الفنانة الجزائرية بهية راشدي لـ"العين الإخبارية": جمال المرأة في حيائها وأدعم الشباب لآخر يوم بحياتي
كشفت الفنانة الجزائرية القديرة بهية راشدي عن سر عودتها القوية إلى ساحة الأعمال الدرامية التي تتنافس خلال موسم رمضان لهذا العام.
وفي مقابلة خاصة مع "العين الإخبارية" تحدثت الفنانة الجزائرية الملقبة بـ"سيدة الشاشة الجزائرية" عن عودتها القوية إلى الشاشة خلال رمضان الحالي بـ5 أعمال درامية، أبرزها "5 حجرات" لمخرج شاب، و"عاشور العاشر"، واعتبرت دورها فيهما بـ"الجديد والنقلة النوعية" في مشوارها الفني.
- عتيقة طوبال لـ"العين الإخبارية" بمرارة: التهميش متعمد والمرض ليس عائقا
- سهيلة معلم: تمنيت تجسيد شخصية شهيدة الثورة الجزائرية
زوجة المخرج الجزائري الراحل محمد راشدي كشفت عن شروطها "الصارمة والدقيقة" في اختيار أعمالها التلفزيونية أو السينمائية وحتى الدرامية، مبرزة رفضها لأن تكون المرأة الفنانة "سلعة فنية"، وكشفت عن الدور الذي تمنت أداءه وهو "الزوجة الجزائرية المطيعة لزوجها كما كانت تفعل الأمهات والجدات والصابرة على هم الزمان والأولاد".
وبِطَلَّةٍ بهية أطلت الفنانة الجزائرية القديرة بهية راشدي على جمهورها طوال على مدار 50 عاماً من العطاء الفني، وهي التي أجادت أداء مختلف أدوار الأم الجزائرية الحنون أو المقهورة والمظلومة، أو الصابرة والمضحية.
لم يكتب لها في حياتها أن تكون أماً حقيقة لها أبناء مثل بقية النساء كما قالت لـ"العين الإخبارية"، إلا أن كل من يعرفها بحسب شهادات مختلفة يؤكدون بأنها "شلال من الحنان" الذي يرتوي منه كل من يقترب منها، يلقبها جمهورها ومحبوها بـ"يما (أمي) بهية"، واستطاعت أن تكون من أبرز الوجوه الفنية التي تحظى باحترام وحب الجمهور الجزائري.
يُعرف عنها قوة شخصيتها بجديتها وحنانها وعطفها وهدوئها ورقيها، ووضعها لـ"خطوط حمراء" في عملها الفني احتراماً للعائلة الجزائرية ولشخصها وفق قناعاتها.
حازت عام 2005 على جائزة "أفضل ممثلة عربية" بمهرجان تونس، وهي التي أثْرت الساحة الفنية الجزائرية بعدة أعمال بينها أكثر من 20 عملاً درامياً، ونحو 10 أفلام تلفزيونية.
كان من أشهرها الفيلم الكوميدي الاجتماعي "امرأتان" عام 1992 للمخرج "أعمر تريباش" وسيناريو "محمد أوقاسي"، وبطولة عملاق الكوميديا الجزائرية الفنان القدير عثمان عريوات.
فيلم لا زال راسخاً في الذاكرة الفنية والجماعية للجزائريين، خصوصاً ذلك المشهد الذي تعرضت فيه الفنانة بهية راشدي لـ"ضرب مبرح" من الفنان عثمان عريوات الذي أدت فيه دور الزوجة المظلومة والمقهورة من زوجها بعد زواجه من امرأة أخرى.
وهو المشهد الذي حيّر كثيرا من متابعيه، وسط تساؤلات من الجمهور إن كان مشهدا حقيقياً أم تمثيلياً، إلا أن الفنانة راشدي كشفت لـ"العين الإخبارية" بأنه "كان مشهدا حقيقياً، وكانت آخر من يعلم به بعد اتفاق بين الفنان عريوات والمخرج" ليعتذر منها بعد انتهاء المشهد.
