رواية "ابتسامات الموتى" لحكيم الشيخ.. سلاح الجزائريين في وجه الإرهاب
الكاتب حكيم الشيخ يعيد القارئ في روايته "ابتسامات الموتى" إلى زمن العشرية السوداء في الجزائر ومعاناة الجزائريين مع همجية الإرهاب
تمتلئ الذاكرة الجماعية للجزائريين بالأحداث المؤلمة عبر تاريخهم، ولم تكن فترة الاستعمار الفرنسي لبلادهم السوداء الوحيدة بالنسبة لهم، إذ أن الجزائر عانت مع إجرام الإرهاب خلال سنوات التسعينيات فيما يُعرف بـ"العشرية السوداء"، والتي كانت أيضا فترة حبلى بالآلام التي لا يزال يتذكرها الجزائريون.
- "هايدغر في المشفى" للجزائري محمد بن جبار.. حال المجتمع بعيون المجانين
- رواية "زمن الغربان" للجزائري جيلالي خلاص.. عندما ينضب النفط في 2070
عشرية تُرجمت في أعمال سينمائية وأدبية، آخرها في رواية "ابتسامات الموتى" التي أصدرتها دار النشر "الجزائر تقرأ"، وهي الرواية التي أراد صاحبها الكاتب الجزائري حكيم شيخ، أن تكون مهدا لدخوله عالم الرواية، لكن من أبواب مؤلمة، عايش لهيبها مثل بقية الجزائريين، وشارك بالعمل في النسخة الـ23 لمعرض الجزائر الدولي للكتاب الذي أغلق أبوابه في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وحقق إقبالا قياسيا للجمهور الجزائري الذي فاق مليوني زائر.
حكيم الشيخ ابن منطقة الأخضرية التابعة لمحافظة البويرة (شرق الجزائر العاصمة)، ولد بها عام 1983، ويعتبر من جيل الجزائريين الذين تلوثت ذاكرة طفولتهم بمجازر وفظاعة الإرهاب، حاصل على عدد من الشهادات الجامعية، من بينها شهادة ليسانس في العلوم القانونية والإدارية وشهادة الكفاءة المهنية للمحاماة، وتقني سامي في تسيير الموارد البشرية.
تخصصات فضَّل حكيم الشيخ أن يأخذ منها شقها "الإنساني" التي جعلته يشق طريقا جديدا نحو كتابة الروايات من وحي واقعه وواقع مجتمعه، مزج فيها بين الخيال والحقيقة، وإن كانت معاناة الجزائريين مع الإرهاب هي الحقيقة الثابتة والوحيدة في أول رواية يصدرها "ابتسامات الموتى".
"ابتسامات الموتى".. عندما تنتصر الضحية على جلادها بعد موتها
رغم أن الكاتب حكيم الشيخ أدخل بعض التفاصيل الغريبة على روايته كما يرى متابعوها، فإن رواية "ابتسامات الموتى" المستمدة من أخطر فترة أمنية وسياسية واجتماعية مرّت بها الجزائر خلال سنوات التسعينيات، جعلت من ابتسامة ضحايا تلك الحقبة العنوان الأبرز لتحدي الجزائريين للإرهاب ورفضهم الانكسار أمامه، وعبَّر عن شخصية الجزائري "المفطومة على التحدي ورفض الهزيمة حتى آخر رمق" في أزماته.
- رواية "خليل" لياسمينة خضرة الأكثر مبيعا في معرض الجزائر الدولي
- تدني نسبة القراءة والإقبال على معرض الجزائر للكتاب.. تناقض أم واقع؟
صاحب الرواية، ومن خلال أحداثها التي تُدخل القارئ في بعض جزئياتها بمتاهة كل شخصية، أطلق مجموعة من الرسائل مع كل حدث ومع كل شخصية، لكن عنوانها الأبرز والأكبر هو أن "ابتسامات ضحايا الإرهاب في الجزائر كانت سلاحا جعل الجلاد يتمنى أن يكون مكان الضحية في العالم الآخر، أو أن تلك الضحية انتقمت من جلادها قبل موتها".
لم يقصد حكيم الشيخ في روايته تكريس التشاؤمية، كما صرَّح بذلك، بل وثَّق في روايته بأن "ابتسامة الميت لم تكن فقط الشاهد الوحيد والأخير على انتصار الضحية على الجلاد، بل إن تلك الابتسامات رسمت الخيوط الأولى للأمل في مستقبل أفضل يحلم به الجزائري الصغير قبل الكبير".
ومما جاء في مقدمة الرواية على لسان وقلم كاتبها حكيم الشيخ: "كان كل شيء يحيط بي قاتلا، لكني لا أزال حيا حتى الآن، كنت أخاف الموت والرحيل عن هذا العالم السّمج، فوجدتني أعيش على هذا الكوكب مثل طيف غريب عن المجموعة الشمسية، ليتحول الخوف من الموت والزوال إلى الخوف من مواصلة الحياة".
وتابع: "اسمي أيمن، لست بطل الرواية أو الحكاية، سمّها ما شئت، ولا (عليلو الطيّارة) بطلها ولا أي من شخوصها، أنا فتى كئيب بالفطرة أبحث أحيانا عن رغيف سعادة أدسه في روحي، أحب وحدتي وبرودتي وغطرستي وكآبتي السحيقة وسواد الأفق اللعين، لم أدخن بعد أول سيجارة في حياتي، ولم أتذوق أول رشفة نبيذ".
وأضاف مفصلا: "ها أنا أقطف عاشر تفاحة من عمري، ما زلت أتذكر كيف قطعوا سري كي لا أبقى أغرل مثل السي رابح الودالي، كنت حينها في السادسة، وكان العالم جميلا قبل أن يتحول فجأة".
ملخص الرواية
فيها ما فيها من بعض الخيال، لكنها مستمدة من واقع مرير عاشه الجزائريون خلال فترة زمنية من عمر بلادهم، هكذا رسم حكيم الشيخ سيناريو روايته، الذي اعتمد في فصوله على بطلين، أحدهما اسمه "عليلو الطيارة"، والثاني "أيمن".
"عليلو الطيارة" ضحية مزدوجة، ضحية للإرهاب وقبْله لهجر والده العائلة وتركه وحيدا، وجد حينها "عليلو" نفسه في حيرة أو ورطة البقاء وحيدا في قريته التي عانت من ويلات الإرهاب سنوات التسعينيات، وتتراكم خلالها عقده النفسية.
سر العقد النفسية
تذكر أحداث الرواية أن "عليلو الطيارة" أصبح يعاني من عقد نفسية بعد ختانه في سن متأخرة، وعند توجهه إلى أحد أطباء قريته رفض الطبيب ختانه، ما دفعه لينتقل إلى مستشفى المدينة الحكومي بمنطقة "ذراع الميزان" في منطقة القبائل الأمازيغية (شرق الجزائر).
- تلفزيون الجزائر يبث صورا مروعة لأول مرة عن "دواعش التسعينيات"
- الجيش الجزائري يدعو "فلول إرهاب التسعينيات" للاستسلام
قد يكون من حسن حظ "عليلو" أنه صادف أوروبيا في عقده الـ5 وهو يخرج من غرفة العمليات بلباس الختان، وهي العملية التي أجراها بعد أن قرر الدخول في الإسلام عقب وقوعه في حب فتاة جزائرية، لكن ذلك لم يطمئن "عليلو"، ولم يتقبل فكرة ارتدائه لباس الختان وهو في ذلك العمر، إلا أنه أجرى العملية.
تفاجئ الرواية قارئها بأن "عليلو" قرر في تلك اللحظة الهروب إلى الغابة خوفا من أن يراه أصدقاؤه وهو بتلك الحالة، خاصة مع ملامحه القاسية وقوته البدنية كما صورها الكاتب، إلا أن العقد النفسية غلبت تلك القوة، إلى أن تلاشت، خاصة وأنه ينتمي إلى مجتمع قروي متمسك بعاداته وتقاليده، ونابذ لكل من لا ينتمي إليها.
يبدأ سوء الحظ يلتصق بـ"عليلو"، إذ أنه عند وجوده في الغابة التقى صدفة مجموعة إرهابية، ليلوذ بالفرار نحو قريته وهو بلباس الختان، لكن رصاصة الإرهابيين كانت أسرع من "عليلو".
لم يمت "عليلو"، لكنه تعرض لأسوأ ما قد يتعرض له رجل، حيث أصيب ذكره المختون بتشوه زاد من حجم عقده، بل وزرع فيه رعبا وخوفا جديدا على مستقبله.
في خضم ذلك، يتخذ "عليلو" قرارا مصيريا، ويقرر البحث عن والده المقيم في فرنسا، ينجح في العثور على أرقامه، رغم أن ذلك كان بمثابة "سحق كرامته" عندما طلب المساعدة من والده.
كان "عليلو" يعيش بين مطرقة استباحة الإرهابيين أرض ودم أهل قريته، ومستقبله المجهول، ليفر بمساعدة والده إلى مدينة مرسيليا الفرنسية، التي تعرَّف فيها على فتاة تعمل طيارة في الخطوط الجوية الفرنسية، وهي الفتاة التي ورطته فيما بعد مع شبكة عالمية تتاجر بالمخدرات، ويكون مصيره السجن، رغم أنه كان يعيش في سجن كبير، ومنها استمد الكاتب اسم بطل قصته الأول "عليلو الطيارة".
الشخصية الثانية وهي "أيمن" صاحب الـ10 أعوام، أراده الكاتب أن يكون نموذجا عن فئة الأطفال الذين عاشوا طفولة مشوهة أيام وسنوات "العشرية السوداء" مع الإرهاب في الجزائر، وما تحمله ذاكرته "الطرية" كما سماها من صور دموية وروائح جثث متعفنة و"غيرها من تعاويذ الخوف من زمن انعدم فيه الأمن".
ومن خلال تتبع أحداث الرواية، يجعل الكاتب حكيم الشيخ من بطلها الثاني "أيمن" شاهداً على عديد الجرائم البشعة التي ارتكبتها الجماعات الإرهابية في الجزائر، أبرز من خلالها أيضا أن تلك الأحداث عملت على "نهش" جانب من طفولة أيمن، بشكل جعله يرى اللون الأسود فقط في عالمه وربما في مستقبله.
واعتمد الكاتب على وصف صور لمشاهد الاغتيالات والجثث الهامدة وأصوات الرصاص والرؤوس المقطوعة لتكون تلك الصور "المدججة في مخيلة الطفل أيمن"، إلا أن أيمن كان يرى ابتسامات "تنبعث" من تلك الجثث المتناثرة في قريته قرأها "بعمق" فيما بعد رغم صغر سنه.
شخصية "أيمن" في رواية "ابتسامات الموتى" كانت في المحصلة ذلك الطفل الذي لم يحلم بشراء لعبة جديدة أو أن يصبح طيارا أو طبيبا أو رائد فضاء كما يحلم عادة من هم في سنه، بل كانت أحلامه "ظالمة لسنه" كما أوحى بذلك الكاتب، بأن تحولت إلى البحث عن الأمان، وعن ملاذ آخر للهروب من واقع موحش ومتوحش.