أزمة غير مسبوقة بين فرنسا من جهة والولايات المتحدة وأستراليا من جهة أخرى.
جاء ذلك عقب إعلان أمريكي-أسترالي-بريطاني الأسبوع الماضي عن تحالف "أوكوس" الأمني، الذي تضمّن صفقة غواصات نووية أمريكية إلى أستراليا لتعزيز دفاعاتها البحرية، وذلك بعد ساعات من إلغاء أستراليا صفقة توصلت إليها قبل سنوات مع فرنسا لشراء 12 غواصة بقيمة 66 مليار دولار.
الرد الفرنسي جاء غاضباً، حيث استخدم المسؤولون الفرنسيون عبارات مثل "طعنة في الظهر" وقرار "مجحف" و"غير مبرر" في وصفهم الاتفاق الأمريكي -الأسترالي، وسارعت باريس بالتعبير عن غضبها بإلغاء احتفال تذكاري للتعاون الفرنسي الأمريكي إبان حرب الاستقلال الأمريكية، واستدعاء سفيريها في واشنطن وكانبيرا، وإلغاء اجتماع ثنائي كان مقرراً هذا الأسبوع بين وزيري الدفاع الفرنسي والبريطاني.
كل ما سبق يحمل دلالات ومؤشرات رمزية لا تسمن ولا تغني من جوع بالنسبة للطرف الفرنسي، إذ تبدو خيارات باريس –وإن اتسعت نظرياً- محدودة عملياً، فهي حليف مهم لواشنطن في إطار الناتو، وشريك سياسي واقتصادي كبير، وليس بوسع الفرنسيين أن يفعلوا شيئاً سوى البحث عن دور آخر لهم داخل المنظومة الغربية، إلا إذا أرادت باريس التسبب في أزمة دبلوماسية عميقة مع واشنطن، وأن تعزل نفسها عن طريق التقارب مثلا مع الصين أو مع روسيا والذهاب ضد المصالح الأمريكية، والغربية بشكل عام، والأرجح أنها لن تفعل ذلك.
ولعل أهم ما كشف عنه حلف "أوكوس" أن نهج "أمريكا أولاً" ما كان حكراً على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وإنما هو تعبير عن نهج يدخل في صلب استراتيجية أمريكية بدأت مع الرئيس السابق باراك أوباما.
كما أن سياسة بريطانيا بعد "بريكست" والميل الحاد ناحية واشنطن، سوف يمثلان عبئاً كبيراً على الأمن الأوروبي من جهة، وعلى التفاعلات داخل الناتو من جهة ثانية، فيما يبدو أن الاتحاد الأوروبي في أضعف حالاته، اقتصادياً وسياسياً، وأن نهجه بالانفتاح على كل أطراف النزاع، الولايات المتحدة والصين وروسيا، سياسة خاطئة لن ترضي أي طرف منهم.
الأكيد أن الأهمية السياسية والاستراتيجية لهذ التكتل الجديد، "أوكوس"، وصفقة الغواصات بين واشنطن وكانبيرا، تفوق كثيراً أهميتها الأمنية والعسكرية، لأنها تؤكد أن منطقة شرق آسيا هي الآن المسرح الذي سيشهد المواجهة متعددة الجوانب بين الولايات المتحدة والصين خلال العقود القليلة المقبلة.
من هنا يمكن فهم أهمية تحالف "أوكوس" الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، التي لن تأبه كثيراً لصيحات الاعتراض الفرنسية.
أما الصين فستعمل بالتأكيد ألف حساب لتحالف "أوكوس" لأنه سيكون مؤثراً عسكرياً، فالمواجهة هنا بالنسبة للصين ستُدخلها في سباق تسلح واستنزاف وحرب اقتصادية، أما الحوار فسيجبرها على التراجع عن طموحاتها أمام الأمريكان، وهذا الخيار -وإن كان مؤلماً- فهو حتماً أفضل من قرار المواجهة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة