ذكرى حادثة المنشية.. تفاصيل أشهر محاولة إخوانية لاغتيال عبدالناصر
تحل، اليوم الخميس، الذكرى التاسعة والستين لمحاولة تنظيم الإخوان الإرهابي اغتيال الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، فيما عرف إعلاميا بـ"حادثة المنشية".
ويمثل الحادث أشهر الوقائع في السجل الإجرامي لجماعة الإخوان الإرهابية، والذي جاء بعد تصعيد متبادل بين الرئيس الراحل عبدالناصر ومرشد جماعة الإخوان وقتها حسن الهضيبي بسبب قانون الإصلاح الزراعي، وأيضا بسبب هيئة التحرير التي دشنها عبدالناصر.
لكن مع قرار قيادة الثورة بحل جماعة الإخوان تفاقمت الأزمات بين الطرفين؛ فلجأت الأخيرة إلى التخطيط لاغتيال جمال عبدالناصر الذي سحب البساط من تحت أقدامها.
وفي نهار الـ26 من أكتوبر/تشرين الأول عام 1954، نفذت الجماعة خطتها لاغتيال الزعيم جمال عبدالناصر في أثناء إلقاء خطاب بميدان المنشية في الإسكندرية، بمناسبة اتفاقية الجلاء، والتي اشتهرت عقب ذلك بـ"حادث المنشية".
وعن الحادث، قال المؤرخ المصري ووزير الثقافة الأسبق عماد أبوغازي: "كانت الأمور بين مجلس قيادة الثورة والإخوان تسير من سيئ لأسوأ، إلى أن كانت القطيعة النهائية مع حادث المنشية يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 1954".
وأضاف المؤرخ المصري: "كان عبدالناصر يخطب في ميدان المنشية في احتفال شعبي بتوقيع اتفاقية الجلاء، وأثناء إلقائه خطابه أطلق عليه شاب 8 رصاصات (..) تصور الحضور أن عبدالناصر أصيب، وحاول الحرس الخاص إخراجه من موقع الحدث".
لكنه رفض وواصل إلقاء خطابه، قائلا: "أيها الرجال فليبق كلٌّ في مكانه، حياتي فداء لمصر، دمي فداء لمصر، أيها الرجال، أيها الأحرار، أتكلم إليكم بعون الله بعد أن حاول المغرضون أن يعتدوا عليّ".
وتابع: إن حياة جمال عبدالناصر ملك لكم، عشت لكم وسأعيش حتى أموت عاملا من أجلكم ومكافحا فى سبيلكم، سيروا على بركة الله، والله معكم ولن يخذلكم، فلن تكون حياة مصر معلقة بحياة جمال عبدالناصر، إنها معلقة بكم أنتم وبشجاعتكم وكفاحكم، إن مصر اليوم قد حصلت على عزتها وعلى كرامتها وحريتها، سيروا على بركة الله نحو المجد نحو العزة نحو الكرامة".
"وما إن انتهى من خطابه، حتى ألقي القبض على الشاب الذي أطلق الرصاص وكان اسمه محمود عبداللطيف، الذي كان يعمل فني سيارات في إمبابة وينتمي للإخوان المسلمين" حسب الرواية الرسمية، التي وافقت رواية المؤرخ عبدالرحمن الرافعي في كتابه (ثورة 23 يوليو/تموز 1952)، مشيرا إلى أن محاولة اغتيال عبدالناصر رفعت من رصيده شعبيا وساعدت في التفاف الجماهير حوله.
وقال أبوغازي، في سلسلة مقالات عبر مدونته الشخصية على الإنترنت، وبعضها نشرته صحف محلية: التحقيقات قالت إن محمود عبداللطيف كان عضوا فى جماعة الإخوان، وإن المحرض عليه المحامي هنداوي دوير عضو الجماعة"، مشيرًا إلى أن "محاولة اغتيال عبدالناصر كانت جزءا من مؤامرة كبرى لاغتيال أعضاء مجلس قيادة الثورة، وحوالي 160 من ضباط الجيش".
وأضاف: "تضمنت الاتهامات التي تم توجيهها للجماعة تخطيطها للاستيلاء على الحكم، وتخزينهم كميات كبيرة من الأسلحة والمفرقعات ليستخدمها الجهاز السري".
وأشارت التحقيقات إلى أن "هناك عدة خطط أخرى لاغتيال جمال عبدالناصر، بينها نسفه بحزام ناسف، أو نسف الطائرة التي تقله في إحدى رحلاته"، فيما وجه الاتهام لاثنين من الضباط هربا خارج البلاد هما البكباشي أبوالمكارم عبدالحي، والبكباشي عبدالمنعم عبدالرؤوف (كان من الضباط الأحرار). منذ نشأة تنظيم الإخوان عام 1928، وهو يتخذ من سلاح الاغتيالات السياسية لخصومه شرعة ومنهاجا ممتدا منذ 73 عاما.
محكمة الشعب
وفيما أكدت التحقيقات أن مرشد الجماعة المستشار حسن الهضيبي كان على علم بالخطة ومباركا لها، أصدر مجلس قيادة الثورة أمرا بتأليف محكمة خصيصا باسم (محكمة الشعب) برئاسة قائد الجناح جمال سالم وعضوية القائم مقام أنور السادات، والبكباشي حسين الشافعي، لمحاكمة كل من يتهم بأفعال تُعد خيانة للوطن، أو ضد سلامته في الداخل أو الخارج، وكل ما يعتبر موجها ضد نظام الحكم والأسس التي قامت عليها الثورة.
محكمة الشعب شكلت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954، بعد تأليفها ثلاث دوائر فرعية أحيلت لها عدة قضايا، بينها قضايا جماعة الإخوان المسلمين التي بلغ عدد المتهمين فيها عدة مئات.
وعقدت المحاكمات في مبنى الكلية الحربية بشارع الخليفة المأمون، فيما صدرت الأحكام التي تضمنت الحكم بالإعدام على سبعة من أعضاء الجماعة، بمن فيهم المرشد العام المستشار حسن الهضيبي، لكن الحكم عليه خفف إلى الأشغال الشاقة المؤبدة ثم أفرج عنه لأسباب صحية، بينما نفذ الحكم في ستة آخرين أبرزهم عبدالقادر عودة.
خيانة الوطن
ووفقا للإحصائية التي أوردها عبدالرحمن الرافعي في كتابه عن ثورة يوليو، فإن عدد من حكمت عليهم محاكم الشعب كان 867، وعدد الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية 254.
وفي الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 1954، جاءت عناوين الصفحة الأولى من صحيفة "الأهرام": "عامل يعثر على المسدس الذي أطلق منه النار على الرئيس" و"محاكمة خاصة برئاسة جمال سالم وأنور السادات والشافعي تنظر في الأفعال التي تعتبرها خيانة للوطن أو ضد سلامته في الداخل والخارج وكل ما يعتبر موجها ضد نظالم الحكم" و"المحاكمة علنية وأحكام المحكمة نهائية لا تقبل الطعن" و"التنظيم السري يأتمر بأمر المرشد ولا يمكن لأي عضو أن يقوم بعمل بدون تكليف منه".
ويمثل حادث المنشية حلقة من مسلسل طويل ضم العشرات من عمليات العنف والإرهاب والاغتيال، تورطت فيها الجماعة الأم، حيث بدأت قوائم اغتيالات السياسيين المصريين، في أربعينيات القرن الماضي، وبدأت باغتيال رئيس وزراء مصر أحمد ماهر، عام 1945، والذي اغتيل في قاعة البرلمان، ثم اغتيال القاضي أحمد الخازندار عام 1948، وبعد عدة أشهر اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي بالقرب من ديوان وزارة الداخلية.
سجل أسود من الاغتيالات، فمنذ نشأة تنظيم الإخوان عام 1928، وهو يتخذ من سلاح الاغتيالات السياسية لخصومه شرعة ومنهاجا، ومؤخرا زاد التنظيم من وتيرة عملياته مع الإطاحة بهم من الحكم في عام 2013، كان أبرزها اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات في 29 يونيو/حزيران 2015، وغيرها من استهداف مسؤولين وضباط.
aXA6IDMuMTI5LjE5NS4yNTQg
جزيرة ام اند امز