إخوان الجزائر 2020.. رقصة "الديك المذبوح"
لا يختلف جزائريان على أن 2020 كان بمثابة عام نحس على الإخوان بداية من دستور كتب نهاية أحلامهم وإصلاحات سياسية سرعت من زعزعة وضعهم.
منذ نحو عامين، وإخوان الجزائر يبدعون في أداء رقصات "خروج الأرواح الشريرة"، من رقصة الديك المذبوح في 2019، إلى رقصة "المنتوف ريشه" في 2020، وسط توقعات بألا يبقى منه إلا أرجل عرجاء عارية.
هكذا مضى عام 2020 على إخوان الجزائر، تعددت رقصاتهم لنهاية مرتقبة واحدة، حيث كان ثاني أسوأ عام في تاريخهم المثقل برقصات النفاق والتضليل والكذب، بعد عام الحراك الشعبي الذي أصدره حكمه النهائي ضدهم "بلفظهم ورفض أي دور لهم".
في 2020، بدأ تنفيذ الحكم الشعبي على الإخوان، رغم محاولات الغزل للرئيس الجديد عبدالمجيد تبون، وإيهام الداخل والخارج أن هناك "تقارباً" مع الرئاسة تمهيداً لدخول ذات القصر "حاكمين".
ظل "قصر المرادية" الرئاسي إلى آخر لحظة هو حلم إخوان الجزائر، لكنهم دخلوه "صاغرين مذلولين" بعد أن تأكدوا بأن أغلبية الجزائريين ليسوا ضد حكمهم فقط، بل ضد بقائهم في المشهد السياسي.
لكن شاءت الأقدار أن ينطبق عليهم المثل القائل "العام يبين من خريفه"، فبات واضحا أن عام 2020 بداية نهاية إخوان الجزائر عندما قاطع نحو 18 مليون ناخب دعواتهم للتصويت بـ"لا" على الدستور.
الدستور.. كتاب نهاية الإخوان
بعد إعلان الرئيس الجزائري بدء مشاورات مع الطبقة السياسية لإعداد دستور جديد للبلاد، سال لعاب الإخوان، واعتبروها وفق تصريحات سابقة لخبراء لـ"العين الإخبارية" فرصة لا تعوض لكسب ود خليفة بوتفليقة، تمدد بقاءهم ولعلها تزيد امتيازاتهم.
اعتقد الإخوان أن تبون "قليل الخبرة السياسية" مقارنة ببوتفليقة، يسهل سحره بخطابات النفاق الديني والسياسي والديمقراطي، لكن السحر انقلب على الساحر وفق تعليقات الجزائريين عبر منصات التواصل.
- هل تكتب تعديلات دستور الجزائر نهاية الإخوان؟
- وزير الدفاع الجزائري الأسبق يتهم إخوان الخارج بالتآمر على الجيش
هرولة جماعتي الإخوانيين عبدالرزاق مقري وعبدالله جاب الله إلى مقر الرئاسة للقاء تبون، أنهت ما تبقى لتياري "حركة مجتمع السلم" و"جبهة العدالة والتنمية" من ماء الوجه للتكفير عن أخطاء "لا يغفرها لا القانون ولا الشرع" وفق المراقبين.
لم يكن ذلك إلا ماء قذراً تعوّد إخوان الجزائر على غسل وجوههم ومواقفهم به، فزاد تأكد الجزائريين من أن تلك الجماعة "لا مبدأ ولا ميثاق لها"، إلا تحقيق مصالحها بأي ثمن أو طريقة كانت.
لكن لقاء الإخوانيين بالرئيس الجزائري لم يمر مرور الكرام على أبناء هذا البلد، فذكروهما بمواقفهما الرافضة لتوليه الحكم، وتشكيكهما في نزاهة الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية العام الماضي.
كان هذا اللقاء الأول والأخير، فاصطدما بمقترحات دستورية عرفا جيداً بأنهما أكبر الخاسرين منها، وكأنها وضعت على مقاس إنهاء مزاعمهما بأن لهما ثقلاً سياسياً، وأنهما رقم صعب في المعادلة السياسية لا يمكن تجاهلها من قبل أي رئيس يحكم البلاد.
أبعد الدستور الجديد المدرسة والجامعة والمساجد عن الحسابات السياسية والأيديولوجية، وحرّم أي نشاط جمعوي بتمويل خارجي أو لأهداف سياسية، ودسترة الفساد بكل أنواعه بما فيه الخيانة والعمالة للخارج.
كلها كانت ضربة موجعة لجماعة إخوان الجزائر، فقد كانت سلاحهم الدائم في اختراق المجتمع وشراء ذمم المستضعفين منهم اجتماعياً أو فكرياً.
وذكر خبراء قانونيون ومحللون سياسيون أن النصوص الدستورية الجديدة "جففت منابع ومصادر اختراق الإخوان للمجتمع الجزائري" وفق رؤية سياسية دقيقة ومدروسة لتاريخهم الأسود المليء بأنواع مختلفة من الفساد السياسي والديني والاجتماعي وحتى الاقتصادي والأخلاقي.
صدمة الكوتة
صدمة إخوان الجزائر زادت بعد أن شرح الرئيس عبدالمجيد تبون مقصده من مصطلح "أخلقة الحياة السياسية"، عندما تحدث في سابقة هي الأولى من نوعها عن اعتزامه إنهاء العمل بنظام المحاصصة السري المعروف في الجزائر بتسمية "نظام الكوتة".
نظام استفاد منه الإخوان طوال 3 عقود، منح لهم مكانة سياسية تتجاوز حجمهم وحقيقتهم في المشهد السياسي، عبر البرلمان والمجالس المحلية.
أفرزت جميع الانتخابات التشريعية والمحلية التي جرت منذ إقرار التعددية السياسية عام 1989 ما يشبه "النتائج الموحدة" كل 5 سنوات، مراتب ومقاعد محددة للتيارات الإخوانية، ومناصب وزارية وفي مختلف إدارات البلاد، باسم "القوة البرلمانية".
"غض الإخوان بصرهم" عن ذلك الفساد السياسي، بل كانوا مشاركين فيه ومن أكثر المستفيدين منه، حتى إنهم "صدقوا الكذبة التي كذبوها" بأن لهم "قوافل بشرية توصلهم إلى الحكم".
تبين منذ 2019، أن "خد الإخوان له قابلية رهيبة للصفع"، كونهم لم يتقبلوا رفض ملايين الجزائريين لهم في الشوارع من خلال حراكهم الذي أنهى حكم بوتفليقة، وطالب برحيل كل من سار في فلكه أو في فلك النظام الذي حكم البلاد طوال أكثر من 30 سنة.
غير أن صفعة الدستور وإعلان تبون اعتزامه تعديل قانون الانتخاب لإنهاء "وصاية الإخوان عبر الكوتة" جعلتهم يكشفون عن وجههم الحقيقي، خصوصاً بعد رفض كل مقترحات التعديل التي وردت منهم، وإن ركزت في معظمها على المواد المتعلقة بالحكم دون غيرها من المواد التي أثارت الجدل في الشارع الجزائري.
وسارع الإخوانيان جاب الله ومقري لإقناع الجزائريين بإسقاط الدستور برواية "المخاطر"، لكنهما لم يجرؤا على قول الحقيقة لأبناء بلادهما، عن أي مخاطر يتحدثان، وإن كانت على الوطن أم على مصالحهما ووجودهما.
عويل الإخوان لم يكن إلا من مكان مظلم لهم ومضيء للجزائريين، إذ قابلوا حملاتهم الموازية لإسقاط الدستور بكثير من السخرية والأهم بوعي غير مسبوق لنفاقهم وكذبهم وفق تعليقاتهم عبر منصات التواصل .
ومع إعلان نتائج الاستفتاء الشعبي على الدستور خريف هذا العام، تأكد الإخوان مرة أخرى بأنهم باتوا على هامش الرأي العام والمشهد السياسي، وبعد أن لفظهم الملايين في 2019، عاد 18 مليونا لينتفوا ريشهم بمقاطعة واسعة.
الولاء لتركيا
يخطئ من يعتقد أن التطورات المحيطة بحدود الجزائر لا علاقة لها أو لا تأثير لها على إخوان الداخل، وفق تأكيدات الخبراء الأمنيين في تصريحات سابقة لـ"العين الإخبارية".
فبعد سقوط ورقة التمديد لبوتفليقة التي سعت لها جماعة عبدالرزاق مقري، وبعد اصطدامهم بواقع الشارع الرافض لبقائهم، سارع إخوان الجزائر لاستغلال ورقة تركيا للاستقواء بها، ولعلها تحميهم من انهيار محتوم.
لم يخجل إخوان الجزائر في 2020 من دعم الغزو التركي لليبيا صراحة والترويج لمخططاتها المشبوهة ضد المنطقة، رغم تعارض ذلك مع مواقف الجزائر الرسمية وسياساتها الخارجية، موقفها تحديداً من الأزمة الليبية الرافض للتدخلات العسكرية الأجنبية.
وعلانية دعا "مقري" رئيس ما يعرف بـ"مجتمع السلم" الرئيس الجزائري لما أسماه "التحالف مع تركيا وإيران وقطر"، ليفضح بذلك علاقة الحركة الإخوانية المشبوهة بنظام رجب طيب أردوغان وبأنها "خنجر تركي مسموم في خاصرة الجزائر".
وبعد أن عبرت الجزائر عن موقفها المبدئي للتدخلات العسكرية في ليبيا أو الانسياق وراء أطماع أرودغان وسياسة المحاور، تكالب الإخوان على السلطة وأطلقوا جراثيمها الإلكترونية للضغط عليها وحتى التشكيك في رغبتها في إنهاء الصراع الدائر في هذا البلد المجاور.
قابل الجزائريون مواقف الإخوان باستياء وغضب كبيرين، واعتبروا في تعليقاتهم ومنشوراتهم أنهم مجرد "اتباع لأرودغان وأجنداته الشيطانية".
ساهمت تلك المواقف وفق المتابعين، في عزل جماعة إخوان الجزائر داخلياً، وأكدت مرة أخرى ولائهم المطلق للتنظيم الدولي على حساب بلد المليون ونصف المليون شهيد.
وبالمحصلة، لم يكن 2020 كبقية الأعوام، حيث يقول المراقبون إنه العام الذي لم ينفعهم فيه سحرهم وشعوذتهم، ولا أموالهم المبيضة، ولا ولائهم لتركيا وقطر أو الدوائر الفرنسية المشبوهة، ولا مغازلتهم لتبون أو الشعب تارة، ولا نظام القمار السياسي الممثل في "الكوتة"، فقد باتت أوراقاً محروقة ومكشوفة لدى الجزائريين وسلطتهم.
ومع التغيير المرتقب لقانون الانتخاب وحل البرلمان والمجالس المحلية، يتوقع المتابعون للشأن السياسي الجزائري بروز خارطة سياسية جديدة تتغير معها تضاريس المشهد وقوانين اللعبة، "تتبخر فيها جبال الثلج الإخوانية" ومعها تتبخر أحلامهم في الحكم.
وحتى البقاء في الساحة السياسية التي يبدو أن مناعتها لم تعد تتحمل الجراثيم الإخوانية، وهو ما أكده استفتاء تعديل الدستور بمضمونه ونتائجه ونسب التصويت عليه، بأن الجزائر ما بعد الاستفتاء لكن تكون كما سبقه.