالكشف عن نظرة جديدة لعلاقات بلاده مع الجزائر ترتكز على "الندية والمصالح المشتركة والخروج من تبعية الماضي"، وهو ما أكده ماكرون بعد وصوله إلى الجزائر، حيث قال: "جئت للجزائر لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين".
صفحة اختلف المتابعون على فك طلاسم حروفها ما بين رغبة باريس في "طيها" أو "تمزيقها"، خاصة أن ماكرون الرئيس استعمل خطابا مغايرا لخطاب ماكرون المرشح، وهو يتجول في شوارع العاصمة الجزائرية، داعيا الجزائريين إلى ضرورة "النظر إلى فرنسا بعين المستقبل".
متابعون اعتبروا أيضا أن الاتفاق على استعادة الجماجم هو جزء من خطة ماكرون الجديدة في علاقات بلاده مع الجزائر، وهي تجاوز مسألة الاعتذار بأقل الخسائر الممكنة في علاقاتها مع الجزائر، على الرغم من أن ملفات أثقل من الجماجم لم يتطرق لها ماكرون، من بينها التجارب النووية والأرشيف، مُصراً في الوقت ذاته على ضرورة "تناسي الماضي إلى غاية نسيانه".
المحلل السياسي الدكتور حسين قادري، في اتصال مع "بوابة العين" الإخبارية قال "إن العلاقات بين الجزائر وفرنسا هي علاقات استثنائية من منطلق تاريخي، وزيارة ماكرون إلى الجزائر في إطار جولة أفريقية وليوم واحد دليل على أن الرئيس الفرنسي أراد القيام بزيارة بروتوكولية لا أكثر، لأهمية الجزائر في السياسة الخارجية لفرنسا، وما يؤكد ذلك أيضا عدم إدلاء المسؤولين الجزائريين بأي تصريح خلال هذه الزيارة".
وعن مسألة الاعتذار، قال الدكتور قادري "إنه من الصعب على فرنسا تقديم الاعتذار، إضافة إلى أن الاعتذار يبقى ورقة تفاوضية بين البلدين وباريس تريد مقابلا استراتيجيا ثمنا لذلك".
أما الخبير الاقتصادي الدكتور علاوة خلوط فيرى، في حديث مع "بوابة العين" الإخبارية، "أن فرنسا تعتقد أن الجزائر هي مجالها الواسع ولا يمكن التنازل عليها، والزيارة جاءت لتسهيل بعض العراقيل أمام المؤسسات الفرنسية، ولإعطاء ضمانات أكثر للمستثمرين الفرنسيين، والدليل أنها جاءت عشية اجتماع اللجنة المشتركة بين البلدين في باريس".
ليبيا تتصدر الملفات الدولية لماكرون في الجزائر
من جانب آخر، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في ندوته الصحفية، إن الملف الليبي كان الأبرز في محادثاته مع المسؤولين الجزائريين، من بينهم الوزير الأول الجزائري أحمد أويحيى، وقائد أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح.
وأقر ماكرون "أن التدخل العسكري الذي قادته فرنسا سنة 2011 في ليبيا أزَّم الوضع في هذا البلد"، مضيفا "لا أظن أن سياسة التدخل العسكري يمكن أن تحل الأزمات، عندما لا تكون في سياق استراتيجية سياسية، بل بالعكس فهي تؤزم الوضع".
مجددا في السياق دعم باريس جهود الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة في ليبيا، والحوار بين الأطراف السياسية الليبية.
وعن مكافحة الإرهاب، أشار الرئيس الفرنسي إلى أن الجزائر وباريس "تريدان تعزيز تعاونهما الأمني في مكافحة الإرهاب، لا سيما في شريط الساحل الصحراوي"، إضافة إلى مسار السلام في دولة مالي وتأمين منطقة الساحل.
لكن الخبراء الأمنيين في البلدين يؤكدون أن الملفات الأمنية بين البلدين تبقى متداخلة، خاصة في ظل سعي باريس الضغط على الجزائر للقيام "بدور دركي المنطقة"، الأمر الذي رفضته الجزائر مرارا، من خلال دعوات باريس للجزائر من أجل القيام بأدوار عسكرية في المنطقة خاصة في شمال مالي، وهي المسألة التي بقيت غامضة في زيارة ماكرون إلى الجزائر حسب المتابعين.
ما بين طلب الاعتذار وطلب الفيزا
وفي الوقت الذي ينشغل فيه الساسة والإعلام في البلدين بقضايا الذاكرة والاعتذار، تفاجأ الرئيس الفرنسي ومعه الكثير من الجزائريين وهو يتجول في شوارع العاصمة، بطلبات من قبل بعض الجزائريين لتقديم الفيزا أو تأشيرة الدخول إلى فرنسا، وهي المطالب التي أثارت سخط كثير من الجزائريين، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ولم يفوت إيمانويل ماكرون الأمر في ندوته الصحفية، وبصراحته المعهودة قال "إن الفيزا ليست مشروع حياة"، مضيفا "استمعت خلال الجولة الميدانية التي قمت بها بالشوارع الرئيسية للعاصمة إلى العديد من طلبات الشباب الجزائري للحصول على التأشيرة".
ولم يكتف بذلك بل أعطى دروسا في الحياة للمطالبين بالفيزا، حيث قال "إن على الشباب العمل والحصول على شهادات تكوينية، من أجل ضمان حياة مهنية"، كما طالبه "بالتفكير في إنشاء أسرة لبناء المستقبل".
و"وعد" ماكرون بمنح العديد من الامتيازات للحصول على التأشيرة على أن تكون "انتقائية" أكثر من السابق.
رافضون الزيارة
في مقابل صورة "المتسولين" للفيزا من الرئيس الفرنسي كانت هناك صورة أخرى سمعها وشاهدها ماكرون، حيث خرج عشرات النشطاء الحقوقيين والسياسيين منددين بزيارة الرئيس الفرنسي إلى الجزائر، ومنهم من حمل صورا لبعض شهداء الجزائر من بينهم الشهيد "العربي بن مهيدي".
لكن سرعان ما ألقت عليهم قوات الأمن الجزائرية القبض واقتادتهم إلى مراكز الشرطة، ليتم الإفراج عنهم بعد إنهاء ماكرون جولته في شوارع العاصمة.
ترحيل مستقبل "النظرة المستقبلية" إلى العام المقبل
أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه سيقوم بزيارة إلى الجزائر العام المقبل، في حين كشف التلفزيون الجزائري أنه تم الاتفاق على أن يكون موعد الزيارة خلال النصف الأول من 2018.
وهو ما اعتبره المحلل السياسي الدكتور حسين قادري، في حديثه مع "بوابة العين" الإخباربة، "دليلا على أن زيارة اليوم ما هي إلا زيارة بروتوكولية، على الرغم من أن ماكرون حاول طرح ملفات ثقيلة خلالها، لكن على ما يبدو لم يجد تجاوبا من قبل السلطات الجزائرية، التي أظهرت أنها في حاجة إلى وقت لدراسة الاستراتيجية الجديدة التي طرحها ماكرون في العلاقات بين البلدين".