معارضة جزائرية لـ"العين الإخبارية": لا مستقبل للإخوان في البلاد
أكدت السياسية الجزائرية المعارضة زبيدة عسول في حوار مع "العين الإخبارية" كساد بضاعة الإخوان، وبأنه لا مستقبل لهم في بلادها.
وفي مقابلة خاصة ردت زبيدة عسول رئيسة حزب "الاتحاد من أجل التغيير والرقي" المعارض على التصريحات الأخيرة للإخواني عبدالرزاق مقري رئيس ما يعرف بـ"حركة مجتمع السلم"، والتي زعم فيها بأن التيار العلماني في الجزائر "خطر على البلاد".
وأكدت عسول أن كل المؤشرات الحالية تؤكد أنه "لا حاضر ولا مستقبل للإسلام السياسي" في الجزائر، ونوهت بفشل التيارات الإخوانية في استقطاب الجزائريين، وانتقدت في المقابل إصرارها على المتاجرة بالدين في السياسة.
كذب وفساد
وأكدت المعارضة الجزائرية "كذب ونفاق" التيارات الإخوانية، وشددت على أن بعض التيارات باتت تستخدم الإسلام "سجلا تجاريا مربحاً لهم لتحقيق مكاسب سياسية"، وطالبت بوضع حد لما وصفته بهذه "المهازل غير الأخلاقية والمنافية للشرع في حد ذاته"، كما اتهمت الإخوان بأنهم "يريدون أن يضعوا أنفسهم وسطاء بين الله والشعب من خلال سجل الدين الذي يستعملونه غطاء لأطماعهم السياسية".
وزعم الإخواني مقري في تصريحاته بأن "العلمانيين المتطرفين يقودون مؤامرة ويريدون السيطرة على الحراك".
وردت "عسول" بالقول: "ليس من عادتي أن أرد تصريحات سياسية، أعتقد أن كل واحد مسؤول عن تصريحاته، لكن ما أقوله اليوم: هل من يدعي الديمقراطية يقول إن التيار كذا يخاف أو لا يخاف؟ متى جرت انتخابات شفافة ونزيهة حتى نعرف وزن كل واحد في الساحة؟ هو نفسه مقري كان يعترف بأن الانتخابات مزورة".
وتابعت قائلة: "هم يعترفون بأن الانتخابات مزورة لكنهم يقولون إننا قوة سياسية، لكن ما هو الميزان الذي قاسوا به هذه القوة؟ هل وجودهم في البرلمان في كل التشريعيات؟ وحركة مجتمع السلم كانت في الائتلاف الداعم لبوتفليقة في عهداته الثلاثة، وكل واحد منا مواقفه مسجلة".
فشل ذريع
وأكدت عسول أن "أداء أي حزب سياسي يكون في الميدان"، وتساءلت: "ماذا قدمت لنا هذه الأحزاب التي تدعي أنها إسلامية؟ أين هو المشروع الذي قدموه لنا والمختلف عن بقية التيارات؟".
واستطردت قائلة: "عملياً حركة مجتمع السلم شاركت في العديد من الحكومات، أين هو أداؤهم، بل على العكس، قطاع النقل الذي قاده عمار غول الذي كان في حركة مجتمع السلم، شهدت حالات فساد ضخمة"، بحسب قولها.
تُجار الدين
وعن محاولات جماعة الإخوان ركوب موجة الحراك الشعبي باسم الدين، شددت المعارضة الجزائرية على أن "هذه هي الإشكالية المطروحة" مؤكدة بأن الشعب الجزائري مسلم منذ 14 قرناً وليس منذ ظهور هذه التيارات.
وأوضحت أن "الدين ليس ملكاً لأي حزب، وهذه مغالطة كبيرة، والإسلام ديانة أغلبية الشعب الجزائري، وليس ملكا لحركة مجتمع السلم ولا العدالة والتنمية ولا البناء الوطني، أخذوا أبوة الدين واستعملوه في السياسة ويقولون إنهم حزب إسلامي، لكن الشعب الجزائري مسلم منذ 14 قرناً وليس منذ اليوم أو منذ تأسس حركة مجتمع السلم أو جبهة الإنقاذ، وهذه مغالطة دينية وسوسيولوجية وتاريخية".
مضيفة أن "فرنسا التي بقيت تحتل الجزائر لأكثر من قرن لم تستطع تغيير دين الجزائريين أو تنزعه من قلوبهم، ومن أعطى الحق لهذه التيارات بأن تأخذ الدين ورقة سياسية تعمل بها".
ودعت زبيدة عسول إلى وقف متاجرة الإخوان بالدين وسحب ما أسمته "الدين الذي تحول إلى سجل تجاري بين أيديهم".
وقالت: "علينا أن ننزع لهم هذا السجل التجاري في المتاجرة بالدين لتحقيق نجاحات سياسية، وهذا الأمر ليس مقبولا لا دينياً ولا أخلاقياً، ومن أعطاهم الحق في استعمال ديننا سياسياً".
وأكدت رئيسة حزب "الاتحاد من أجل التغيير والرقي" بأنه لا حاضر ولا مستقبل للإسلام السياسي في الجزائر، مشيرة إلى أن ذلك فرضته تجارب "الديمقراطية الشكلية التي بدأت مع الإسلاميين (الإخوان) بداية التسعينيات".
ونوهت في مقابلتها مع "العين الإخبارية" إلى "أنه حان الوقت لبناء دولة قانون وبمشاريع سياسية حقيقية تركز على التنمية وبناء جامعات حقيقية متفتحة على العالم ومرتبطة بالاقتصاد الإنتاجي، ومدارس بمواصفات عالمية وتبني عبقرية هذا الشعب وتسمح له بتطويرها".
مضيفة أن "الله سبحانه وتعالى ميّز الدين الإسلامي عن بقية الديانات، وبأنه لا وسيط بين العبد وخالقه، وهي ميزة الإسلام، لكن هذه التيارات تريد أن تضع نفسها في موضع الواسطة بين الشعب والله، وتستعمل الإسلام لتحقيق مآرب سياسية ليصل إلى السلطة، وهذا أمر غير معقول وغير أخلاقي، كما أن الله سبحانه وتعالى يتحدث عنا كمؤمنين وليس كمسلمين، والعمل الصالح هو أن نعمل لصالح توحيد الجزائريين وليس لخلق انقسامات جديدة".
نفاق الإخوان
ووجهت زبيدة عسول كلامها للإخواني مقري بالقول: "إنه جلس مع العلمانيين واللائكيين في اجتماع المعارضة في عام 2015، لماذا جلس معهم؟ هذا نفاق سياسي أم ماذا؟".
كما ردت السياسية الجزائرية على اتهام الإخواني مقري للتيار اللائكي بأنهم خطر على البلاد، وأن لهم ارتباطات خارجية، وفضحت جماعة الإخوان بحقائق عن التيارات التي لها ارتباطات واستثمارات خارجية.
مضيفة: "الشعب الجزائري يعرف من هي التيارات الخطرة على البلاد ومن له ارتباطات خارجية"، وتابعت "من يملك استثمارات في الخارج؟ نحن أم الإسلاميون (الإخوان)؟".
لا مكان للإخوان
ونفت زبيدة عسول للمرة الأولى أيضا تصريحات قالت إنها "نُسبت إليها" عبر قناة فرنسية عن خطر اختراق الإخوان لمظاهرات الحراك الشعبي.
وقالت "إن الدستور الجزائري الحالي يمنع تأسيس أي حزب سياسي مبني على الدين أو العرق أو الجهة أو الجنس أو أي اعتبار آخر، وتمنع استغلال وتوظيف الهوية في عناصرها الثلاثة الدعاية السياسية والحزبية وفي العمل السياسي".
وشددت على أنه "كسياسية وقانونية أحترم القانون، يُمنع استغلال الدين السياسي، ولا أتكلم عن الدين كعقيدة".
كما شددت المعارضة الجزائرية على أن فشل الإسلام السياسي في الجزائر أملته التجارب السابقة وفصل فيه الشعب، وأكدت أنه "لا مجال لرجوع الجزائر إلى ما بعد 22 فبراير/شباط 2019 بما فيها مرحلة التسعينيات"، وأن الجزائريين لفظوا التيارات الإخوانية بشكل تام.
وأوضحت في تصريحها لـ"العين الإخبارية" أنه "من المفروض على الناس التي تدعي بناء حزب سياسي بورقة الدين أعتقد أنه بعد 30 سنة يكونون قد فهموا الدرس خاصة بعد الثورة الشعبية لـ22 فبراير/شباط 2019، بأن كل جزائري يطمح لدولة فيها كل الحريات وبناء دولة يتعايش فيها كل الجزائريين والجزائريات بمختلف توجهاتهم ومعتقداتهم.
مضيفة أن "ما يفصل بيننا هو القانون، ودولة القانون هي التي تضع كل واحد في مكانه المناسب، لأنه إذا وجهنا الشعب إلى مناقشات دينية أعتقد أننا ننتمي إلى مذهب واحد وهو المالكي، لماذا نذهب إلى مكان يفكك المجتمع، يكفي ما عشناه مرحلة التسعينيات ولا نريد أن نكررها".
وأشارت أيضا إلى أن "من له حزب سياسي يتفضل ببرنامجه لحل مشاكل السكن والتعليم والصحة والبطالة والأزمة الاقتصادية، وكيف يبني اقتصادا متنوعا ومنتجا للثروة؟ وكيف يبني دولة قانون لا يهاجر فيها الشاب عبر قوارب الموت؟".
محاولات اختراق فاشلة
وعن محاولات عودة "الجبهة الإرهابية للإنقاذ" الإخوانية المحظورة إلى الساحة عبر "حركة رشاد" الإرهابية من خلال مخططات لاختراق الحراك وجره نحو العنف، قللت زبيدة عسول من خطورتها، واعتبرت أنها "محاولات يائسة من أقلية تصطدم برفض الجزائريين تكرار سيناريو التسعينيات".
وشددت في المقابل على أن "الجزائر تتسع للجميع، وهذه المحاولات ليس هدفها إرجاعنا إلى العشرية السوداء لأنه لا يمكن تكرارها ومن يريد ذلك لم يتعلم الدرس، بل هناك محاولات لتوجيهنا لنقاشات هامشية للابتعاد عن أهداف الحراك وهو التغيير الجذري لنظام الحكم بالطرق السلمية وبناء دولة القانون والمؤسسات والحريات، بأن يكون للجزائري الحق بأن يعيش كما يشاء، ولكن ليس له الحق أن يعتدي على من يعيش بطرق مختلفة عن رؤيته".
كما نوهت بأن "على أغلبية الجزائريين أن يفهموا بأن المرحلة تتطلب بأن نقف كرجل وامرأة واحدة بكل الطرق السلمية في وجه هذه المحاولات، وأن نؤكد أن نقاشنا الحقيقي هو كيف نغير الحكم ونقترح بدائل سياسية توصلنا إلى الهدف المنشود وهو بناء دولة القانون، ما عدا ذلك فإننا نضيع الوقت".
شعارات شاذة
وفيما يتعلق بالشعارات التي يرفعها أنصار "جبهة الإنقاذ" و"رشاد" الإخوانيتين، والتي تصف فيها المخابرات بـ"الإرهابية"، شددت عسول على أنها شعارات شاذة ولا تمثل الحراك المتواصل.
وذكرت أن "هناك بعض التجاوزات عشناها، وأملك ملفات بعض الحراكيين الذين دافعت عنهم في محاكم كثير من ولايات الوطن، حقيقة هناك تجاوزات تقع من بعض الأشخاص ضد مصالح الأمن، وهي تجاوزات أشخاص لكنها لا تمثل الحراك".
وأكدت أن "هذه الشعارات التي خرجت مؤخرا والتي تقول إن "المخابرات إرهابية" لا تمثلنا ككل في الحراك، والقضاء على هذه التجاوزات ببناء دولة القانون، وهدفنا ليس تحريض الجزائريين وإحداث الفتنة، لكن لنا شعارات في الحراك سلمية وهادفة ذات مطالب سياسية عميقة".
وترى "عسول" أن هناك تضخيماً للخطر الإخواني على الحراك، واعتبرت أن "الحراك متنوع" وأنهم "جزء بسيط فيه"، لكنها شددت في المقابل على أن أولئك "لا يملكون أبوة الحراك".
وقالت إن "على الناس أن تفهم أن الحراك متنوع وليس حزبا سياسيا، وليس له توجه سياسي واحد، فيه كل الناس، الإسلاميون (الإخوان) وحركة رشاد، واللائكيون والعلمانيون والذين لا يؤمنون بأي شيء، ولا يمكن أن نعمم شعارا على كل الحراك، وهم لا يمثلون الحراك، ورشاد والفيس (جبهة الإنقاذ المحظورة) لا يملكان أبوة الحراك، وهو ملك لكل الشرائح والأعمار والتوجهات".
الخطر الإخواني
ومع عودة مظاهرات الحراك الشعبي منذ نهاية فبراير/شباط الماضي في بعض المدن الجزائرية، تصاعدت حدة التحذيرات من تكرار سيناريو استثمار جماعة الإخوان في حالة الغضب الشعبي من السياسات كما حدث نهاية الثمانينيات، عندما قدم الإخوان أنفسهم "البديل المقنع" قبل أن يكشفوا عن أقنعة التطرف والإرهاب، كما يقول كثير من الجزائريين.
غير أن للسياسية زبيدة عسول رأي آخر في ذلك، وفي الوقت الذي قللت فيه من خطر الإخوان، إلا أنها شددت على أن الجزائريين "ليسوا مستعدين لتكرار تجربة التسعينيات".
وقالت في تصريحها لـ"العين الإخبارية": "بالنسبة لي لا أعتقد ذلك، لسبب بسيط، أن التيار الإسلامي (الإخوان) يعرف جيدا بأن أغلبية المجتمع الجزائري من الشباب و90% أقل من 35 سنة ويطمح بأن يعيش مثل بقية شباب العالم، في دولة بها القانون ولا يريد أن يركب قاطرة الموت من أجل العيش بحرية".
مضيفة أن "الجزائري يغامر بالهجرة ليس من أجل لقمة العيش بل من أجل الحرية، وأعتقد أن من يقرأ قراءة موضوعية لسوسيولوجيا مجتمع الجزائر اليوم، لا أعتقد أن هناك جزائريا يريد أن يعيش مجددا مرحلة الإسلام السياسي في التسعينيات، خاصة في شكله العنيف".
وأعربت عن رغبتها في مناقشة ملف العشرية السوداء بعد أن تشهد الجزائر استقرارا في كل المجالات، و"أن يتم فتح ملف التسعينيات حتى يعرف الجميع من أخطأ في حق هذه البلاد، وعليه أن يعتذر من هذا الشعب من الأضرار المادية والبشرية والجسدية والنفسية والاقتصادية التي كبدها له".