في خطوة مفاجئة، تقدمت الصين بطلب للانضمام إلى الاتفاقية التقدمية الشاملة للشراكة عبر المحيط الهادئ.
وهي اتفاقية تجارة حرة تضم 11 بلدا من البلدان المطلة على المحيط الهادئ في آسيا والأمريكتين.
وقد أثار هذا الطلب ردود فعل واسعة، لا سيما في الولايات المتحدة، وقد عرضت وكالة "بلومبيرج" الأجواء التي أحاطت بهذا الطلب وبعض ردود الفعل الأمريكية عليه في موضوعين.
تقول الوكالة إنه مع بداية عام 2021 عرض الرئيس الصيني تشي جينبينج رؤية طموحة لتأكيد دور الصين في العالم المتعافي ما بعد الجائحة.
ثم أعلن "تشي" أمام المنتدى الاقتصادي العالمي أنه يخطط "لإطلاق إمكانات السوق الصينية الضخمة والطلب المحلي الهائل" من أجل "منح محفزات أكثر أمام التعافي الاقتصادي العالمي وتحقيق النمو".
وبعد ثمانية أشهر من ذلك، أخذ "تشي" خطوة كبيرة تجاه وضع هذه الكلمات موضع التطبيق بطلب رسمي للانضمام إلى الاتفاقية التقدمية والشاملة للشراكة عبر المحيط الهادئ أو ما تعرف اختصارا بـ"CPTPP".
والهدف من الاتفاقية التجارية، التي تصدرتها في الأصل الولايات المتحدة ثم تم تنشيطها لاحقا بعد انسحاب الرئيس دونالد ترامب منها عام 2017، هو خلق تحالف يقوده الغرب لموازنة القوة الاقتصادية الصينية في منطقة المحيط الهادئ.
ومن ثم يأتي السؤال: ما الذي دفع الصين للتحرك للانضمام إلى اتفاقية تم تصميمها ظاهريا من حيث الأساس لاستبعادها؟
أولا وقبل أي شيء، يعد طلب الانضمام تحركا تكتيكيا قصير الأجل يبين التزام الصين بالتجارة الحرة ويدعم تعهد الرئيس "تشي" بأن يكون أكثر حزما تجاه صناعة القواعد الدولية.
كما أنه من غير الضار أن يضع تحرك "تشي" قدم الولايات المتحدة مرة أخرى بجذب الاهتمام لحقيقة أن إدارة "بايدن" تفتقر إلى استراتيجية اقتصادية شاملة في آسيا.
ما الذي يمكن أن يحدث لاحقا؟
هذه أربعة احتمالات ممكنة:
أولا، يرفض الأعضاء الـ11 في الاتفاقية انضمام الصين لها.
ثانيا، تبدأ الصين في عملية الالتحاق بالاتفاقية، ولكن عرضها في نهاية المطاف يفتر على مدى السنوات القليلة المقبلة.
ثالثا، تشق بكين طريقها عنوة للاتفاقية بإقناع الأعضاء بخفض معاييرهم للانضمام.
رابعا، تنضم الصين للاتفاقية بعد الإقدام على وضع إصلاحات هيكلية رئيسية لاقتصادها.
ويرى خبراء التجارة بشكل عام أن الصين من غير المحتمل أن تقدم على وضع الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة من أجل إغلاق الفجوة بين نظامها التجاري الراهن والمعايير والضوابط مرتفعة المستوى للاتفاقية التقدمية والشاملة للشراكة عبر المحيط الهادئ.
على أي حال، فقد أبدت الصين عزمها على الشروع في جهود لتحرير التجارة كجزء من مفاوضاتها لإبرام الاتفاق الاقتصادي الإقليمي الشامل، وهو اتفاق بين الصين و14 من بلدان المحيط الهادئ، والذي تم تصور أنه يمثل ثقلا موازنا للاتفاقية التقدمية والشاملة للشراكة عير المحيط الهادئ.
ورغم أن الاتفاق الاقتصادي الإقليمي الشامل يضم بعض الأعضاء الذين تضمهم الاتفاقية التقدمية والشاملة للشراكة عبر المحيط الهادي، فإن الاتفاق الاقتصادي الإقليمي يعد بشكل عام محتويا على معايير أسهل في بعض المجالات الحاسمة، بينما لدى الاتفاقية التقدمية والشاملة للشراكة عبر "الهادئ" معايير قوية في قضايا مثل المشروعات، التي تمتلكها الدولة، وحماية العمالة، والتجارة الرقمية.
لذا يظل السؤال مفتوحا عما إذا كان هذا الطلب، الذي تقدمت به الصين، يمثل جهدا مخلصا لتعميق اندماج الصين في النظام التجاري العالمي أو ما إذا كان مجرد وسيلة لزيادة الضغط على الولايات المتحدة وحلفائها في المحيط الهادئ؟
وكان أسرع الردود الأمريكية أتى من عدد من الأعضاء البارزين في مجلس الشيوخ، الذين رأوا أن الولايات المتحدة بحاجة إلى مضاعفة جهودها من أجل تأكيد ذاتها في إقليم آسيا المطل على المحيط الهادئ بعد أن تقدمت الصين بطلب للانضمام إلى اتفاق تجاري كانت واشنطن قد دفعت به كسبيل لإقصاء بكين.
وتقدمت الصين يوم 16 سبتمبر الجاري بخطاب رسمي لطلب الانضمام إلى الاتفاقية التقدمية الشاملة للشراكة عبر المحيط الهادئ CPTPP.
ونظرت الولايات المتحدة إلى هذا الاتفاق على أنه تجمع اقتصادي لمواجهة قوة الصين المتنامية، وذلك أيام إدارة الرئيس باراك أوباما، الذي قال في عام 2016 إن الولايات المتحدة، وليس الصين، هي التي ينبغي أن تكتب شروط التجارة الإقليمية، بينما قام خلفه الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق في عام 2017، حيث تولت اليابان قيادة الجهود من أجل مراجعة الاتفاق وإعادة تسميته، وهو ما انتهى إلى نهاية ناجحة خلال العام التالي.
وكان عضو مجلس الشيوخ، توم كاربر، وهو ديمقراطي من ولاية ديلاوير ويرأس لجنة الشيوخ المالية الفرعية الخاصة بالتجارة الدولية، ومعه جانب جون كورنين، عضو الشيوخ عن تكساس وأبرز أعضاء اللجنة الجمهوريين، يوم الاثنين الماضي، بإعادة التحذيرات، التي تم إطلاقها سابقا خلال شهر يونيو من تحركات الصين.
وقال عضوا الشيوخ الأمريكي إن جهود بكين "ينبغي ألا تكون مفاجئة بأي شكل من الأشكال... لقد كنا نحذر من تحركات الصين المدروسة للانضمام إلى الاتفاقية التقدمية الشاملة للشراكة عبر الهادئ، وهو ذات الاتفاق التجاري، الذي تم صياغته من أجل مواجهة نفوذ الصين التجاري، والذي قامت الولايات المتحدة مخطئة بالابتعاد عنه... ينبغي لنا العودة لمقعدنا حول الطاولة وإعادة الالتحاق بحلفائنا في منطقة آسيا المطلة على المحيط الهادئ في مجال التجارة".
هكذا لا تقتصر تحركات الولايات المتحدة والصين في إعادة صياغة العالم على علاقاتهما الثنائية بما تتضمنه من معارك تجارية وتكنولوجية، بل تمتد إلى صياغة التحالفات الاقتصادية والسياسية في أقاليم العالم المختلفة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة