تبقى المخاوف قائمة بعد اليوم التالي لإجراء الانتخابات من عدم التسليم بنتائجها مبكرا، نظراً للارتفاع الكبير في عدد الأصوات المرسلة.
لا ينظر الرأي العام الأمريكي إلى قضايا السياسة الخارجية كأولوية في أي انتخابات رئاسية، خاصة أن الملفات الداخلية تشغل العقل الأمريكي في ظل تزايد مشكلات الصحة والتعليم وضبط الدخل وتحديد الضرائب التراكمية، وغيرها من القضايا التي يتبارى فيها الحزبان الجمهوري والديمقراطي في ظل معادلة التوازن الراهنة والقائمة، والتي تحكم العلاقة بين مؤسسة الكونجرس من جانب، والرئاسة من جانب آخر، وفي ظل وجود الديمقراطيين في الكونجرس بأغلبية ضابطة، كذلك في ظل قاعدة بقاء القواعد الحاكمة للقرار السياسي والاقتصادي ثابتة وفق قاعدة ديمقراطية لافتة، وهو ما برز طوال إدارة الرئيس ترامب على الرغم من كل الانتقادات التي وجهت إليه بعدم التزامه فعليا بقواعد البيت الأبيض، وأنه يعمل في مواجهة المؤسسات البيروقراطية العتيقة، وخارج نطاق المؤسسة، وهو أمر غير صحيح في عموميته خاصة أن مؤسسات صنع القرار داخل النظام الفيدرالي نجحت في تطويع كثير من السياسات من خلال إجراءات استباقية وعبر رسائل تنبيه مبكر، وقد جرى ذلك في التعامل مع الملف الإيراني والكوري الشمالي، إضافة إلى التعامل مع مجموعة الآسيان خاصة الصين، إلا أن الرئيس ظل يناور من أجل اكتساب شعبية كبيرة قبل إجراء الانتخابات المقبلة خاصة أن الوقت يمر وتداعيات أزمة كورونا، ومشكلات الداخل تعبر عن نفسها في ظل تصاعد واضح في شعبية المرشح الديمقراطي جو بادين، ومع التقدير لمنهجية هذه الاستطلاعات، فإن الأمر لا يخلو من توجهات استباقية، ومعايير ملونة تُبنى عليها استطلاعات الرأي مثلما جرى مع الانتخابات السابقة، والتي كانت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون متقدمة في آخر استطلاعات الرأي بقوة، ونجحت في تحقيق مؤشرات رقمية، إلا أن ترامب فاز في نهاية السباق.
وبالتالي فإن الواقع الراهن لكل الاستطلاعات قد يكون خادعا، ولن تحدث مفاجأة حقيقية، خاصة أن موضوع إيميلات كلينتون قد يكون مؤثرا في بعض الدوائر المهمة، ومنها الخارجية والاستخبارات، ولكن علينا أن نتذكر أن الرئيس ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو هما من كشفا وفقا لصلاحيات الرئيس الأمريكي هذه الإيميلات التي جاءت لتؤكد الحقائق على الأرض، ومن غير تفاصيل تعمدت الإدارة الأمريكية عدم الكشف عن بعض تفاصيلها كاملة لاعتبارات تتعلق بالأمن القومي الأمريكي، والتي لها الأولوية على أي اعتبار حزبي، ورغم كل التجاذبات الراهنة بين الديمقراطيين والجمهوريين فالأمة الأمريكية لها الأسبقية على أي اعتبار آخر خاصة أن مصالح وحسابات الحزب الديمقراطي مع الإخوان المسلمين يعلمها الجميع حتى قبل وصول الجماعة الإرهابية لحكم مصر، وبعدها في إطار المسعى الأمريكي لدمج جماعات الإسلام السياسي، وتحقيق الاندماجية المنشودة مع عدم المساس بما تطرحه من نموذج للتغيير والحكم، والممارسات غير المشروعة وتبني خيارات العنف.
وهذا ما يشير إلى أنه لن يكون هناك تغير حقيقي في السياسة الخارجية الأمريكية في حال فوز جو بايدن، حيث سيكون هناك اتفاق حول المحددات الرئيسية للسياسة الخارجية، ولكن الاختلاف سيكون في آليات التنفيذ وكيفية التعامل المباشر في أغلب القضايا، بل ويلاحظ أن اللجنة التنفيذية للجنة القومية الجمهورية قد صوتت على اعتماد نفس برنامج الحزب الجمهوري، ومن ثم فإن الحزب لم يتبن برنامجا جديدا، لأنه لا يريد لمجموعة صغيرة من المندوبين صياغة برنامج جديد، وسيكون هناك برنامج جديد في 2024، ورغم أن هذا الأمر قد يؤدي إلى خسارة حقيقية لأعضاء الحزب الذين ينافسون للحفاظ على مناصبهم في مجلس الشيوخ "ذي الأغلبية الجمهورية" من أصوات المحافظين الاجتماعيين والدينيين والذين كانوا القاعدة الانتخابية التي كانت وراء فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كما أن وثيقة الحزب الديمقراطي -وفي المقابل- شكلية إلى حد كبير، حيث إن برنامج الحزب لا يحتوي على تشريعات محددة، ولكنه يقدم نظرة شاملة على جدول أعمال الحزب والمبادئ التي يتبناها، في المقابل صدق المؤتمر القومي للحزب الديمقراطي على برنامج جديد له، ومحوره في السياسة الخارجية نتاج فترة حكم الرئيس السابق أوباما، وقد ركز على انتقاد السياسة الخارجية للرئيس ترامب، وعلى خفض التورط العسكري الأمريكي في حروب طويلة الأمد، وتعظيم استخدام الأداة الدبلوماسية وإعادة ضبط العلاقات الأمريكية- الخليجية، وتقديم المساعدات إلى شركاء الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي.
في الإجمال تبقى المخاوف قائمة بعد اليوم التالي لإجراء الانتخابات من عدم التسليم بنتائجها مبكرا، نظراً للارتفاع الكبير في عدد الأصوات المرسلة عبر البريد بسبب فيروس كورونا، والأنظمة غير المختبرة مسبقاً للتعامل مع هذه الأصوات، إذ قد تكون نتائج الانتخابات المبكرة غير مكتملة، وعرضة للطعن، إذ أعد ترامب الذريعة في حال قرر الطعن في النتائج، وأصر على أن الديمقراطيين استولوا على عشرات الملايين من بطاقات الاقتراع المرسلة بالبريد لتزوير نتائج التصويت.
وفي حال لم يفز بايدن في الانتخابات بأغلبية فمن المتوقع أن يستغل ترامب أي مواقف إضافة إلى سلطته الرئاسية، لتأكيد انتصاره، وبالتالي رفض ترك منصبه، والتمسك بالسلطة، والطعن في عملية فرز الأصوات بدعم من الناشطين الجمهوريين حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى إعادة فرز الأصوات.
ما زلنا في المرحلة الأولى، ولم تجر بعد الانتخابات، ومع ذلك فإن الحديث عن الساعة التالية هو ما يشغل الرأي العام الأمريكي جراء ما سيجري، وسيؤثر على مصداقية الدولة الأمريكية بأكملها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة