تدني نسبة القراءة والإقبال على معرض الجزائر للكتاب.. تناقض أم واقع؟
مسؤولون في دور النشر يشرحون لـ"العين الإخبارية" إشكالية تدني نسبة المقروئية في الجزائر مع الإقبال الهائل على معرض الجزائر الدولي للكتاب
مع انطلاق معرض الجزائر الدولي للكتاب من كل عام تطرح تساؤلات في الوسط الثقافي عن إشكالية "التناقض الحاصل بين نسب المقروئية المتدني في الجزائر والإقبال الكبير للجزائريين على المعرض".
- إطلاق أول نادي قراءة خاص بالمكفوفين في معرض "الجزائر للكتاب"
- إقبال كبير على جناح الشارقة في معرض الجزائر الدولي للكتاب
وفي الوقت الذي يقدر فيه حجم مبيعات معرض الجزائر الدولي للكتاب بنحو 5 ملايين دولار، تشير التحقيقات الميدانية والدراسات التي أعدت في العامين الأخيرين، إلى وجود "أزمة مقروئية" في الجزائر، بشكل دعا المختصين إلى دق جرس الخطر.
وأشارت آخر الدراسات التي أعدت نهاية 2017، إلى أن نسبة المقروئية في الجزائر لا تتعدى 6.8%، فيما وصلت نسبة الجزائريين الذي لا يمارسون ظاهرة "فعل القراءة كلياً" إلى 56.86%، في بلد يفوق عدد سكانه 42 مليون نسمة، ما يعني أن 20 مليون جزائري على الأقل لا يقرأون.
في مقابل ذلك، بلغ عدد زوار معرض الجزائر الدولي للكتاب في 2017 مليوناً و500 ألف زائر، وقارب المليون في الأيام الأولى من نسخة 2018، مع تطلع رسمي لأزيد من مليوني زائر هذا العام، إلا أن التهافت الكبير للجزائريين على معرض الكتاب في مقابل نسب المقروئية المتدنية يصفه كثير من المثقفين الجزائريين "بالظاهرة الغريبة".
"العين الإخبارية" حاولت البحث عن إجابة عند دور النشر المشاركة في النسخة الـ23 من معرض الجزائر الدولي للكتاب، فاختلفت الإجابات بين صعوبة تحديد نسبة المقروئية في الجزائر استناداً إلى عدد الزوار، وبين التشاؤم من "عدد افتراضي" أكثر منه واقعي.
عدد الزوار.. مؤشر إيجابي
دار القصبة للنشر، التي تعتبر أكبر دار للنشر في الجزائر ومنطقة المغرب العربي والتي تحرص حسب مسؤوليها على متابعة اهتمامات القارئ الجزائري ومتطلبات السوق المحلية، تملك رؤية عما يراه كثيرون "تناقضاً بين نسب المقروئية في الجزائر والإقبال الهائل من قبل الجزائريين على معرض الجزائر الدولي للكتاب كل عام".
- كتب التفسير والتاريخ الأكثر مبيعا بجناح سلطنة عمان في "معرض الجزائر"
- بالصور.. الصين تعرض مخطوطات نادرة في معرض الجزائر الدولي للكتاب
حيث كشف ممثلها السعيد سبعون في تصريح لـ"العين الإخبارية" "إقبال الجزائريين الكبير على معرض الكتاب لا يعتبر ميزة خاصة بالجزائر فقط، بل نجدها في كل دول العالم التي تقيم معارض دولية للكتاب، ولمسنا ذلك من خلال مشاركاتنا في مختلف المعارض خارج الجزائر".
ويرى سبعون "أن إقبال الناس على معرض الكتاب لا يعني ضرورة اقتنائهم الكتاب، والإشكال الحقيقي هو عدم وجود إحصائيات في الجزائر عن نسبة المقروئية وعن عدد الكتب المباعة، وأكثر الكتب رواجاً".
وأضاف "كلما كان إقبال الزوار على المعرض مرتفعاً كلما كانت نسبة الاقتناء كبيرة، لكن يمكن الجزم بوجود علاقة طردية بين عدد زوار المعرض ونسبة المبيعات أو نسبة المقروئية، وعلينا أن ننتبه إلى شيء مهم، نحن نتواجد في مكان اسمه معرض، وهو مكان ثقافي، ومجرد تكريسه سنوياً سيكرس ثقافة اقتناء وقراءة الكتب بشكل أكبر في الجزائر".
دار القصبة للنشر تجد كل عام منافسة قوية من مختلف دور النشر العربية والأجنبية، حيث كشف ممثلها السعيد سبعون لـ"العين الإخبارية" أن "دار القصبة تعمل كل عام على أن تكون في المستوى من خلال تلبية رغبات القارئ الجزائري".