القديرة بهية راشدي فتحت قلبها لـ"العين الإخبارية" في مقابلة مطولة، وهي تتحدث عن بعض تفاصيل حياتها التي كانت تتحاشى الحديث عنها إعلامياً، منها "الدعم المجاني" الذي تقدمه للموهوبين والهواة من صناع الأفلام من الشباب، إذ "تشترط عليهم أن تساعدهم في أي مرحلة من العمل بالمجان"، في مبادرة نادرة بالوسط الفني الجزائري لم يسبقها فيها أي فنان أو فنانة أخرى.
انتظرك الجمهور 3 أعوام تقريبا.. فكيف كانت العودة إلى الشاشة في هذا الموسم الرمضاني؟
شاركت في أكثر من عمل هذا العام الحمد لله، كان هناك جمود طوال سنتين أو ثلاث، لكن هذا العام انطلق أكثر من مشروع الحمد لله، هي حاضرة في شهر رمضان. هناك مسلسل "النفق" من 30 حلقة للمخرج المتألق بشير سلّامي، وعمل آخر بعنوان "7 حجرات" للمخرج الشاب الواعد العيادي صابر والنص لرابح سليماني. وفي مسلسل "عاشور العاشر" للمخرج الكبير جعفر قاسم سيرى الجمهور بهية راشدي في ثوب تمثيلي جديد تماماً، وهي الزوجة أو الملكة المتسلطة التي تحاول الانقلاب على "دحمانوس"، وأنا أركز كثيرا على هذا الدور لأنه بتمثيل ودور جديد في نص جديد مع شباب واعد إن شاء الله خاصة مع توفر إمكانيات رائعة في هذا العمل من حيث اللباس والديكور ومساحات التصوير التي تعتبر جديدة بالنسبة للمشاهد، وهذا ما نسعى إليه بإذن الله، حتى نكون في مستوى تطلعات المتلقي. ومشاركة محتشمة كضيفة شرف في مسلسلين، نحاول من خلالها أن نأتي بالجديد في مواضيع مختلفة.
يُعرف عنك دقة انتقائك لأدوارك.. ما المعايير التي تركزين عليها؟
سؤال مهم جدا، أولاً أحب أقرأ النص كاملاً من المشهد الأول إلى الأخير، ثم أقرأ دوري لوحده لعدة مرات، إذا وجدت فيه كلمة واحدة في لقطة واحدة وليس مشهد فقط تمس جهة معينة من بلادنا، خاصة مع اختلاف لهجاتنا المحلية حيث نجد بعض الكلمات تكون عادية في منطقة وبذيئة في منطقة أخرى، قد أموت في تلك اللحظة إن فرضها علي المخرج لأقولها. في حياتي اليومية ومع نفسي لا يمكنني أن أتفوه بكلام غير لائق، ناهيك عن كلمة لكل الجزائريين عن قصد أو غير قصد، أركز بالتالي على تفاصيل الحوار. ثم الشرط الأساسي قبل أن أمضي أي عقد مع أي منتج هو طلب تحسين دوري، إذا رفض أقول له السلام عليكم، وإذا وافق أهلا وسهلا.
حدث لي مرة في دور كان لي فيه ابن مدلل كان يحضر في كل مرة إلى البيت بنت ويقدمها لي على أنها صديقته، وفي مشهد آخر يطلب مني الابن أن أحضر له الأكل مع صديقته إلى غرفته، رفضت ذلك بشكل قطعي لأنه يشوه صورة العائلات الجزائرية، ولا يمكنني أن أقبلها في حياتي الشخصية مع ابني الحقيقي أو مع شقيقي، وقررت مغادرة التصوير وأرجعت المقابل المادي.
كانت هناك بعض المشاهد لا يمكنني أن أجسد فيها دور الزوجة التي تنام بجوار زوجها، وتمكنت من تغيير مشهد مع مخرج عندما رويت له قصة حقيقية لوالدي رحمه الله عندما كان مريضاً بالقلب، قلت له إن والدتي كانت تضع كرسياً صغيرا بجانبه وتبقى دون نوم لأنه خائفة من أن يحدث له أي شيء وهي نائمة، فاقترحت على المخرج المحترم أن أجسد نفس الفكرة مع الممثل القدير الذي أحترمه فوافق ورحب بذلك، وكان من المشاهد الناجحة جدا.
صحيح أن السينما خيال في خيال، لكن التلفزيون عكس ذلك، فهو يدخل بيوت الناس، وهذه قناعتي حتى في الأدوار السينمائية، بهية تبقى بهية.
سيدة الشاشة الجزائرية ركزت في أعمالها الجديدة على المشاركة في أعمال مع شباب سواء من حيث الإخراج أو التمثيل، ما السر في ذلك؟
الشباب يحمل فكرة وقوة وطاقة ونظرة جديدة، وهو متخرج ومتكون علمياً، يتحركون يميناً وشمالا وأحاول أن أعود دائما إلى مستواهم، وهو ما يجدد طاقتي، كما أن العمل معهم ممتع جدا، يمنحون لك لحناً جديدا وأفكارا جديدة خاصة إذا كان معهم فنان من الجيل القديم، يحاولون الوصول إلى الخبرة والمستوى والتجربة التي يمتلكها. هذا المزج يخلق الفكاهة والمرح، وجميل جدا أن نرافق بعضنا بعض، وهي سنة الحياة، عندما يكون للإنسان تجربة وباع طويل في الميدان ويرى شباباً حوله ويحترمه ويكن له التقدير والحب فهذا شيء رائع، ونحن بحاجة إلى هذه الأجواء والطقوس التي غابت تقريباً نوعاً ما.
وكيف تنظرين إلى انتقاد بعض فناني الجيل القديم لما يسمونه "سطوة الشباب على الأعمال الدرامية والسينمائية بشكل أبعدهم وهمشهم عن الساحة"؟
أتكلم بصراحة، المشكلة ليست في الكبار، بل إن بعض المواضيع لا تعطيهم أدوارا فيها إلا الشباب عدا الأم والأب فقط، ومن يفكر بهذا التفكير من زملائي القدماء فأقول لهم إنه تفكير خاطئ، نقص الإيمان، الإنسان يعرف متى ينسحب، أحببنا أم كرهنا الشباب هو خليفتنا، وإن شاء الله نكون خير خلف لخير سلف.
وحتى الشباب تعودوا أن يستمعوا لهذه الملاحظات من أشخاص يقولونها للأسف بقلب بارد ولسان ناري، وهذا الشيء لا ينبغي أن يكون بيننا، على العكس، من المفروض أن نمنح لهم وقتاً ونعطيهم فكرة أو سيرة ذاتية عن حياتنا حتى يتعلم أولئك الشباب بأن الوضع الذين يعيشونه اليوم هو أحسن بكثير من زمن مضى عشناه نحن الكبار، حيث عشنا الحرمان وقلة الإمكانيات وقلة النصوص الجيدة، واليوم كل شيء متوفر، وبالتالي نعطيهم دافعاً أو على الأقل الثقة بالنفس.
إذا كان الشاب في مقتبل العمر، أو شابة في بداياتها وخطواتها الأولى في هذا الميدان الشاسع والواسع في السينما أو التلفزيون أو المسرح، إذا لم نقدم لها يد المساعدة وأن ندفعها نحو الأفضل وإلى الأمام كيف سيكون لها ثقة في نفسها، هذا مستحيل.
وتلعب الصحافة دورا كبيرا، إذا ظهر ممثل أو ممثلة في صورة غير لائقة، المفروض أن نرفع المستوى وأن نعطي البديل وهذا ما يجعل السينما الجزائرية تتحسن والمشهد السمعي البصري عموماً، وإذا حكمنا نحن الكبار عليهم حكما أبديا سلبيا، كيف سيتقدمون. وحتى إن كان هذا الشاب حاملا شهادات جامعية، وله ثقة في النفس، لكنه يبقى دائما محروماً من شهادة الكبير ولو بكلمة طيبة. وبالتالي أنا من الناس الذين يشجعون الشباب، علينا أن نكون واقعيين، هذا الزمن ليس زماننا ونحن زائلون، على الأقل نترك صورة لجزائرية تتبنى هؤلاء الشباب كأبنائها، وهذه الصدقة الجارية التي تبقى متداولة.
ما أبرز مظاهر دعمك للشباب؟
بصراحة، أنا أول فنانة عملت مع شباب في أفلام قصيرة ليشارك بها في مهرجانات وتظاهرات ثقافية، وصرحت من قبل بأنني مستعدة لمساعدة كل الشباب بـ"المجان"، قلت لهم إياكم أن تقولوا لي إن الميزانيات لا تكفي، حتى الكاميرا التي يستأجرها لليوم بحوالي 5 ملايين سنتيم (376 دولار)، ليس من حقي أن أطلب منه أي مقابل، ليومنا هذا ما زلت أساعد الشباب، عندي الآن تقريباً 21 مشاركة مع الشباب بالمجان.
أشترط عليهم ألا يحضروا لي من تضع لي الماكياج، أقول لهم أنا سأضع الماكياج بنفسي، لا تحضروا لي السائق لأنني أتنقل بسيارتي، لا تحضروا لي الأكل لأنني أكون صائمة، أقول لهم تأكدوا أن اليوم الذي أكون فيه في تصوير معكم أفضل أن أصومه، لأنني أجد الطاقة في الصيام.
وللأسف، كان هناك ردود أفعال من بعض القدماء ويقولون "غلات علينا الشربة" وهو مثل جزائري يعني وكأنني "قللت من قيمتهم"، هناك السيدة عائدة عبابسة عملت معهم بالمجان، هناك سيدات أخريات لا أتذكر أسمائهم.
وحتى وإن كان هناك شباب ناجحون ممن شاركت معهم وحصلوا على ميزانيات كبيرة لإنتاج أعمال سينمائية ولم يوجهوا لي دعوة لأي دور فلا يمكنني انتقادهم، لأنني أكون على قناعة بأنه لا يوجد مشهد يمكن أن أكون فيه، هي أصلا أفلام شبابية يريدون المشاركة بها برأس مرفوع لأننا وضعنا فيهم ثقتنا، وثقتي بهم كبيرة، ومستعدة لآخر يوم في حياتي لأن أساعد بقدر استطاعتي لتصحيح النص والحوار، وفي وجودي كممثلة أو مراقبة لأعمالهم، مستعدة لأن أقدم كل ما في وسعي للشباب، أليس هو ثروتنا الوحيدة.
الكثير من النقاد يقولون إن الفنانة بهية راشدي تُتقن وتُبدع في أداء دور الأم الجزائرية تحديدا بكل صفاتها.. لماذا تركزين على مثل هذه الأدوار؟
الأم الجزائرية امرأة استثنائية بكل صراحة، صبورة جدا وترضى بالحال الذي تعيشه وتكافح لتحسين ظروفها وظروف عائلتها، وهذا راجع للقوة الموجودة في المرأة الجزائرية كونها إنسانة لا تعرف الاستسلام أبدا.
صحيح أديت الكثير من أدوار الأم، لكن الأمهات لا تتشابه في الحقيقة، هناك الأم الصارمة والودودة جدا، والمحقورة مثل دوري في فيلم "امرأتان" عكس ما كان دوري في فيلم "صابرة" الذي نلت به جائزة أحسن ممثلة في مهرجان تونس.
للأسف، ليومنا هذا، لم أجسد دور الأم التي تشبه حقيقة المرأة الجزائرية بمعنى الكلمة، عندما أرى والدتي وبعض الأمهات، والله وكأنهن ارستقراطيات، ليس في مظهرن الخارجي بل في كلامهن ومعاملتهن وطاعتهن لأمهاتهن وأزواجهن، شيء رائع.
