بـ4 بلدان عربية.. مواد دستورية تتحكم بمصير نحو 200 مليون شخص
من الجزائر إلى تونس، مرورا بمصر، ووصولا إلى السودان، بانتظار تفعيل أو تعديل لمواد دستورية قد تنهي حراكا أو تخمد غضبا أو ترسي حوارا
مواد دستورية تحكم مصير عدد من شعوب المنطقة العربية، سواء عبر تفعيلها أو تعديلها، في مسارات ترنو أو تفرض نفسها في سياقات ملتهبة، أملا في كبح جماح الغضب الشعبي أو لضرورات أخرى.
فمن الجزائر إلى تونس، مرورا بمصر، ووصولا إلى السودان، يضبط نحو 192.5 مليون شخص بهذه البلدان، وإن بدرجات متفاوتة، عقارب ساعاتهم بانتظار تفعيل أو تعديل لمواد دستورية قد تنهي حراكا أو تخمد غضبا أو جدلا.
قوانين أساسية عليا تختبئ في طيات الدساتير، لكنها تشكّل نقاط ارتكاز محورية قادرة، وفق طرق التعامل معها، على تهدئة أوضاع متفجرة، أو بعثرة أوراق المنطقة وإعادة تشكيل المشاهد السياسية في بلدانها.
وفيما يلي، تستعرض «العين الإخبارية» أبرز الحالات المطروحة بالمنطقة العربية في الوقت الراهن:
الجزائر والمادة 102.. حل أم مأزق؟
المادة 102 هي إحدى مواد الدستورالجزائري و تنص على إعلان شغور منصب الرئيس، وتشكّل نواة المرحلة الحالية في البلاد التي تشهد احتجاجات مطالبة برحيل بوتفليقة ونظامه.
وهي المادة التي أعلن رئيس أركان الجيش الفريق قايد صالح، قبل أيام قليلة، أنها الحل الوحيد للخروج من الأزمة داعيا لتفعيلها.
وتنص المادة المذكورة من الدستور الجزائري المعدل عام 2016، على أنه "في حال استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، وبعد التثبّت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع".
إثر ذلك، يعلن البرلمان -المنعقد بغرفتيه- ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي أعضائه، ويكلف رئيس مجلس الأمة بتولي رئاسة الدولة بالنيابة مدة أقصاها 45 يوما.
وفي حالة استمرار المانع عقب انقضاء هذه المدة، يُعلَن الشغور بالاستقالة وجوبا، ويتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها 90 يوما، تنظم خلالها انتخابات رئاسية.
مقترح أرادته المؤسسة العسكرية الجزائرية حلا يقي الشعب الانقسام، غير أن خبراء في القانون الدستوري يؤكدون أنه يفتح مصير الجزائريين على المجهول.
مأزق يتأتى على وجه الخصوص من بند التجاوب المأمول للمجلس الدستوري مع مقترح الجيش، وإشكالية الجنسية المكتسبة لرئيس مجلس الأمة، عبدالقادر بن صالح (مولود في المغرب ثم جُنّس عقب استقلال بلاده في 1962).
فاحتمال عدم استجابة المجلس الدستوري وتفاهمه مع مخرجات الجيش، قد يفجر خلافا من شأنه أن يقود البلاد نحو تجميد الدستور، ما يعني انزلاقها إلى أزمة أشد خطورة مما شهدته في العشرية السوداء في تسعينيات القرن الماضي.
تونس.. تعديل لمواجهة الشاهد والإخوان
رغم أنه لم تمض سوى 5 أعوام على صياغة الدستور التونسي، فإن الرئيس الباجي قايد السبسي دعا إلى تعديله، بسبب وجود ما سماه "اختلافا في تأويل" بعض فصوله، وتجميع السلطة التنفيذية بأيدي رئيس الوزراء.
السبسي قال إن لديه مقترحات جاهزة للتعديل، لكنه لم يفصح تحديدا عن المواد المستهدفة في مجملها، متطرقا إلى المادة 71 من الدستور التونسي، والتي تنص على أن "السلطة التنفيذية يمارسها رئيس الجمهورية وحكومة يرأسها رئيس حكومة".
