الجزائر.. ماذا بعد بوتفليقة؟
تفعيل المادة 102 وإعلان شغور منصب رئيس الجمهورية يواجه العديد من العوائق الدستورية.. لذا ربما تكون البدائل السياسية خيارا هاما.
تسارعت الأحداث في الجزائر خلال الأسابيع الخمس الماضية بشكل كبير، فمنذ اندلاع التظاهرات الشعبية ضد ترشح عبدالعزيز بوتفليقة لعهدة خامسة في 22 فبراير الماضي، والبلد يموج باحتجاجات وتطورات متلاحقة، كان أهمها استقالة بوتفليقة من منصبه رسميا أمس الأول بعد وقت قصير من إعلان الفريق، أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الجزائري رئيس أركان الجيش، أنه لا مجال للمزيد من تضييع الوقت ويجب التطبيق الفوري للحل الدستوري.
المشهد الجزائري الآن يعج بالعديد من التساؤلات حول مستقبل الجزائر وكيفية إدارة المرحلة الحالية؟ في ظل تطورات متلاحقة.
وقبل الخوض في تفاصيل المشهد الجزائري اليوم، يمكننا قراءة نحو 50 يوما من التطورات والأحداث منذ بداية الاحتجاجات الشعبية، ضد بوتفليقة مرورا بخارطة الطريق وحتى استقالة الرئيس الجزائري أمس.
بداية الأزمة.. والحراك الشعبي
الأزمة السياسية في الجزائر بدأت بترشيح عبدالعزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة رغم ظروفه الصحية التي تمنعه من القيام بمهامه الدستورية، لكن أحزاب التحالف الرئاسي (جبهة التحرير وتاج والحركة الشعبية) قامت بترشيح الرئيس المنتهية ولايته في مشهد استفز الشعب الجزائري بعدما تم تقديم ملف ترشحه للمجلس الدستوري بالوكالة من طرف مدير حملته السيد عبدالغاني، وهو ما دفع بالشعب الجزائري للخروج في مسيرات ضخمة بجميع المحافظات بشكل لم تعهده الجزائر من قبل بدأت في الثاني والعشرين من فبراير، واتسمت المظاهرات بالسلمية وبرفعها شعارات تطالب بعدول الرئيس بوتفليقة عن الترشح، وهو ما لم يستجيب له في الأسابيع الأولى مما رفع سقف المطالب والمطالبة بذهاب كل ما يرمز لفترة حكم بوتفليقة الذي حكم الجزائر طيلة 20 سنة، لكن بالرغم من خروج الملايين من المتظاهرين كل جمعة لم يتنازل بوتفليقة ومحيطه عن السلطة وقام بإلغاء الانتخابات التي كان من المزمع إجراؤها بتاريخ 18 أبريل الجاري وعرض خارطة طريق تمتد إلى عام تقريبا يتم فيها تنظيم ندوة وطنية جامعة تنتهي بتعديل الدستور وإجراء انتخابات رئاسية قبل نهاية السنة الجارية، وهو الأمر الذي عجل بانفجار الأوضاع وتزايد وتيرة الاحتجاجات.
منذ بداية الأزمة وتفاقمها قام قائد الجيش الجزائري الفريق قايد صالح بتقديم العديد من رسائل الطمأنة كانت في مجمعها سبع رسائل خاطب من خلالها الشعب الجزائري على هامش زياراته الميدانية التي كان يقوم بها بشكل شبه يومي لمختلف النواحي العسكرية بالجزائر، وفي تطور ملتفت وسريع للأزمة السياسية الجزائرية أمس قام اليوم قائد الأركان بالجيش الجزائري باجتماع موسع جمع قادة النواحي العسكرية الستة بالإضافة إلى قادة القوات البرية والجوية والدفاع عن الإقليم، توج الاجتماع ببيان يعتبر قويا وسابقة في تاريخ المؤسسة العسكرية حيث تمت مطالبة رئيس الجمهورية السيد عبدالعزيز بوتفليقة بالاستقالة فورا، وهذا بعد مطالبة الجيش بتاريخ 24 مارس 2019 بتطبيق المادة 102 من الدستور الجزائري أي قبل أسبوع من الآن التي تنص على الإعلان عن شغور منصب رئيس الجمهورية سواء بالاستقالة أو إعلان حالة العجز بسبب المانع الصحي، وهو المطلب الذي سبب انقساما في المشهد السياسي الجزائري بين مؤيد ورافض حيث كانت معظم الآراء منقسمة إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية:
- أحزاب السلطة -وعلى رأسها حزب جبهة التحرير الوطني الحزب الحاكم وحزب تجمع أمل الجزائر- رحبت بمقترح الجيش.
-أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب جبهة العدالة والتنمية وحركة مجتمع السلم وهما حزبان من التيار الإسلامي أصدرت بيانات رسمية أهم ما ورد بها أن تفعيل هذه المادة كان متأخرا جدا وتجاوزه الحراك الشعبي الذي يطالب برحيل بوتفليقة وحكومته، أما حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية فقد قام بإصدار بيان شديد اللهجة ووصف مطلب الجيش بالانقلاب.
- حزب جبهة المستقبل اتخذ موقفا وسطا رحب بتفعيل المادة لكن مع تشكيل حكومة توافقية وتوفير ضمانات أكثر لإجراء انتخابات رئاسية شفافة تكون الفرص بها متكافئة أمام الجميع.
فيما كان رد الفعل الشعبي أكثر وقعا وتأثريا، إذ خرجت مسيرات ضخمة في 29 مارس، مطالبة بتنحي بوتفليقة بشكل عاجل دون الانتظار لتفعيل المادة 102 التي اعتبرت التفافا على مطالب الشعب ورغبة في كسب الوقت لا أكثر ولا تساهم في إيجاد حلول حقيقة للأزمة.
تسارعت الأزمة بشكل كبير خلال الـ48 ساعة الماضية بعد قيام الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بتعيين حكومة جديدة لم ترقَ لتطلعات المتظاهرين ورفض المعارضة التعامل معها واعتبارها غير دستورية، وقبلها قام قائد الجيش بتوجيه اتهام لقوى غير دستورية (يقصد بها شقيق الرئيس الأصغر وقائد المخابرات السابق الفريق توفيق) بأنها قامت باجتماع الهدف منه الالتفاف حول مطالب الشعب الجزائري ليأتي الحسم اليوم بعدما أعلن الرئيس السابق للجمهورية الجزائرية السيد اليمن زروال عن فحوى هذا الاجتماع برسالة موجهة للشعب الجزائري وهو الرئيس الذي تعود الجزائريون على صمته منذ مغادرته لقصر الرئاسة سنة 1999، وتحتوي الرسالة على العديد من النقاط المحورية أهمها:
-إثبات اجتماعه بقائد جهاز المخابرات السابق الفريق مدين توفيق وهذا بطلب من الأخير والذي عرض عليه رئاسة الجزائر في الفترة الانتقالية بطلب من شقيق الرئيس ومستشاره السعيد بوتفليقة.
-رفض السيد اليامين زروال هذا المطلب ومطالبته بتحقيق مطالب الشعب وترك الحرية له في اختيار من يرأسه.
لم يمضِ على بث هذه الرسالة في وسائل الإعلام الجزائرية وقت كبير حتى عقد رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، أمس الثلاثاء، اجتماعا بمقر وزارة الدفاع ضم كل مكونات قيادة الأركان، ويمكن اعتبار أن البيان الختامي الذي أصدره الجيش الجزائري يحمل الكثير من الدلالات، إذ شدد البيان على أنه لا يمكن السكوت على مؤامرات "العصابة" التي نهبت البلاد، مما يعني انحياز مؤسسة الجيش للشعب الجزائري.
تثبيت استقالة بوتفليقة
هناك العديد من الإجراءات القانونية التي يجب القيام بها لتثبيت استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة أبرزها:
-اجتماع المجلس الدستوري وجوبا كما تنص المادة 102 من الدستور لإثبات حالة الشغور وبعد إثباته يتم إخطار البرلمان .
-اجتماع البرلمان بغرفتيه برئاسة رئيس مجلس الأمة الذي يعلن حالة شغور منصب الرئيس وتنطلق فترة انتقالية لمدة 90 يوما.
-يترأس الدولة في هذه الفترة الانتقالية رئيس مجلس الأمة لفترة لا تتجاوز 90 يوما يقوم خلالها بالتحضير لانتخابات رئاسية.
ويواجه تفعيل المادة 102 وإعلان حالة الشغور بمنصب رئيس الجمهورية العديد من العوائق؛ في مقدمتها أن عبدالقادر بن صالح رئيس مجلس الأمة دستوريا هو الشخص المخول بقيادة البلاد لفترة انتقالية بعد استقالة بوتفليقة، والذي قد يواجه رفضا شعبيا باعتباره رمزا من رموز حكم بوتفليقة حيث رافقه طيلة فترة حكمه، وقد عبر المتظاهرين خلال مختلف المسيرات عن رفضهم تولي رئيس مجلس الأمة الفترة الانتقالية، ومطالبتهم بتعيين شخصية توافقية تحظى بالقبول لدى الشعب الجزائري.
أما العائق الثاني فيتمثل في القيود الدستورية التي تحظر على رئيس الدولة في الفترة الانتقالية إجراء أي تعديل حكومي وبالتالي الحفاظ على الحكومة الحالية طيلة الفترة الانتقالية، وهو ما يرفضه أيضا الشارع الجزائري، كل هذه العوائق تجعل من الفترة المقبلة صعبة واستقالة بوتفليقة هي جزء من الحل وليست كل الحل.
حلول سياسية وليست دستورية
يمكن النظر للحلول السياسية وليس الدستورية كمخرج للأزمة الراهنة في الجزائر والتي تتمثل في:
-حل الحكومة الحالية وتعويضها بحكومة تكنوقراط تشكل من شخصيات وكفاءات مستقلة.
-حل البرلمان بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة) وهما يواجهان انتقادات شديدة تمس بشرعية هذه المؤسسة المهمة مع إجراء انتخابات جديدة بعد تعديل قانون الانتخابات.
-ضرورة تسيير المرحلة الانتقالية من طرف شخصية توافقية تحظى بالحد الأدنى من الإجماع لدى الشعب الجزائري والمعارضة.
-استحداث آلية مستقلة لمراقبة الانتخابات لا تخضع للإدارة وهي من تشرف على تنظيم الانتخابات وإعلان نتائجها.
-تعديل قانون الانتخابات لضمان تكافؤ الفرص بين جمييع المرشحين.
-احترام الفترة الانتقالية التي يجب ألا تتجاوز 5 أشهر على أقصى تقدير تنتهى بإجراء انتخابات رئاسية.
هذه أهم الآليات التي يمكن أن تساهم في الانتقال السلس للسلطة بالجزائر في هذه الفترة ولا يمكن أن ننجح في تجسيد مطالب الحراك الشعبي إلا بتقوية مختلف المؤسسات ابتداء من مؤسسة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، على أن تتمتع المؤسسات الرسمية بالشرعية الشعبية التي هي الضامن الأساسي للتغيير الحقيقي واحترام إرادة الشعب من أجل بناء دولة مدنية قوية.
** الدكتور: محمد السعيد بن غنيمة أستاذ العلوم السياسية بجامعة مولود معمري.