وأضاف "نملك فكرة حول سير السوق الجزائرية أولاً، وإنتاجنا بالأساس للسوق المحلية والقارئ الجزائري، وفي كل معرض أو من خلال وضع الكتب في المكتبات نلاحظ ما هي أكثر الكتب والإصدارات التي تلقى رواجاً وإقبالاً أكبر من قبل الجزائريين، ونحاول التفاعل والتكيف مع هذه المتطلبات والعوامل".
وأردف قائلاً "نحاول دائما إرضاء القارئ من حيث المحتوى، أو من حيث الإخراج والشكل، ودار القصبة هي اليوم علامة كبيرة يجب عليها ألا تخيب القارئ، وهي تبذل كل الجهد للاتقاء بالعمل نحو الأحسن".
"العين الإخبارية" استفسرت عن "الممنوع" بالنسبة لدار القصبة، خاصة أنها كانت السباقة لنشر بعض الكتب وتحديداً المذكرات، مثل مذكرات الرئيسين الجزائريين الراحلين الشاذلي بن جديد وعلي كافي، والتي أثارت الكثير من الجدل في الجزائر.
فكان رد مسؤول دار القصبة للنشر بأن "الممنوع بالنسبة لنا هو كل ما يمس الضمير الجماعي الوطني، وهو ما ينطبق على كل دور النشر في العالم بما فيها الولايات المتحدة، وحرية التعبير التي نطالب بها دائماً حدود لا يجب تجاوزها مهما كان مستوى درجة حرية التعبير، ولا يمكن لنا اختراق قيم المجتمع الجزائري".
تناقض وتشاؤم
من جانبه، أعرب خليل سعيدي ممثل دار التنوير اللبنانية للنشر لـ"العين الإخبارية" عن "تشاؤمه" من نسبة المقروئية في الجزائر.
- الكاتب الجزائري واسيني الأعرج: الروائي يرمم التاريخ ولا يعيد كتابته
- جابر عصفور في معرض الجزائر للكتاب: الرواية وسيلة لمواجهة القمع
وقال "كل عام نسمع عن إحصائيات تتحدث عن قرابة مليوني زائر في معرض الجزائر الدولي للكتاب، وكل عام تكون هناك إصدارات جديدة في مختلف المجالات، ويقبل عليها القارئ الجزائري بشكل كبير لكن أعتقد أن ذلك غير مترجم على أرض الواقع، وأنا متشائم كثيراً، وعدد الزوار لا يعكس حجم المقروئية في الجزائر، بل يعكس التناقض الموجود في الجزائر".
وأرجع ذلك إلى "أن أغلبية القراء في الجزائر عبارة عن معلبات فكرية، فهم يقتنون العنوان نفسه وهم يتبعون التأثير الإعلامي، كأن نجدهم يقبلون على رواية أو كتاب فلان لأن وسائل الإعلام سلطت الضوء أكثر على ذلك الإصدار.
ورغم الانفتاح الكبير الذي تشهده الساحة الثقافية الجزائرية سواء من حيث عدد دور النشر التي تزداد كل عام، أو عدد الكتب والإصدارات الجديدة، إلا أن نسبة المقروئية في الجزائر تزداد تدنياً هي الأخرى كل عام.
ثقافة الإنترنت
وأرجع عدد من مسؤولي دور النشر في معرض الجزائر الدولي للكتاب لـ"العين الإخبارية" "عزوف الجزائريين" عن الكتاب الورقي إلى دخول النشر الإلكتروني على خط المنافسة، إضافة إلى الدور الكبير الذي تلعبه الشبكة العنكبوتية في التثقيف، ما يدفع الجزائريين إلى الاستغناء عن الكتب ذات الصفحات الكثيرة، والاكتفاء بمواقع إلكترونية تقدم ملخصات عنها.
- "القراءة من الكتاب إلى الرقمنة" ندوة بمعرض الجزائر الدولي للكتاب
- معرض الجزائر الدولي للكتاب يتطلع لجذب مليوني زائر في 2018
وانقسم تفسير أصحاب دور النشر المشاركين في معرض الجزائر الدولي للكتاب لتلك "الظاهرة الغريبة" بين من يرى أنها ظاهرة صحية ومبشرة بغرس ثقافة القراءة في المجتمع الجزائري، ومن وصف العدد الكبير للزائرين "بالكاذب أو الافتراضي".
غير أن النقطة التي اشترك فيها جميع الفاعلين الثقافيين في معرض الجزائر هو ضرورة استحداث مراكز لسبر الآراء وفسح المجال أمام الدراسات الأكاديمية لإماطة اللثام عن واقع القراءة في الجزائر، خاصة أن المقروئية تعد المقياس الحقيقي والمؤكد للحالة الصحية لأي مجتمع من الناحية الثقافية حسب المختصين.
وتستمر الدورة الـ23 لمعرض الجزائر الدولي للكتاب إلى 10 نوفمبر/تشرين الثاني، وتشهد مشاركة 48 دولة، وكانت الصين ضيف شرف الدورة بنحو 10 آلاف كتاب، فيما بلغ عدد الكتب المعروضة 300 ألف من 1018 دار نشر من مختلف دول العالم.