وسط "نفور" من الإخوان.. مطالبات بحكومة "وطنية" في تونس
إذا تواصل عجز الحبيب الجملي في الأسبوعين المقبلين فإن الدستور يسحب منه البساط ويمكن رئيس الجمهورية قيس سعيد من طرح رئيس آخر للحكومة.
بعد إعلان العديد من الأحزاب والحركات السياسية في تونس رفض الدخول في ائتلاف حكومي يضم حركة النهضة الإخوانية، عادت المفاوضات إلى نقطة الصفر، وسط مطالبات بحكومة "مصلحة وطنية" يختارها رئيس البلاد.
وأمس الأحد، أعلن حزب التيار الديمقراطي (22 نائبا) وحركة الشعب القومية (18 نائبًا) المشاركة في الائتلاف الحكومي الذي يضم أيضا حركة النهضة وحزب تحيا تونس والبقاء في صفوف المعارضة.
ويتبقى نحو أسبوعين فقط أمام رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي لاستيفاء الآجال الدستورية لتشكيل حكومته، حيث يرى العديد من المراقبين للمشهد السياسي التونسي بأن فرضيات الذهاب إلى حكومة الرئيس أو إعادة الانتخابات التشريعية هي فرضيات واردة في ظل "النفور" الشامل لغالبية الأحزاب البرلمانية للتقارب مع حركة النهضة.
وفشلت مناورات الإخوان في تونس (52 نائبا من إجمالي 217) في تطويع الانتصار البرلماني الهش في الانتخابات التشريعية إلى حقيقة سياسية تكون فيها قادرة على إنجاز حكومة تتفق عليها مختلف الحساسيات السياسية.
ويجد حزب النهضة الإخواني نفسه في سباق ضد الزمن لتشكيل حكومته أو أنه سيتخلى عن دوره لصالح رئيس الجمهورية قيس سعيد لاختيار الشخصية الأفضل لقيادة السفينة الحكومية في المرحلة المقبلة.
ويعطي الدستور التونسي لسنة 2014 صلاحيات لرئيس الجمهورية باقتراح شخصية لترؤس الجهاز التنفيذي في حال عجز رئيس الحكومة المكلف من قبل الأحزاب على تشكيل حكومته في مدة 60 يوما.
حقائب وزارية مجهولة
زهير المغزاوي، الأمين العام لحركة الشعب قال، خلال ندوة صحفية، الأحد، إن الجملي قدم خلال آخر اجتماع للأحزاب المعنية بالمفاوضات الحكومية 15 شخصية مرشحة لحقائب وزارية مجهولة أكد أنها مستقلة.
وأشار المغزاوي إلى أن حركة الشعب رفضت ذلك وأن الجملي انتهى بتقديم 10 شخصيات، وقال للمشاركين في الاجتماع: إن هؤلاء الوزراء من اختياراته ولا يمكن النقاش حول انتماءاتهم.
وأوضح أن العرض المُقدم من الحبيب الجملي لا يلبّي الحد الأدنى مما طلبته حركة الشعب القومية، مؤكد أنها "غير معنيّة بالمشاورات مستقبلا ولن تشارك في الحكومة ولن تصوّت لها".
ووصف منهجية إدارة المفاوضات بـ"الاستهتار" الذي تريد من خلاله حركة النهضة تشكيل الحكومة من خلال "التخفي" وراء المستقلين، معتبرا أن ذلك يندرج ضمن لعبة التذاكي وما شابهها من تستّر على الخلفيات الحزبية في تونس منذ الثورة.
حكومة "مصلحة وطنية"
بدورها، أكدت حركة تحيا تونس (14 مقعدًا)، في بيان، الأحد، رفضها الدخول في المفاوضات الحكومية ودعوتها إلى تشكيل حكومة "مصلحة وطنية" دون تحديد الهوية السياسية للحكومة.
الباحث في العلوم السياسية، كثير الطبربي، قال إن حكومة الحبيب الجملي عادت إلى النقطة الصفر في مسار تشكيلها للحكومة وخاصة في ظل الإجماع الحزبي على عدم الانخراط في تحالف حكومي يتضمن حركة النهضة.
وأوضح الطيربي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أنه رغم إعلان الحبيب الجملي امتلاكه خطة "ب" (لم يحدد ملامحها) على حد تعبيره فإن حكومته فاقدة للحزام النيابي اللازم خاصة في ظل وجود أكثر من 150 نائبًا أعلنوا بشكل صريح عدم تصويتهم لحركة النهضة في جلسة المصادقة عليها في البرلمان.
وأضاف أن حكومة الحبيب الجملي المكلفة من حركة النهضة تجد نفسها اليوم أمام حالة من العجز التام لإقناع قوى سياسية متناقضة وهي حزب قلب تونس (38 نائبا) وحركة الشعب وحركة تحيا تونس والتيار الديمقراطي وكتلة ائتلاف الكرامة.
واعتبر أن حركة النهضة وضعت في الزاوية وانكشف موقعها الضعيف في الخارطة السياسية في تونس.
وأمام هذه الحالة المعقدة للمشاورات الحكومية، توقع الطبربي الذهاب إلى حكومة الرئيس كمخرج دستوري وسياسي أصبح واردًا جدًا، وهو سيكون دليل فشل لحركة النهضة على تشكيل حكومتها لأول مرة منذ سنة 2011.
وإذا تواصل عجز الحبيب الجملي التوصل إلى تحديد ملامح حكومته في الأسبوعين المقبلين، فإن الدستور التونسي لسنة 2014 يسحب منه البساط ويمكن رئيس الجمهورية قيس سعيد من طرح رئيس آخر للحكومة.
المعارضة البرلمانية
رفيقة السالمي، أستاذة علم الاجتماع السياسي، قالت إن رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، سيواجه معارضة "شرسة" من قبل الكتل البرلمانية وهي معارضة تتعدد اتجاهاتها الفكرية رغم تناقضها التام.
وأضافت السالمي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن الفترة البرلمانية (2019- 2024) ستكون الأصعب في تاريخ إخوان تونس العاجزين، حسب رأيها، عن خلق كتل حزبية متماهية معها على مستوى الرؤى الحكومية.
وأوضحت أن الإخوان لا يريدون شركاء في الحكم بقدر ما يريدون واجهات للحكم من ورائها.
وأشارت إلى أن موقفها مبني على تجربة حركة النهضة مع شركائها في حكومة 2011 و2014، مؤكدة أن الإخوان عملوا على تدمير الحياة السياسية في تونس وزرع بذور الهشاشة الديمقراطية.
وفي ظل تأزم المشاورات الحكومية وخفوت دور رئيس الجمهورية في إبداء رأيه تجاه الأزمة السياسية، يبقى المشهد التونسي مفتوحًا على كل التوقعات والاحتمالات، وفق مراقبين.