وهذا الدور أتمنى أن أقدمه في يوم من الأيام، وهذه هي الأم الجزائرية في نص جيد، في حوار فيه القوة والحنان، وهذا ما أتمناه في حياتي.
وعلى غير دور الأم الحنونة والودودة، قمت بأدوار أخرى في أعمال تاريخية والسينما مثل رشيدة، وهي التي كانت لا تخشى من أي شيء في قضية العشرية السوداء، رفعنا التحدي وكانت المرأة في الواجهة خلال تلك الفترة، كنا في تلك الفترة لا نخشى من الرجل، بل نخاف عليه.
وللأسف هناك أشخاص يحملون فقط لقب "نقاد"، واحد منهم قال عبر مواقع التواصل إن "بهية راشدي ملينا من رؤيتها" وغيرها، لكنه تلقى ردودا قوية ممن يعرف حقيقة دور الأم، وأقوى رد من شخص قال له "أكيد لا تعرف قيمة أمك"، تألمت لهذا النقد كثيرا، لو قال لي هذا الكلام وأنا في الأربعينيات لتقبلت الأمر، لكن في السبعينات فهذا كلام مسيء.
يقال إن أدوار بهية راشدي الفنية قريبة جدا من شخصيتها الحقيقية.. ما مدى صحة ذلك؟
السيد محمد راشدي رحمه الله وهو زوجي، كان يناديني في بعض الأحيان بـ"أمي" عندما كان يرى حاجتي الكبيرة لأن أكون أماً في يوم من الأيام، أقول دائما إن الأنوثة تكتمل في المرأة عندما تصبح أماً، مع الحمل والولادة، وهذا شيء جميل جدا.
لا أقول إن الله حرمني من ذلك، لكنه كتب لي عنده سبحانه وتعالى "عاقر"، ولكن هذا الشيء لم يمنعني في أن أكون أماً، تبنيت الكثير من البنات لأنني أحب كثيرا البنات، عندي صليحة، وسعاد، وأولاد أبنائي.
يقولون إن فاقد الشيء لا يعطيه، أنا ضد هذه المقولة، لأنني في كل مرة أقوم فيه بدور الأم، والله لاشتياقي وحرقتي لأبناء من صلبي هو الذي جعلني أعيش على هذا الأمل، كما أنني تربيت يتيمة، والدي توفي وأنا عمري 14 سنة، وترك 7 أطفال أصغر مني، كنت بمثابة الأم والأخت الكبيرة لهم والمدرسة والتي تأتي لهم بقوت يومهم، كانت حياتي الطفولية جد صعبة، كنت أقوم بأدوار أمي، خصوصاً المادية منها، كنت أساعدها بدروس إضافية أقدمها لأطفال الحي، كنت أجني حوالي 100 دينار في ذلك الوقت، كنت أفرح كثيرا عندما أساعد شقيقاتي على ارتداء لباسهن في الأعياد والأيام الأخرى، كنت أوفر لهم كل الإمكانيات دون أن أحسسهم بغياب والدهم.
ربما كانت هذه الأمور هي البذرة الأولى والطاقة التي جعلتني أحب أطفال غيري وكل أطفال وشباب الجزائر، ليومنا أحس نفسي مسؤولة عنهم.
في فيلم "امرأتان".. ما قصة المشهد الذي تعرضت فيه لضرب مبرح من الفنان عثمان عريوات؟
الوقوف أمام الفنان عثمان عريوات هو حلم كل الفنانين والفنانات، هو ظاهرة، حتى في فيلم صامت يمكن له أن يبدع، وهو رجل استثنائي.
الفنان عثمان عريوات اتفق مع المخرج على ذلك المشهد بدون أن يبلغني به للاستعداد له، وحتى وإن أخبرني به كنت سأوافق استعد لضربة أو ضربتين فقط، لكن أعطاني ضربات قوية جدا بعنف وعدوانية، جسد دور الرجل الذي كره زوجته، ووضع بين عينيه الانتقام من أم أولاده بأي طريقة والزواج عليها، وهذا شأن كثير من الرجال عندما تتيسر أمورهم أول شيء يفكرون فيه هو إعادة الزواج مع امرأة أصغر وأجمل.
ذلك الدور يحكي ظروف بعض العائلات الجزائرية، وأتألم عندما أشاهد ذلك المشهد ليومنا هذا وأبكي في كثير من الأحيان، لأن ذلك الألم لا زال يرافقني إلى آخر يوم في حياتي، وكلنا نعرف أن موافقة ممثلة على مشهد ضرب حقيقي يتطلب مقابلا ماديا كبيرا جدا، لكنني كنت راضية بالمشهد لأنه كان من فنان كبير، وأصبح ذلك المشهد يبث في مواضيع العنف ضد المرأة، والكثير من النساء والأمهات قالوا لي إنهن عشن ذلك الضرب مع أزواجهن وحتى مع أبنائهن أو والدهن، وذلك المشهد بقدر ألمي منه بقدر اعتزازي وافتخاري به، لأن القصة ككل جميلة جدا، عالجت مشكلة الطلاق وتأثيراته على الأطفال، ومشكلة السكن وتعدد الزوجات، مشاكل كثيرة في فيلم لا تتعدى مدته ساعة و40 دقيقة.
كيف ترين الفرق بين الأعمال القديمة والحديثة من حيث النص والإمكانيات والأفكار وغيرها؟
لكل جيل لغته ونظرته وطريقته في العيش، وحتى ما هو حلاله وحرامه الذي أصبح عنده بمثابة القانون المقنن.
في جيلي أنا، كنا عندما نجتمع مع الجيل الذي سبقني والذي نكن له كل الاحترام مثل السيدة فريدة صابونجي، السيدة شافية بوذراع، والسيدة كلثوم التي هي أم السينما الجزائرية والراحلة نورية، حين يجمعنا عمل معهن يكون الاحترام من كلمة "السلام عليكم"، لا نجلس ولا نتقدم إلى طاولة الأكل قبل أن نراهم سبقونا في ذلك، لا نركب السيارة وننتظر حتى تصل واحدة منهن وتختار المكان المناسب لها، وهذه من صفاتي الشخصية.
الأعمال السابقة كانت تتطرق لمواضيع بسيطة جدا مأخوذة من المجتمع الجزائري، كان صاحب النص يعطي قيمة كبيرة عندما يضيف امرأة بدوية في نصه أمام المرأة العاصمية، يبرزها شهمة وقوية وجاءت للعاصمة بعادات وتقاليد راسخة، نأخذها كنموذج أهم من كتب التاريخ، وهو ما لا يتوفر اليوم.
والبعض من أجيال اليوم يدخلون المجال الفني وكأنهم دخلوا في حرب، أصبحنا نعيش في صراع دائم بسبب هذه النصوص الجديدة، سابقاً النص كان يقرأه أكثر من شخص مثل لجنة القراءة وأشخاص مقربين من صاحب النص على دراية بالتفاصيل، ينقحون كل النص والحوار بدون أي مشاكل.
لكن حالياً، لما تقول لشابة لا تقولي هذه الكلمة لأنها غير لائقة عند سكان العاصمة، توافق وتشكرك ولكن بعد مشاهدة العمل في التليفزيون نجد بأنها رددت تلك الكلمة للأسف، أو ننصح بعض الفتيات بأن هذا العمل سيعرض في شهر رمضان بأن يرتدين لباساً محتشماً، لكن تظهر بغير ذلك في مشاهد أخرى.
كنا نعمل عمل جماعي، نتلقى النقد والملاحظات بصدر رحب، ونجادل بعضنا البعض بكل شفافية ومحبة بدون كراهية وعدوانية، بدون ضغينة، اليوم يجري الكثيرون وراء المال والمنظر الخارجي، وجمال المرأة الحقيقي هو الباطني في لباسها ومشيتها وكلامها، وإذا فقدت الأنوثة فقدت كل شيء، يقولون إن جمال الرجل في رجولته والمرأة في حيائها.