ولفت السبسي إلى أن تشكيل الحكومة الأخيرة جرى دون استشارته باعتباره رئيسا للبلاد، وإنما تم بتوافق بين رئيس الحكومة وحركة النهضة الإخوانية.
تصريح أخرج الغضب الكامن لدى الرئيس التونسي من تعديل وزاري اقترحه رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وصوت لصالحه البرلمان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
خطوات رأى فيها السبسي تجاوزا له و«مخالفة للدستور»، باعتبار أنه كان من المفروض إعلامه قبل المرور مباشرة إلى البرلمان، ما يستبطن أن الخلاف المستعر بين السبسي والشاهد بلغ ذروته.
دعوة السبسي إلى تعديل الدستور لا تأتي فقط بناء على ما سبق، وإنما لمواجهة الإخوان في البلاد، على خلفية الخلافات المتفجرة معهم حول قراءة النص الدستوري في خصوص المرجعية الدينية، في إشارة إلى حركة "النهضة" الرافضة لمبادرة رئاسية لإقرار المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة.
ومن هنا، يعتبر السبسي أن "الدستور واضح في فصله الثاني، وينص على أن تونس دولة مدنية"، في رد مباشر على الإخوان المتشبثين بتوطئة الدستور التي تنص على أن "تونس دينها الإسلام".
وبهذا، يشن السبسي حربا على الرجعية والظلامية المؤسستين للمشروع الإخواني البغيض في تونس، من جهة، وعلى الشاهد، ابنه السياسي، في ضوء قطيعة مستمرة بين الرجلين منذ الربيع الماضي.
مصر.. جلسات استماع
في مصر أيضا، يترقب الشعب نتائج جلسات حوار مجتمعي بدأتها لجنة برلمانية، الأسبوع الماضي، للاستماع للآراء من خارج مجلس النواب (البرلمان) حول تعديل الدستور.
تعديل وافق عليه البرلمان المصري، مبدئيا، في 14 فبراير/شباط الماضي، ويشمل بعض مواد الدستور، بينها تمديد فترة الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات.
كما تقترح التعديلات تعيين نائب أو أكثر من نائب لرئيس الجمهورية، وإعادة صياغة وتعميق دور القوات المسلحة، وإنشاء غرفة برلمانية ثانية مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى زيادة نسبة تمثيل المرأة المصرية في المجالس النيابية.
مقترحات منحت المصريين مجالا واسعا للتعبير عن آرائهم بين مؤيد ورافض، والأهم أن نتائجها سترسم ملامح المشهد السياسي في البلاد، إما برفض التعديل وإما قبوله، وفي الحالتين، سيكون المصريون هم أصحاب الكلمة الفصل.
السودان.. فرص ضئيلة للتعديل
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن رئيس البرلمان السوداني إبراهيم أحمد عمر، تسلمه مقترحا من 33 حزبا لتعديل الدستور، بما يتيح للرئيس عمر البشير الترشح لدورات مفتوحة في انتخابات الرئاسة.
ومع أن البشير أعلن، في أكثر من مناسبة، أنه لا يعتزم الترشح لرئاسية 2020، إلا أن دعوات عديدة من داخل حزبه تنادي بإعادة ترشيحه.
ولكن، ورغم تأجيل النظر في التعديل الدستوري تحت وطأة الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، فإن المشهد السياسي المحلي يبدو محشورا في زاوية ضيقة.
فمع استمرار المظاهرات المنددة بالغلاء والمطالبة بتنحي البشير، تبدو فرص التعديل الدستوري ضئيلة، بل قد يكون إعادة طرح الموضوع في الوقت الراهن بمثابة صب الزيت على النار، وقد يرسم نهاية حزينة في بلد يطفو على رمال متحركة.
مشاهد من هنا وهناك، توحدها مطالب وتبعدها تفاصيل وخصوصية كل واحد منها، غير أن الثابت هو أن الدساتير تظل تلك البوصلة المنظمة لحياة الشعوب، والمحددة لملامح المنطقة بشكل عام، وإن اختلفت إحداثياتها.