هناك صورتان مختلفتان تظهران في وسائل الإعلام عن حركة "طالبان" وحكومتها.
الصورة الأولى، التي يروِّج لها فريق العلاقات العامة للحركة، وعلى رأسه سهيل شاهين، الذي يتحدث عن "طالبان" التي تغيرت وتحترم تمثيل مكوِّنات الشعب الأفغاني وحقوق الإنسان، وصورة أخرى تبيِّن أن هذا التغيير المُشار إليه يهدف إلى كسب الوقت وضمان استمرار المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني حتى تُحكم "طالبان" سيطرتها على مؤسسات الحُكم والإدارة.
وتظهر الصورة الأخيرة من متابعة الإجراءات والأفعال، التي اتخذتها حكومة "طالبان"، خصوصاً في موضوعات المرأة والموسيقى والغناء، ومن التصريحات التي صدرت لتبريرها.
ففي الأسبوع الماضي، استيقظ أهالي العاصمة كابول ليجدوا أن المبنى، الذي تشغله وزارة شؤون المرأة، قد تغير اسمه.
وفي الأسبوع نفسه، صدر قرار بانتظام الدراسة في المدارس الإعدادية والثانوية للطلاب الذكور فقط، أما بالنسبة للجامعات، فسوف يستمر تعليم الإناث مع منع الاختلاط وتخصيص قاعات دراسية خاصة للذكور وأخرى للإناث.
في السياق ذاته، صدر أمر بعدم ذهاب الموظفات الحكوميات إلى أماكن عملهن باستثناء تلك الوظائف التي لا يُمكن توفير بديل عنهن كعاملات المجال الصحي.
ولم تشارك أي امرأة في الجلسات التشاورية، التي نظمها قادة الحركة مع فئات من المجتمع، كما لم تشارك أي أستاذة جامعية في الجلسات، التي أدارتها وزارة التعليم مع أساتذة وطلاب جامعة كابول بخصوص عودة الدراسة.
أضف إلى ذلك أن الحكومة أصدرت قواعد تقيِّد ممارسة الرياضة للنساء، وأخرى بمنع ارتداء أزياء ملوَّنة.
واتصالاً بذلك، قامت "طالبان" بإجراءات مماثلة في مجاليْ الموسيقى والغناء.
ففي يوم 26 أغسطس الماضي، نشرت جريدة نيويورك تايمز الأمريكية حواراً مع "ذبيح الله مجاهد"، المتحدث باسم الحركة، ذكر فيه أن الحركة سوف تحظر الموسيقى، وتتمنى أن يلتزم الأفغان بذلك "طواعية".
جاء هذا الموقف اتساقاً مع سياسة "طالبان" خلال الفترة، التي حكمت فيها أفغانستان بين عامي 1996 و2001، حيث تم فرض عقوبات وقتها على من يُقبَض عليهم وهم يعزفون الموسيقى أو يستمعون إليها في مكانٍ عام، كما تم تحطيم الآلات الموسيقية، التي وضعت سلطات الحركة يدها عليها، وتدمير شرائط الكاسيت وتعليقها على فروع الأشجار.
في الأسابيع الأخيرة، توقفت محطات الإذاعة والتليفزيون الأفغانية عن بث الموسيقى والغناء، ما عدا الأغاني الدينية، وقام كثير منها بمنع المذيعات من الاستمرار في أداء عملهن، وصدر قرار بإغلاق المعهد الوطني الأفغاني للموسيقى، الذي كان يقدِّم برامج ودروسا لتعليم الطلاب استخدام الآلات الموسيقية المختلفة.
وأعاد كثير من الطلاب الآلات، التي كانوا يتدربون عليها، إلى المعهد خوفاً من أن يتم العثور عليها في منازلهم فيتعرضون لغضب الحكام الجدد.
جدير بالذكر أن هذا المعهد لعب دوراً هاماً في إشاعة الثقافة الموسيقية بين الرجال والنساء على حدٍ سواء، وقام بتدريس قواعد الموسيقى الغربية وأحيا تقاليد الموسيقى الأفغانية والفلكور الأفغاني.
وقام المعهد في عام 2014 بتأسيس أوركسترا "زهرة"، التي تكونت بشكل أساسي من فتيات تراوحت أعمارهن بين 13 و20 سنة، واشتهرت بأداء المقطوعات الموسيقية الأفغانية والغربية، وقدَّمت عروضاً في المدن الأفغانية والأجنبية، وأصبحت أوركسترا "زهرة" رمزاً فنياً وحضارياً لأفغانستان ولمكانة المرأة فيها.
لا تعطي هذه الإجراءات مؤشراً إيجابياً عن الأوضاع الاجتماعية في أفغانستان اليوم، لذلك خرجت مظاهرات النساء في كبرى المدن الأفغانية مثل هرات وقندهار وكابول، احتجاجاً على هذه الإجراءات.
ورفعت مظاهرة نساء كابول شعار "مجلس وزراء بلا نساء فاشل"، وذلك كرد فعل على تشكيل حكومة "طالبان" الانتقالية، التي تكونت بأكملها من الرجال.
وعلَّق "سيد ذكر الله الهاشمي"، أحد المتحدثين باسم "طالبان"، على ذلك في حوار له مع مذيعة بإحدى المحطات الأفغانية بقوله: "لا توجد حاجة لأن تكون هناك امرأة في منصب الوزارة"، وشكَّك في قدرتها على تحمل هذه المسؤولية بقوله: "المرأة لا يُمكنها القيام بهذا العمل، أنتِ تثقلين عليها بشيء لا تستطيع القيام به".
فأي مستقبل ينتظر أفغانستان؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة