أُعلن أن إيران طلبت وقتاً للتشاور داخلياً قبل استئناف مفاوضات فيينا، حول إعادة إحياء الاتفاق النووي.
وهذا أمر مفهوم ومتوقع بسبب الفترة الانتقالية والارتباك الذي تشعر به تلك الدولة بعد الضربات الأمريكية الأخيرة على فصائلها في العراق وسوريا، وما سُمي "طلب التشاور الداخلي" هذا ليس وحده ما يعوق مفاوضات فيينا، وهذا هو الرأي السائد في الولايات المتحدة.
يجمع المراقبون في واشنطن على أن هناك العديد من العقبات التي تواجه المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، رغم ما كانت تشير إليه بعض التقارير من أن الطرفين يقتربان من الوصول إلى اتفاق في الجولة السادسة، التي ما زال التوقف بعدها قائماً، حيث تواجه مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني بعض العقبات بعد انتخاب المتشدد إبراهيم رئيسي رئيساً للبلاد.
لكن بعض الأعضاء في الكونجرس يرون أن السياسات الداخلية الإيرانية ليست العقبة الوحيدة، التي تقف أمام مفاوضات الاتفاق النووي، ويحذرون من وجود خلافات كبيرة، سواء كانت الخطوات النووية التي يتعين على إيران اتخاذها للعودة إلى الامتثال بشروط الاتفاق النووي، أو تخفيف العقوبات من جانب الولايات المتحدة، أو تسلسل الخطوات التي سيتخذها الجانبان، وإن رأى البعض أنه قد حان الوقت الآن أن يؤمن الطرفان بأنه يمكن العودة إلى الاتفاق النووي من خلال خطوات متزامنة، بدلاً من أن ينتظر كل طرف من الآخر أن يتحرك أولاً.
الكل يجمع على أن إمكانية العودة إلى الاتفاق النووي تواجه مأزقاً خطيراً، لأن إيران مصممة على تعزيز نفوذها، ليس فقط من خلال التوسع المستمر في نشاطها النووي، وبالتالي تقليص الوقت الذي تستغرقه لإنتاج القنبلة النووية، ولكن أيضاً من خلال التهديد بجعل برنامجها أقل شفافية.
حفلت الصحافة الأمريكية بأطروحات كثيرة حول هذا الشأن، حيث رأت صحيفة "واشنطن بوست" أنه بسبب رفض طهران الحديث مباشرة مع الولايات المتحدة، فقد جرت مفاوضات فيينا بصورة غير مباشرة، لعبت فيها الأطراف الأوروبية دور الوسيط، وأن المفاوضين لن يعودوا إلى فيينا لجولة مفاوضة "سابعة" ما لم تتوافر لديهم القناعة في إمكانية "إحراز تقدم في المسائل التي لا تزال عالقة وعصية على الاتفاق بين واشنطن وطهران".
يُفهم من ذلك أن إيران تريد الحصول على تأكيدات بعدم إقدام الإدارة الأمريكية على النكوص عن الاتفاق النووي مستقبلاً، وهي التأكيدات التي قالت الصحيفة إن المفاوضين الأمريكيين في فيينا "قد أكدوا استحالة إعطائها"، وفي المقابل تطلب الإدارة الأمريكية الحالية من طهران الموافقة بشكل صريح على تعميق وتوسيع أطر الاتفاق النووي المبرم في 2015، كذلك أن توافق طهران على مناقشة برنامجها الصاروخي العسكري والحروب التي تقوم بها "قوى وكيلة لطهران" في عدد من بلدان العالم، ومعلوم أنه حتى الآن يرفض الإيرانيون الاستجابة لهذين الشرطين.
كذلك من بين المعوقات إخفاق إيران حتى الآن في إبرام اتفاق توسيع دائرة المراقبة على أنشطتها النووية، الذي تقوم به الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي انتهى الأسبوع الماضي، بل إن إيران اختارت تكثيف عدم التزامها "بالاتفاق النووي" بإجرائها تجارب ذات قيمة بالنسبة لأبحاث الأسلحة النووية.
وقد رأت أمريكا في ذلك "خطوة مؤسفة" من جانب إيران، خاصة أنها تأتي في وقت تظهر فيه أمريكا نية واستعداداً صادقين للعودة إلى "الاتفاق".
تلك الاستفزازات الإيرانية ناقشتها لورا كيلي، الصحفية وحاكمة ولاية كنساس، في تقرير نشره موقع "ذا هيل" تحت عنوان "الولايات المتحدة تحث إيران على تجنب الخطوات الاستفزازية وسط تخصيب جديد لليورانيوم"، وأشارت فيه "كيلي" إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية حثت إيران، يوم الثلاثاء، على التراجع عن "الاستفزازات" النووية التي تزيد من خرقها لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي الذي أُبرم في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في إفادة للصحفيين، إنه "من المقلق أن تختار إيران الاستمرار في تصعيد خرقها لالتزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة خاصة مع التجارب التي تعود بفائدة على أبحاث الأسلحة النووية".
وكان مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أبلغ مجلس المحافظين أن إيران أبلغت الوكالة بخططها لاستخدام اليورانيوم المنتج محلياً المخصب بنسبة تصل إلى 20% في تصنيع وقود لمفاعل نووي.
ووصف المدير العام للوكالة الذرية، رافائيل ماريانو غروسي، نشاط إيران بأنه "عملية متعددة المراحل"، وقال "إنها ستنتج أيضاً معدن اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 20%".
وحث برايس، يوم الثلاثاء، على استمرار الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإيران، لكنه أثار شبح عدم إمكانية استمرار المحادثات في فيينا إلى أجل غير مسمى.
نعم، إيران تحتاج إلى الاتفاق النووي للخروج من ضائقتها الاقتصادية، ولرفع العقوبات والاستفادة من الاندماج في الاقتصاد العالمي، لكن استفزازاتها للولايات المتحدة لا يمكنها نفي أن أمريكا تملك أدوات الضغط والعقوبات، وأن ذلك قد يفقد نظام الملالي التعاطف، الذي تشعر به الدول الأوروبية تجاهه وتجاه الاتفاق، وعندها ربما تلجأ أطراف أخرى إلى الخروج من ذلك الاتفاق وترك إيران وحيدة في صراعها السياسي مع الولايات المتحدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة