"الخنزير البري".. ماذا يفعل الضيف الأمريكي بمقاتلات الشرق الأوسط المتطورة؟
بعد أيام قلائل من إعلان واشنطن أنها بصدد إحالة طائرة "إيه-10" الهجومية إلى التقاعد، عادت لتؤكد أنه سيتم نشرها بالشرق الأوسط.
وكان قرب إعلان تقاعدها قد أعلنه رئيس أركان القوات الجوية الأمريكية الجنرال سي كيو براون، وذلك خلال 5 إلى 6 سنوات.
لكن التراجع عن هذا التقاعد وتلك الخطوة الأخيرة بشأن نشرها في الشرق الأوسط أثارت التساؤلات حولها ودلالة وأهداف نشرها في مثل هذا التوقيت.
صحيفة وول ستريت جورنال، أكدت أن الولايات المتحدة سترسل طائرات هجومية قديمة من طراز إيه-10 لتحل محل الطائرات القتالية الأكثر تطورا في الشرق الأوسط.
ونقل التقرير عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن نشر طائرات إيه-10 المقرر في أبريل/نيسان المقبل يأتي ضمن خطة أوسع تتضمن أيضا الإبقاء على قوات بحرية وبرية محدودة بمنطقة الشرق الأوسط.
انُتجت الطائرة إيه-10 في منتصف سبيعينات القرن الماضي، بغرض أساسي هو أن تكون طائرة ثابتة الجناح تعمل على توفير دعم جوي قريب للقوات المقاتلة على الأرض.
تعرف الطائرة بين العسكريين الأمريكيين باسم "الخنزير البري"، وتشتهر أيضا بصوت مدفعها المميز "بررررررررر"، بنيت مقصورتها الأمامية لتتضمن مدفع أوتوماتيكي عيار 30 مم سباعي المواسير، المدفع يمكنه إطلاق نحو 4 آلاف طلقة في الدقيقة. بهذا المعدل السريع من الإطلاق ومع قوة العيار (30 مم) يمكن للمدفع إعطاب وتدمير الدبابات، وهو الهدف الرئيسي من الطائرة.
"الخنزير البري" قادرة أيضا على حمل مجموعة متنوعة من التسليح، منها صواريخ "مافريك" للهجوم الأرضي، وقنابل موجهة بالليزر، وناثر للقنابل العنقودية، وصاروخي سايدوايندر للقتال الجوي القريب.
يشير قرار استبدال الطائرات القتالية الأكثر تطورا في الشرق الأوسط بالطائرة إيه-10 بتغير في رؤية الولايات المتحدة للمناطق الساخنة، فالولايات المتحدة احتفظت في قواعدها الجوية في الشرق الأوسط بقدرات جوية متطورة قادرة على مهاجمة دول وجيوش نظامية مثل طائرات F22 التي وصلت إلى المنطقة منذ عام 2019 تقريبا.
ما هي طائرة "إيه-10"؟
طائرة تعتبر من الأفضل في فئتها بالعالم، وهي متخصصة في الإسناد القتالي، وتستخدم في تدمير دبابات العدو وغيرها من المركبات المدرعة.
وظهرت الحاجة إلى مثل هذه الطائرة بعد حرب فيتنام حيث أجبر جنرالات الجيش الأمريكي على إلقاء نظرة مختلفة على الطيران في الخطوط الأمامية، في ظل الحاجة لتدمير أهداف صغيرة الحجم في ساحة المعركة، وهو ما جاء بفكرة تدشين طائرة متخصصة محمية بالدروع وتمتلك أسلحة قوية.
كما ظهرت الحاجة إليها بعد دخول دبابات (T-62 وT-64) السوفياتية الخدمة، وكانت مسلحة بسلاح قوي ولديها حماية عالية من الدروع.
الطائرة تنتجها شركة فيرتشايلد الأمريكية، تلقت واختبرت لأول مرة ببندقية عام 1975، وأظهرت نتائج جيدة خلال الاختبارات.
بدأ الإنتاج التسلسلي للطائرة في نهاية عام 1975 واستمر حتى عام 1984، ودخلت الطائرة الخدمة لأول مرة عام 1977، وتم تحديثها عدة مرات آخرها في عام 2007.
ومنذ بدء الإنتاج الضخم لها، تم تصنيع 715 طائرة منها، تبقى منها 283 طائرة فقط عام 2018، وكانت تكلفة تصنيعها تصل إلى 11.8 مليون دولار.
أهم مميزاتها
- مجهزة بأحدث المعدات الرقمية الإلكترونية، ويمكنها استخدام ذخائر عالية الدقة وأسلحة موجهة بالليزر.
- قمرة القيادة وموقعها توفر للطيار رؤية جيدة للأمام وللأسفل وللجانبين.
- مغلفة بدرع من التيتانيوم قادر على حماية الطيار من طلقات 37 ملم.
- يوفر مقعد القذف إخلاء الطيار في أي سرعة أو ارتفاع.
