الرسالة الأخيرة؛ لن ينتظر الإسرائيليون موافقة الجانب الفلسطيني بل سيعملون على التحرك على كل المسارات البديلة والجاهزة للوصول إلى أهدافهم
لم تكن القضية الذهاب إلى مجلس الأمن لتسجيل موقف معارض للخطة الأمريكية والدعوة لإحياء دور الرباعية الدولية وعقد مؤتمر دولي للسلام، بقدر ما كان الأمر متعلقا بنقل الموقف الفلسطيني الرافض للخطة الأمريكية للعالم، والتأكيد على أن القضية الفلسطينية لا تزال حاضرة في المشهد الدولي، خصوصا أنه فور إعلان الإدارة الأمريكية خطتها للسلام في الشرق الأوسط - وبصرف النظر عن حالة الرفض الفلسطيني والعربي لبنودها - بدأت الحكومة الإسرائيلية -وهي حكومة تصريف أعمال لحين إجراء الانتخابات التشريعية في مارس/آذار المقبل- في تنفيذ بعض بنودها الخاصة بشرعنة بعض المستوطنات الاستراتيجية، وليس كل المستوطنات التي تندرج تحت بند موافقة مجلس المستوطنات القومي الذي منح شرعية الوجود الرسمي وإجراء الترتيبات الأمنية، والاستراتيجية لضم منطقة الأغوار، على الرغم من أن الخطة الأمريكية لم تحدد هذه الموضوعات، وغيرها مما سوف تقدم عليه الحكومة الإسرائيلية على تنفيذها بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
والأغلب أنها ستكون حكومة وحدة وطنية، ستضم "ليكود وتحالف أزرق أبيض"، الذي سيقبل الدخول في الحكومة الجديدة ولن يراوغ، خصوصا أن الرئيس الأمريكي ترامب والإدارة الأمريكية وراء هندسة المشهد الإسرائيلي الداخلي، ولن تسمح الإدارة بالذهاب إلى انتخابات رابعة إذا وصلنا إلى حائط صد.
والرسالة هنا أن المشهد الإسرائيلي يمضي إلى خيارات توافقية داخلية للتعامل مع كل الخيارات، سواء قبل الجانب الفلسطيني التفاوض الفعلي أو دخل في مفاوضات بديلة على مسارات أخرى، وهو أمر وارد ومطروح في حال دخول اللجنة الرباعية المعطلة على مسار ما يجري أو استمر الرفض الفلسطيني، وهو ما سيدفع الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ المخطط الكامل للضم وإجراء الترتيبات الأمنية في الأغوار وفي القدس.
وهو ما يعني أن الجانب الإسرائيلي، وفي المحصلة لا يحتاج إلى موافقات فلسطينية بل -كان وما زال- يحتاج دعما معنويا وخطوات إجرائية تنفيذية للشروع في مخططه، وهو ما سيجري -كما جرى- في البدء في إجراءات أحادية الجانب في القدس، وإتمام مشروعات التهويد الجديدة وإجراء عمليات ترانسفير مرحلية وفرض استراتيجية الجانب الواحد في ظل دعم أمريكي متواصل وسيزيد بعد انتهاء التحقيقات مع ترامب وحسمت لصالحه، وهو ما سيعطيه قوة وتأثيرا كبيرين في التحرك في ملفات السياسة الخارجية، وهو ما سينعكس على توجهاته الجديدة، التي ستعبر عن نفسها خلال الفترة المتبقية في ولايته الأولى لكي يبدأ ولايته الثانية متحررا من الضغوط الخارجية كافة، خصوصا أن الجمهوريين سيعملون على الاستثمار في إنجازات الرئيس ترامب للاستمرار في الحكم، وسيكون على رأس أولوياتهم تحقيق مكاسب سياسية في ملف الصراع العربي - الإسرائيلي وفي الملف الإيراني، وكذلك في ملف العلاقات مع الصين واليابان، وكوريا الشمالية، إضافة لإعادة بناء علاقات أكثر وضوحا وأهمية مع حلف الناتو بناء على تقديرات استراتيجية جديدة.
ستفشل الدعوى الفلسطينية المطالبة بعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط على غرار مؤتمر موسكو الذي دعت إليه موسكو، ولم ينعقد كما أفشلت مسبقا مؤتمر باريس 1.. ومتوقع أن تقدم الإدارة الأمريكية على إفشال أي مخطط مطروح لتوسيع دائرة الحركة الدولية في ملف التفاوض
في المقابل، فإن أمام الجانب الفلسطيني بعد الذهاب لمجلس الأمن خلال الساعات الأخيرة الانتقال من حالة الدفاع والرفض إلى حالة من الهجوم السياسي من منصة مجلس الأمن ومحاولة إظهار الدور الداعم الأمريكي، وغير المسبوق للجانب الإسرائيلي والمساس بكل الثوابت الراهنة والسابقة للصراع العربي - الإسرائيلي وقراراته الشهيرة، كما ستفشل الدعوى الفلسطينية المطالبة بعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط على غرار مؤتمر موسكو الذي دعت إليه موسكو ولم ينعقد.
كما أفشلت مسبقا مؤتمر باريس 1، ومتوقع أن تقدم الإدارة الأمريكية على إفشال أي مخطط مطروح لتوسيع دائرة الحركة الدولية في ملف التفاوض وعدم اقتصاره على الجانب الأمريكي فقط، وبصرف النظر عن اتجاه الجانب الفلسطيني للجمعية العامة لإصدار قرار دولي "متحدون من أجل السلام"، الذي له صفة الإلزام شأنه شأن أي قرار دولي صادر من مجلس الأمن، فإن الأمر لن يكون ميسورا وسهلا وسيفتقد الآليات الحقيقية للتنفيذ، ومن ثم فإن إسرائيل ستكون هي الرابح الأكبر مما سيجري في الأمم المتحدة، سواء في مجلس الأمن أو الجمعية العامة؛ لأنها ستمضي في خطواتها التي ستدخل حيز التنفيذ كما تخطط، وفي أقصى تقدير أبريل/نيسان المقبل، أي بعد تشكيل الحكومة الجديدة، ووقتها ستعمل بدعم أمريكي، وفي ظل حالة غير مسبوقة، خصوصا أن إسرائيل مقدمة على تنفيذ جزئي ومرحلي للترتيبات الموضوعة والمطروحة التي ستشمل خطوات الضم والتهديد والترانسفير، إضافة للبدء في تطبيق فكرة الدولة العبرية دولة يهودية ولا مكان فيها للأغيار أو لغير اليهود.
ومن ثم فإنها ستكون بصدد إصدار سلسلة من القرارات والتشريعات في الكنيست لتنفيذ ذلك فيما يعرف بقوانين سيئة السمعة، والتي ستركز على تكريس قيم الانتماء والولاء للمجتمع اليهودي في مواجهة العربي من سكانها، والتي اقترحت الخطة الأمريكية التعامل معهم من أعلى، ونقل المثلث المقيمين فيه إلى خارج الدولة اليهودية وحدودها التي سترسم وفقا لنتائج التوافقات الأمريكية - الإسرائيلية، والتي سترسمها اللجنة المشتركة التي شكلت بين الجانبين.
الرسالة الأخيرة لن ينتظر الإسرائيليون موافقة الجانب الفلسطيني، بل سيعملون على التحرك على كل المسارات البديلة والجاهزة للوصول إلى أهدافهم الاستراتيجية، خصوصا أن الوقت للأسف ما زال يعمل لصالحهم لتحقيق ما يخططون له جيدا، والسؤال هل سينتظر الفلسطينيون لعام 2024 أي بعد رحيل الإدارة الأمريكية الحالية وتأتي إدارة أكثر رشدا وانتباهها ودعما للحقوق السياسية، وليست الإنسانية للشعب الفلسطيني؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة