حرائق الأمازون.. تأثيرات بيئية واقتصادية قبل تحدي سبتمبر
لا يزال شهر سبتمبر يمثل تحديا رئيسيا للعالم فهو شهر الذروة لحرائق غابات الأمازون سنويا
شهد العالم منذ أيام قليلة كارثة بيئية دولية بعد أن استعرت حرائق غير مسبوقة في غابات الأمازون المطيرة، وتصاعدت خلال شهر أغسطس/آب الماضي، ما أثار قلق وغضب المجتمع الدولي الذي دعا إلى تضافر الجهود لإنقاذ "رئة العالم" من الاحتراق.
وقد أصبحت التأثيرات الاقتصادية والبيئية لحرائق الغابات تستحوذ على اهتمام دولي كبير، لما تشكله من تهديدات للتنمية المستدامة، والأنظمة الإيكولوجية، وما تسببه الحرائق أيضا من تخفيض قدرة الغابات على تنحية غاز الكربون، فمسألة حماية وإدارة الغابات لم تعد شأنا محليا بالنسبة إلى الحكومات الوطنية، بل أصبحت محور الاهتمامات الدولية ومحل مناقشات واتفاقات ثنائية متعددة.
لذا اجتذبت حرائق غابات الأمازون في البرازيل الاهتمام الدولي، لأهميتها في الحفاظ على التوازن البيئي في العالم، حيث توافق زعماء دول العالم الصناعية الكبرى في اجتماعهم الطارئ في باريس الشهر الماضي على خطورة استمرار الحرائق الناجمة في البرازيل، واعتبارها كارثة بيئية كبرى لها تداعيات جسيمة على العالم .
أهمية غابات الأمازون
تغطي الغابات نحو 31% من مساحة الكرة الأرضية، وهي ضمن النظم الإيكولوجية الأكثر تنوعا واتساعا على وجه الأرض، حيث يعتمد أكثر من 1.6 مليار نسمة عليها في معيشتهم، ويسكن بها أكثر من 300 مليون نسمة حول العالم.
وتوفر الغابات مدى واسعا من الخدمات البيئية لحماية الكوكب واستدامة البيئة، حيث تلعب الغابات دورا مهما في ثبات التربة وحماية الأراضي من التجريف بفعل الرياح والمياه، كما تعمل على الحفاظ على امتداد مستدام من المياه العذبة النظيفة، حيث تأتي ثلاثة أرباع كميات المياه العذبة المتوفرة في العالم من مستجمعات المياه في الغابات.
تتمتع الغابات القائمة بالقدرة على إزالة نحو 15% من انبعاثات غازات ثاني أكسيد الكربون التي تصدر في الجو سنويا، وذلك من خلال احتجازها للكربون، لذا أطلق عليها "بالوعات الكربون"، وللغابات قدرة على تلطيف حرارة الأرض من خلال تبخر أحجام ضخمة من المياه وتكون السحب التي تعكس ضوء الشمس في اتجاه الفضاء، لذا تعد الغابات الآن جزءا لا يتجزأ من الجهود الدولية لمكافحة التغيرات المناخية، حيث تعمل الأشجار وتربة الغابات كعازل للغلاف الجوي ضد انبعاثات غازات الكربون المتصاعدة في الجو، والمتسببة بشكل رئيسي في ظاهرة الاحتباس الحراري.
أما الغابات المدارية فتعد أكثر النظم الإيكولوجية تنوعا على وجه الأرض، تقع غابات الأمازون المدارية أكبر غابات العالم في قارة أمريكا الجنوبية، وتمر في 8 دول هي: البرازيل، بيرو، كولومبيا، فنزويلا، جويانا الفرنسية، سورينام، بوليفيا، الإكوادور، ويقع الجزء الأكبر منها في البرازيل، ولهذه الغابات أهمية خاصة للأسباب التالية:
- تعد غابات الأمازون أكبر غابة مطيرة في العالم، إذ تزيد مساحتها على 800 مليون هكتار، وتمتد عبر تسعة بلدان، وتطلق وحدها نحو 8 تريليونات طن من بخار الماء في الجو كل عام.
- تلعب غابات الأمازون دورا دوليا محوريا في قضية التغيرات المناخية، وتؤثر بشدة على توازن المناخ العالمي، لأنها تنتج أكثر من 20% من أكسجين الغلاف الجوي، وتمتص أكبر كمية من غازات الاحتباس الحراري.
- تتميز غابات الأمازون بتنوعها البيولوجي، فيدعم حوض الأمازون أغنى تنوع في العالم للطيور، وأسماك المياه العذبة والفراشات، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو ربع الأنواع التي تعيش على وجه الأرض توجد في هذا الحوض .
تداعيات حرائق الأمازون
انتشرت ظاهرة إزالة الغابات deforestation واتسع نطاقها خلال العقود الماضية، ويرجع ذلك لعاملين أساسيين، أولهما ظاهرة الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى نشوب حرائق في الغابات، وثانيا سياسات بعض الدول للتخلص من الغابات واستخدام أراضيها لأغراض زراعية أو صناعية.
ومن الجدير بالذكر أن الكارثة التي تعرضت لها غابات الأمازون هذا العام لم تكن الأولى من نوعها، ففي نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، قررت حكومة البرازيل استقطاع ما يقرب من ثلث مساحة الغابات، وذلك لبناء سد نهر الأمازون، الأمر الذي تسبب في حدوث مجاعات في قارة أفريقيا امتدت لسبع سنوات متواصلة، وطوال العقود الماضية شهدت انتهاكات بشرية متعمدة لهذه الغابات، سواء من القطع الجائر للأشجار أو تجريفها وتحويل المناطق التي أزيلت إلى طرق سريعة وبعض الأنشطة الزراعية.
بدأت الكارثة الأخيرة في البرازيل خلال الشهور الأولى من عام 2019، فمنذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي شهدت غابات الأمازون مجموعة من الحرائق وعلى مدار الأشهر الثمانية الماضية، وصل عددها إلى 74 ألف حريق، وفقا لإحصاءات المعهد الوطني البرازيلي لأبحاث الفضاءINPE ، وذلك بارتفاع يقدر بنحو 84% مقارنة بالفترة نفسها في العام الماضي، وهي زيادة مقلقة ومثيرة.
حتى الآن لم يتم تحديد السبب الرئيسي وراء هذه الحرائق، وإن كانت معظم التحليلات تشير إلى أن غابات الأمازون لا تحترق من تلقاء نفسها نظراً لرطوبة هذه المنطقة، وأن الغالبية العظمى من الحرائق تحدث بسبب أخطاء بشرية سواء متعمدة أو غير متعمدة.
ولكن لم تشهد غابات الأمازون حريقا مثل الذي تشهده في الآونة الأخيرة منذ عام 2013، وقد تخوف عدد كبير من العلماء من تأثير حرائق الأمازون على المناخ، خاصة على طبقة الأوزون، وذلك بعد رصد مركبات فضائية لحريق الأمازون المروع وتصاعد الأدخنة حتى الغلاف الجوي، حيث امتدت طبقة الدخان على مساحة 3.2 مليون كيلومتر مربع فوق القارة اللاتينية.
إن فقدان غابات الأمازون ستكون له عواقب وخيمة على مستوى العالم كله، فمن المتوقع إذا ما استمرت هذه الحرائق سوف يؤدي الأمر بدوره إلى تفاقم الآثار السلبية لظاهرة التغيرات المناخية بالنمط الذي طالما حذر منه العلماء طوال العقود الماضية، وسوف تتحول هذه الغابات من خزان هائل للكربون ومصدر لامتصاص غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي إلى مصدر لانبعاث هذه الغازات، هذا فضلا عن فقدان التنوع البيولوجي الذي باتت تتمتع به هذه الغابات على وجه الخصوص.
ولكن ومع بدء موسم الحرائق السنوي في البرازيل منذ شهر أغسطس/آب الماضي، ومع تفاقم حجم الكارثة هذا العام، لا يزال شهر سبتمبر/أيلول يمثل تحديا رئيسيا للعالم، فهو شهر الذروة لحرائق غابات الأمازون سنويا، لذا فخلال هذا الشهر سيتحدد هل ستنجح الجهود في السيطرة على الأزمة وتحقيق معدل قياسي في الانخفاض، أم سوف تتفاقم الكارثة لمستويات قياسية.
الموقف الدولي من الكارثة
تتواصل الضغوط الدولية على الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو للتحرك من أجل حماية غابات الأمازون واحتواء الحرائق الهائلة التي تشهدها البرازيل، حيث إنها ليست ملكا لدولة أو قارة بعينها، ولكنها ملك للإنسانية كافة.
ولعل القضية الوحيدة التي توافق عليها زعماء الدول الصناعية الكبرى G7 مؤخرا هي ضرورة السيطرة على حرائق غابات الأمازون، واعتبارها أخطر الحالات تدميراً للبيئة، حيث قررت التبرع بمبلغ 22 مليون دولار للمساعدة في مواجهة الحرائق والسيطرة عليها، وإن كانت البرازيل لم تحسم بعد إذا ما كانت سوف تقبل المساعدات الدولية لعملية الإطفاء، خاصة مع تصريحات الرئيس البرازيلي بأن الحرائق شأن داخلي، وأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحاول تحقيق مكاسب سياسية على حساب الكارثة.
وتأتي كارثة حرائق الغابات مع انتخاب بولسونارو رئيسا جديدا للبرازيل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الذي أعلن عن نواياه في استغلال الأراضي التي تقع عليها الغابات زراعيا وصناعيا لرفع معدلات التنمية ومستوى معيشة المواطن، حيث قام بولسونارو بتقليل القيود الخاصة بحماية البيئة وصيانة الغابات، الأمر الذي دفع جمعيات الدفاع عن البيئة بإلقاء اللوم مباشرة على الرئيس البرازيلي لما حدث، وأنه رفض اتخاذ إجراءات استثنائية لمواجهة الحرائق.
ومع ازدياد الضغوط الدولية وتعهد الدول الصناعية الكبرى بفرض عقوبات تجارية ضد البرازيل إذا ما استمرت سياسات البرازيل البيئية على هذا النحو، لذا اتخذ بولسونارو قرارا بإرسال قوات الجيش لمواجهة الحرائق، وأعلن وزير الدفاع أن طائرتين محملتين بكميات كبيرة من المياه ومواد كيماوية خاصة أرسلت إلى ولاية روندونيا الشمالية للسيطرة على الكارثة، في حين تعهدت الحكومة بتخفيف سياستها التقشفية وتخصيص المزيد من المصروفات لصالح العمليات الطارئة.
وفي النهاية ومع استمرار هذه الكارثة وما لها من تداعيات سبق ذكرها لا بد أن تتضافر الجهود الدولية كافة من أجل تحقيق العدالة البيئية العالمية، والمحافظة على الغابات والعمل على التقليل من حدة مخاطر التغيرات المناخية، والالتزام الكامل بالاتفاقات الدولية بشأن التغيرات المناخية التي أولت اهتماما كبيرا بالحفاظ على الغابات وحظر قطع الأشجار، فلا بد أن تنتهج جميع الدول سياسات توازن ما بين عمليات التنمية الاقتصادية والحفاظ علي البيئة.
aXA6IDMuMTUuMjE0LjE4NSA= جزيرة ام اند امز