- يسمح شكل ومساحة جناحها بالمناورة بفعالية بسرعات منخفضة وتحمل حمولة كبيرة.
- تصميم الذيل يزيد قدرة الطائرة على البقاء فبإمكانها الاستمرار في الرحلة حتى في حال فقدانها إحدى أجنحتها.
- يتيح تصميم شاسيه الطائرة إمكانية استخدام المطارات الأرضية ما يسهل الهبوط الاضطراري.
- محطة الطاقة للطائرة الهجومية تتكون من محرّكين وبها نظام إطفاء للحريق يستخدم غاز الفريون الخامل.
- قادرة على اكتشاف الأجسام على مسافات تصل إلى 24 كيلومترا.
- مسلحة بمدفع 30 ملم، يتم تثبيته في مؤخرة الطائرة، وقذائفها مصنوعة من الألمنيوم ليصل إجمالي وزن المدافع بالذخيرة إلى 1830 كيلوغراما.
- يمكنها استخدام صواريخ AIM-9 جو-جو كوسيلة للدفاع عن النفس، ويمكن تركيب مدافع إضافية عيار 20 ملم على متنها.
أبرز مواصفاتها
- طول جناحيها: 17.53 متر
- طول الطائرة: 16.26 متر
- ارتفاع الطائرة: 4.47 متر
- وزن الطائرة الأقصى: 22.2 طن
- السرعة القصوى: 834 كم/ساعة
قتالها في العراق وأفغانستان
استخدمت الطائرة في القتال بالعراق وأفغانستان، وخلال المشاركة بـ"عاصفة الصحراء" عام 1990، قامت بأكثر من 8000 طلعة جوية، نجحت في تدمير نحو ألف دبابة عراقية، وألفي وحدة من العربات المدرعة الأخرى وأكثر من ألف منشأة فنية.
لماذا ترسلها إلى الشرق الأوسط؟
وبحسب "وول ستريت جورنال" فإن الولايات المتحدة سترسل طائرات إيه-10 الهجومية إلى الشرق الأوسط، وتحول طائرات أحدث إلى آسيا وأوروبا.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن "السبب وراء إقدام واشنطن على تلك الخطوة هو مواجهة التحركات العسكرية الممتدة للصين وروسيا، مع المحافظة على وجودها وتجنب نقص معداتها بالشرق الأوسط".
وقال مسؤولون أمريكيون إن الولايات المتحدة سترسل طائرات هجومية متقادمة لاستبدالها بطائرات مقاتلة أكثر تطوراً في الشرق الأوسط كجزء من جهود البنتاغون، لنقل مقاتلات أكثر حداثة إلى منطقة المحيط الهادئ وأوروبا لـ"ردع الصين وروسيا".
تغيير في الاستراتيجية
وفيما يبدو كتغيير لاستراتيجية أمريكا وأولوياتها، يعد نشر الطائرات، المقرر إجراؤه في أبريل/نيسان، بحسب الصحيفة، جزءًا من خطة أوسع تدعو أيضًا إلى الاحتفاظ بقوات بحرية وبرية متواضعة في منطقة الشرق الأوسط.
وينتقل الجيش الأمريكي إلى حقبة جديدة من منافسة الصين وروسيا، وقد سعى لسنوات لتقليص وجوده في الشرق الأوسط ليواجه مجموعة من التحديات.
وقال مسؤول دفاعي كبير إن "القيادة المركزية الأمريكية، التي تشرف على العمليات في الشرق الأوسط، قررت أنها بحاجة إلى الاحتفاظ بسربين من الطائرات المقاتلة في المنطقة".
وأضاف: "لكن مع تركيز البنتاغون على الصين، التي يعتبرها (الخطر الأكبر) وقلقه بشأن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، قرر أنه لا توجد طائرات مقاتلة كافية لتحقيق هذا الهدف، واقترح سلاح الجو إرسال طائرات إيه-10 كبديل".
الطائرة في عيون الخبراء
ويؤكد منتقدو طائرات إيه-10، التي يبلغ عمرها 4 عقود، أنها ضعيفة للغاية وبطيئة في التعامل مع الجيش الصيني المتنامي.
لكن بعض الخبراء يقولون إنه لا يزال لديها فائدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك ضد المليشيات المسلحة بأسلحة خفيفة أو الطائرات البحرية الإيرانية، وهذا سيمكّن البنتاغون من نقل المقاتلات الحديثة متعددة المهام إلى المحيط الهادئ وأوروبا.
وقال لاري ستوتزريم، اللواء المتقاعد بالقوات الجوية، الذي قاد طائرات إيه-10 وإف-16، وطائرات أخرى، إن "الضرورة هي نقل أنسب طائرة إلى المحيط الهادئ لمواجهة التحديات عالية التهديد".
الخطة الأمريكية الجديدة
وبموجب الخطة الجديدة، سيتمركز سرب من طائرات إيه-10 في المنطقة إلى جانب سربين من طائرات إف-15 وإف-16، وعادة ما يبلغ عدد الأسراب المنتشرة في المنطقة حوالي 12 سربا.
وتعد عمليات نشر القوات الجوية جزءًا من خطة سرية أكثر شمولاً لتقليص القوات البحرية في الشرق الأوسط، ولكن ليس حاملات الطائرات، وفقًا لمسؤولين مطلعين على الخطة.
بالإضافة إلى ذلك، ستحتفظ الولايات المتحدة بكتيبتين مضادتين للصواريخ من طراز باتريوت تابعة للجيش الأمريكي في الشرق الأوسط.
وتتكون الكتيبة من 4 بطاريات باتريوت، يمكن أن تحتوي كل منها على ما يصل إلى 8 قاذفات.
كما ستواصل الولايات المتحدة الاحتفاظ بنحو 2500 جندي في العراق وحوالي 900 جندي في سوريا لمساعدة الشركاء المحليين في محاربة تنظيم داعش.
ويشعر بعض الضباط الأمريكيين المتقاعدين بالقلق من أن هذه مستويات من القوة غير كافية للتعامل مع التهديدات في الشرق الأوسط.
واقترح بعض مسؤولي الدفاع المدنيين في العام الماضي تخفيضات أكبر بالشرق الأوسط من أجل نقل القوات إلى مكان آخر، لكن الجنرال إريك كوريلا، الذي يقود القيادة المركزية، عارض هذا الاقتراح في مذكرة سرية إلى الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، بحسب أشخاص مطلعين، قبل أن يتخذ وزير الدفاع لويد أوستن قرارًا بشأن مستويات القوة الحالية.
تطورات عالمية
التطورات العالمية الأخيرة، وخاصة الحرب الروسية – الأوكرانية، أعادت توجيه نظر الولايات المتحدة إلى موسكو وبكين، فواشنطن تدعم القوات الأوكرانية بمليارات الدولارات من الأسلحة والتدريبات في حربها ضد روسيا، وتسعى في الوقت نفسه إلى تقوية الجناح الشرقي لحلف الناتو الذي يعتبر حائط صد أمام القوات الروسية.
أوكرانيا نفسها تطالب الولايات المتحدة بتزويدها بطائرات مقاتلة ودبابات حديثة. وفي آسيا، تزداد التوترات في بحر الصين الجنوبي، حيث تطالب بكين بالسيادة الكاملة تقريبا على البحر، بينما تؤكد واشنطن على حقها في الإبحار بالمناطق التي يسمح بها القانون الدولي، ما قد يؤدي إلى احتكاك بين الطرفين.
وأعلن الجيش الصيني اليوم (الخميس) أنه رصد سفينة حربية أمريكية في بحر الصين الجنوبي وطالبها بوجوب مغادرة المياه، ومن جهتها نفت الولايات المتحدة وأكدت أن السفينة كانت تقوم بدورية ولم تطرد.
بالإضافة إلى مسألة تايوان التي تعتبرها الصين جزءا منها، فشكلت زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة إلى تايوان (التي تتمتع بحكم ذاتي) في أغسطس/آب الماضي عاملا جديدا لزيادة التوترات بين الصين والولايات المتحدة في آسيا، حيث ردت الصين عقب الزيارة مباشرة بمناورات عسكرية كبيرة حول الجزيرة، اعتبرتها تايبيه (عاصمة تايوان) إعدادا للغزو.
ومن هنا تظهر مساعي الولايات المتحدة لزيادة حضورها العسكري في آسيا للتدخل أو لردع أي خطر محتمل قد يهدد تايوان من الصين، أو كوريا الجنوبية واليابان من كوريا الشمالية.
الشرق الأوسط
استخدمت الولايات المتحدة طائرات إيه-10 في عدة معارك، كان أبرزها حرب الخليج الأولى، وحرب العراق 2003، وفي ليبيا 2011، ثم القتال ضد تنظيم داعش في العراق.
الطائرة أثبتت قدرتها في هذه المعارك، خاصة ضد الأهداف الأرضية المتحركة مثل الدبابات وعربات القتال الرئيسية، رغم إنها كانت تستخدم بوتيرة أقل من الطائرة المقاتلة الأشهر إف 16.
تغير النهج الأمريكي من الاستعداد لقتال جيش نظامي إلى مواجهة الفاعلين من غير الدول في الشرق الأوسط مثل المليشيات الموجودة في اليمن والعراق وسوريا وغيرها،يمكن تنفيذه ودعمه عن طريق طائرة إيه-10 المخصصة للدعم الجوي القريب.
في الوقت الذي ينتقل فيه التركيز الأمريكي على جيوش نظامية ذات إمكانيات بشرية وعسكرية عالية مثل روسيا والصين يتطلب نقل الطائرات المقاتلة الحديثة مثل طائرات إف 22 وإف 16 إلى أماكن أخرى قد تصبح ساخنة في المدى المنظور.