في ذكرى حريق الأقصى.. تجار القضية يدمرون فلسطين
الإمارات تعلن قبل أسبوع عن معاهدة سلام مع إسرائيل تسمح لجميع المسلمين بأن يأتوا لزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه
يصادف، الجمعة، ذكرى مرور 51 عاما على إحراق المسجد الأقصى في ٢١ أغسطس/ آب عام 1969، على يد اليهودي الأسترالي مايكل دينيس، الذي قام بإشعال النار في الجناح الشرقي للمسجد الأقصى المبارك القبلة الأولى للمسلمين ومسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
بالتزامن مع تلك الذكرى، أعلنت الإمارات قبل أسبوع عن معاهدة سلام مع إسرائيل تسمح لجميع المسلمين بأن يأتوا لزيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، في تحرك عملي يتيح الحفاظ على أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
تلك المعاهدة التاريخية التي منعت أيضا إسرائيل من ضم غور الأردن والمستوطنات بالضفة الغربية وهو ما قدره الفلسطينيون بنحو 30% من مساحة الضفة، الأمر الذي يعني الحفاظ على أمل إقامة دولة فلسطينية.
وفيما قوبلت المعاهدة بترحيب عربي ودولي واسع، ورحب بها قطاع كبير من الشعب الفلسطيني، رفضتها السلطة الفلسطينية، وبدأت حملة تحريضية ضد الإمارات، في سلوك بات يؤكد حرص السلطة وقادتها وعلى رأسهم رئيسها محمود عباس على استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون أي حلول، لاستمرار تربحهم من المتاجرة بتلك القضية.
روائح فساد السلطة التي طالت كل شيء، حتى أموال المنح، أزكمت أنوف العالم، الأمر الذي دفع تقارير محلية ودولية إلى التحذير من مغبة استمرار الفساد، وتداعياته على حياة الشعب الفلسطيني.
تناقض عباس يفضح فساده
المتاجرون بالقضية يحرضون على الإمارات، فقط كونها بدأت تبحث عن حلول عملية، تسهم في نشر الأمن والاستقرار، واستعادة الحقوق الفلسطينية المشروعة دون تفريط في أي منها.
لم تعلن الإمارات التنازل عن أي من الحقوق الفلسطينية، ولم تدع الفلسطينيين لذلك، ولم تمنع الفلسطينيين أيضا من نيل أي حقوق يطالبون بها، على العكس تماما، نجحت الإمارات -دون أن يطلب منها أحد ومن واقع إحساس قادتها بالمسؤولية عن قضية تعد مركزية في سياستها الخارجية منذ تأسيسها- في إنقاذ 30% من الأراضي الفلسطينية وأكثر من 100 ألف فلسطيني كانوا معرضين للطرد وإنهاء 6 سنوات من الجمود.
كما بثت الروح في المسار التفاوضي للوصول إلى السلام العادل والشامل بعد نحو 3 عقود من مفاوضات بلا جدوى، أي حصلت على مكاسب مقدما للقضية الفلسطينية في سابقة في تاريخ العلاقات العربية الإسرائيلية.
كما فتحت الإمارات الطريق أمام تسوية وضع الأقصى، وألزمت معاهدة السلام إسرائيل بفتح المسجد أمام المسلمين من بقاع الأرض كافة.
الغريب أن ما نجحت الإمارات به، لطالما سبق أن دعا له عباس، ولكن يبدو أنها كانت دعوات للاستهلاك والمتاجرة بالقضية فقط.
فسبق أن دعا عباس الدول العربية والإسلامية والعرب والمسلمين والمسيحيين فى أمريكا وأوروبا إلى زيارة القدس.
وقال في تصريحات سابقة له: "يجب أن نشجع كل من يستطيع وبخاصة إخوتنا من الدول العربية والإسلامية، إضافة إلى إخوتنا العرب والمسلمين والمسيحيين في أوروبا وأمريكا على التوجه لزيارة القدس".
وبين أن تدفق الحشود إليها وازدحام شوارعها والأماكن المقدسة فيها، سيعزز صمود مواطنيها، ويسهم في حماية وترسيخ هوية وتاريخ وتراث المدينة المُستَهدَفَيْن بالاستئصال، وسيُذَكِّر المحتلين أن قضية القدس هي قضية كل عربي وكل مسلم وكل مسيحي.. وقال: "وأؤكد هنا أن زيارة السجين هي نصرة له ولا تعني بأي حال من الأحوال تطبيعا مع السجان".
أي أنه باعتراف عباس نفسه فإن ما قامت به الإمارات يعزز صمود المقدسيين ويحافظ على المسجد الأقصى.
ولا تزال الإمارات تعمل على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، ولكنها اختارت طريقا مختلفا عن طرق سلكها العرب على مدى عقود، ولم تسهم في شيء، سوى في خسائر متلاحقة للقضية.
وحل القضية الفلسطينية يعني مكسبا كبيرا للشعب العربي والعالم الإسلامي، وفي الوقت نفسه خسائر للمتاجرين بالقضية وعلى رأسهم عباس وزمرته، التي ما فتئت تقارير دولية تفضح فسادهم.
أرقام تفضح السلطة
لكن موقف السلطة الفلسطينية من معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية وتحريضهم ضد الإمارات، يكشف بشكل واضح عدم جديتها في حل القضية الفلسطينية، وإبقاءها دون حل لأنها باتت منجما يدر عليهم أموالا.
ولا تزال علامات استفهام كثيرة تثار حول مصدر الأموال الضخمة لأبناء محمود عباس، طارق وياسر، واللذين ارتبطت أسماؤهما بتهم فساد كشفتها تقارير لوسائل إعلام أجنبية على مدار الفترة الماضية.
وتساءلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية في تقرير سابق لها عن سبب ثراء نجلي الرئيس الفلسطيني محمود عباس قائلة: هل ازداد ياسر وطارق ثراء على حساب الفلسطينيين وربما دافعي الضرائب الأمريكيين؟
كما وجهت اتهامات لعباس وغيره من قادة منظمة التحرير الفلسطينية بسرقة ملايين الدولارات من التمويل الدولي المخصص للشعب الفلسطيني.
كما سبق اتهام عائلة عباس بالحصول على مبلغ مئة مليون دولار من الصندوق القومي الفلسطيني، بينما عثرت وكالة رويترز على دلائل تفيد بأن مساعدات مالية من وكالة التنمية الأمريكية الدولية (USAID) بملايين الدولارات وجدت طريقها بالصدفة إلى يد ياسر ابن الرئيس، وفق تقاير إعلامية.
وفي الوقت الذي يعاني فيه الشعب الفلسطيني من أزمة سيولة طاحنة، وأوضاع اقتصادية صعبة، تم تسريب وثائق تكشف أن الرئيس عباس أصدر قرارا يقضي بزيادة راتب رئيس الوزراء الحالي محمد اشتيه ورواتب وزراء الحكومة بنسبة 67%، الأمر الذي أثار موجة من الاستنكار في الشارع الفلسطيني الذي وصف حكومته بـ"مزرعة لكبار المسؤولين".
رفض شعبي لسياسات عباس
نتيجة تلك السياسات تزايد الرفض الشعبي لمحمود عباس، ووفقا لاستطلاعات الرأي التي أجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الضفة الغربية وقطاع غزة في الفترة ما بين 14 و16 سبتمبر 2017، فإن غالبية الفلسطينيين غير راضين عن أداء الرئيس محمود عباس و67% من الشعب يطالب باستقالته، بينما 27% يريده أن يبقى في منصبه. ويصل الطلب على استقالة عباس إلى %60 في الضفة الغربية و%80 في قطاع غزة.
ووفقا لنتائج المقياس الدولي الذي نفذته منظمة الشفافية الدولية فإن 62% من المواطنين المستطلعين في فلسطين يرون أن الفساد قد تفاقم خلال عام 2019، فيما قيّم 51% من المواطنين أن أداء الحكومة يعد ضعيفاً في مجال مكافحة الفساد، فيما يرى 45% من المواطنين أنه جيّد، و5% هامشية بأنهم لا يعرفون.
وأكد تقرير "مقياس الفساد العالمي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2019" الصادر عن منظمة الشفافية الدولية أن الأبحاث المتعلقة بفلسطين تشير إلى افتقار القادة هناك إلى "النزاهة السياسية بدرجة كبيرة".
محمود عباس نفسه هناك تساؤلات حول شرعية بقائه على رأس السلطة، التي تولاها في 15 يناير 2005، بموجب انتخابات رئاسية، وانتهت ولايته دستورياً في 9 يناير 2009؛ ولم تجر انتخابات مجددا بسبب الانقسام الفلسطيني، الذي يسعى إلى تكريسه هو وحركة حماس، ويستفيد منه الطرفان، في حين أن الخاسر الوحيد الشعب الفلسطيني.
خصوصا في ظل تقارير تؤكد تربح حركة حماس وتضخم أرصدة قادة حركتها وأبنائهم جراء المتاجرة بالقضية.
رئيس وزراء فلسطين وأبناء عباس
الفساد طال حتى التعيينات في هرم السلطة، فقد أشارت تقارير إعلامية فلسطينية إلى أنه تم تعيين محمد اشتيه رئيسا للوزراء عبر تقربه لأبناء عباس، رغم اتهامات الفساد التي طالته هو الآخر.
وبينت التقارير أن سر تقرب اشتيه من عباس هو علاقته بأبنائه وتسهيل مهمتهم في السيطرة على أموال منظمة فتح والسلطة من خلال إدارته ملف المال الفتحاوي.
وتولى اشتيه إدارة ملف المال في حركة فتح ما مكنه من تكوين ثروة طائلة إلى جانب عمله الحكومي والتنظيمي الذي منحه نفوذا واسعا، وسبق أن تم التحقيق معه في اتهامات بالفساد.
وفي عام 2016 فتح النائب العام الفلسطيني تحقيقا مع اشتيه في اختفاء أموال المساعدات الأوروبية، حينما كان يشغل منصب وزير الأشغال والتي قدرت بــ2.5 مليار دولار.
ووجه النائب العام الفلسطيني تهمة الاستثمار الوظيفي للوزير اشتيه وتهمة هدر المال العام وصرف مستحقات بدون سندات رسمية، لكن أغلقت القضية فيما بعد.
تساؤلات مشروعة
في ظل تلك الفضائح، فإن استمرار القضية الفلسطينية دون أي حل على مدار عقود، وتحريض قادة السلطة الفلسطينية على من يحاول التوصل لأي حلول عملية لها، يكشف بلا شك مصلحة قادتها في الإبقاء على تلك القضة دون حل للمتاجرة بها.
وأخيرا ماذا قدم محمود عباس للقضية الفلسطينية منذ وصوله للسلطة عام 2005، وحتى اليوم سوى تكريس الانقسام الفلسطيني، وإزاحة ملف القضية الفلسطينية عن أولويات أجندة قادة العالم.
تلك الأخطاء التي تحاول الإمارات تداركها، وستواصل العمل من أجل نصرة القضية الفلسطينية ودعم حقوق الشعب الفلسطيني عبر طريق السلام.