كيف للزمان أن يرجع المكيدة إلى صاحبها؟!
فمنذ أسابيع عانى العراق انقطاع الكهرباء وشح المياه، إذ وصلت مليشيات إيران إلى أنابيب المياه لتأجيج الرأي العام.
هذا الأمر دليل على ما أكده إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني، في خطابه الأول، حينما أشار إلى أن القضايا الإقليمية والصاروخية التي تتبناها بلاده "غير قابلة للتفاوض"، وذلك كرسالة موجهة إلى بغداد.
ومن أرض المعركة في الحرب العراقية-الإيرانية تنفجر مظاهرات خوزستان، التي تقع على الحدود، وتطل على الخليج بسبب شح المياه، كما أنها تعد من أغنى مناطق إيران النفطية، وهو ما ردده المحتجون بقولهم: "ليس لديهم مياه، كهرباء، هواء، حياة، في حين أن النفط يجري في الأرض من تحتهم".
وهذا هو حال العديد من المناطق الإيرانية المهمشة وسط تركيز حكومتهم على نشر مليشيات في المنطقة والإنفاق عليها ببذخ في محاولة للسيطرة على قرارات سياسية عربية، بينما قد يخسر النظام قراره الداخلي.
دعونا عند هذه اللحظة ننظر إلى الحراك الجاري، والسابق، فنرى اليوم مقاطع فيديو لخروج مسيرات شعبية حاشدة في مدينة مسجد سليمان والأهواز والمحمرة والفلاحية والشوش، وتلحق "أصفهان" بركب الاحتجاج، ليردد المتظاهرون في شوارعها: "خوزستان نحميك وندعمك"، و"سأقتل مَن قتل أخي"، في إشارة إلى قمع القوات الأمنية للمحتجين في مدن خوزستان، التي راح ضحيتها الكثير.
من ناحيته، كثف النظام الإيراني من قوات مكافحة الشغب مع آليات عسكرية قرب ساحة الحرية، وسط العاصمة، خوفاً من وصول الاحتجاجات إليها بعد انقطاع التيار الكهربائي بها وعدد من المدن الكبرى الأخرى.
وأتساءل هنا: كيف سيتعامل النظام مع هؤلاء؟!.. هل كما فعل في مظاهرات 2019 حين تم زيادة أسعار الوقود 300%، فاستخدم القوة الوحشية ووصل عدد القتلى بين المتظاهرين إلى أكثر من 1000 وتم اعتقال ما يزيد على سبعة آلاف متظاهر؟
هذا الحراك الإيراني، الذي جوبه بالقتل وشنق الناس على السقالات لتخويفهم، بدا كأنه أثمر في عين النظام، ولكن هذه الممارسات في الحقيقة لا يمكن أن تحميه طويلاً دون تغيير سياساته في الداخل والمنطقة وتغيير عقيدته.. فمتى ستتحرك لتصبح دولة تهتم بشعبها؟!
ورغم كل هذه الوحشية التي يتعامل بها النظام الإيراني داخلياً، ووجوده التخريبي الواضح أمام المجتمع الدولي، لا نسمع صوت قوى سوى من المعارضة الإيرانية الخارجية، ولم نر أكثر من غزل أمريكي قد كشف مؤخراً، بوصف هيلاري كلينتون، وزيرة خارجية أمريكا سابقا، في الرسالة المسربة لأحمدي نجاد، بأنه "الأصلح للنظام العالمي الجديد"، رغم إقرارها في الرسالة نفسها أن من فاز في الانتخابات حينها هو "موسوي" وليس "نجاد"، في إشارة إلى مظاهرات 2009، وما يسمى "الحركة الخضراء"، لكن هذا الدعم الأمريكي أسهم في إخماد بوادر انتفاضة شعبية إيرانية حينها.
ليس من عرّاب يمكنه أن يتنبأ حالياً بما قد ينتج عن هذه المظاهرات مع دخول الجيش والحرس الثوري لتوفير كميات كبيرة من المياه في المنطقة وإخماد الحراك، وإن لم يرجعوا ستزيد قوة الضرب بالعصا.
ربما تتفاقم المظاهرات إلى مستويات عالية جداً، وهذا ما قد يُحَل بتنازلات إيرانية لتوقيع اتفاق نووي وتقليل نسبة الضغط الداخلي مع انفراجة في العقوبات، وهنا قد يفهم أن الولايات المتحدة لا تريد إسقاط النظام الإيراني، كما فعلت فيما يسمى "الربيع العربي"، بل إذلاله، من أجل فوائد اقتصادية مستقبلية، فيما تظل إيران مصدر خطر للمنطقة، وتبقى الأيام حبلى بالتوقعات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة