تاريخ اللغة العربية في إثيوبيا قديم، والعلاقة بينها وبين اللغات الإثيوبية متجذرة في عمق الزمان، ويمكننا التوقف عند أصل اللغات الإثيوبية، خاصة الجئزية، التي تعود إليها لغات إثيوبيا القديمة.
و"الجئزية" -أقدم اللغات الإثيوبية والتي خرجت منها الأمهرية والتقرنجة- واللغة العربية لهما أصل متشابه نطقًا وفي أشكال كتابة الحروف، إذ نجد أن علاقة كبيرة موجودة بينهما، حتى الكلمات التي نستخدمها يوميا بصورة متكررة، مثل كلمات "زيت، سكر، بر، شاي، بيت" متشابهة النطق بين اللغتين.
كلمات عربية الأصل تجدها في كثير من لغات إثيوبيا، مثل الأمهرية أو التقرنجة أو الأورومية أو غيرها، أو العكس، حيث تتمازج اللغتان وتتبادلان المفردات استعمالا وشعورا على مدار قرون من التفاعل الشعبي، فبحسب التاريخ الإثيوبي هناك تعامل كبير سابقا باللغة العربية، ليس خلال التعامل اليومي فحسب، بل حتى داخل بعض المؤسسات الدينية العريقة، مثل "الخلاوي" الإثيوبية، وهي مناطق شعبية للتعلم كالكتاتيب، والتي كانت تدرّس القرآن وعلومه في شمال إثيوبيا، حيث كانت يتم تقديم دروس في علوم اللغة العربية، الصرف والنحو، في مناطق "ولو" و"رايا".
كذلك فإن تاريخا طويلا بين الكنيسة الأرثوذكسية بإثيوبيا وبين كنيسة الإسكندرية في مصر، ما جعل للغة العربية أهمية وحضورا في المؤسسات الدينية المسيحية خلال فترات كثيرة من التاريخ، فضلا عن حركة ترجمة لعلوم الدين الميسيحي من العربية إلى اللغات الإثيوبية المختلفة، وكثير من رجال الدين المسيحي يجيدون العربية ويبرعون فيها.
إضافة لذلك فإن هناك مناطق في إثيوبيا ظلت اللغة العربية فيها من أهم حلقات الوصل، خاصة لما لها من تداخل مع المناطق المجاورة لإثيوبيا، مثل مناطق هرر، التي ظلت لفترة طويلة مركز إشعاع ديني إسلامي ومركزا لتعليم العربية، وما زالت اللغة العربية هناك من أهم اللغات، التي يتحدث بها الناس خلال حياتهم اليومية.
كذلك نجد مناطق حدودية أخرى مثل المتاخمة للسودان في كل من إقليم بني شنقول، ومناطق الحمرة والمتمة الإثيوبية، والتي تعتبر اللغة العربية فيها أهم لغات التواصل والتعامل التجاري، بالإضافة إلى اللغات المحلية.
وفي ظل الانفتاح، الذي حدث خلال العقود الثلاثة الماضية، وحركة التجارة مع الدول العربية وسفر العمالة، ظهرت صحوة كبيرة للغة العربية في إثيوبيا على مستوى الانتشار، ما أدى لرواج اللافتات المكتوبة باللغة العربية في شوارع العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، وكثر متحدثوها في العديد من المؤسسات، العامة والخاصة، وذلك بعد أن أُدخل في بعض المؤسسات التعليمية تدريسُ العربية، ووصل الأمر إلى أن تدرس جامعات مثل أديس أبابا وجيما وجيجغا وسمرا اللغة العربية بصورة مستفيضة، وتخرج العديد من الدفعات بدرجة البكالوريوس في علوم اللغة العربية.
وسعيا منها لتطوير استخدام العربية داخل الدولة، لما لها من أهمية في الإطار الدبلوماسي والشعبي، عملت الحكومات الإثيوبية المختلفة على تطوير أقسام اللغة العربية في العديد من المؤسسات الرسمية، من إعلام ومراكز خدمية، وبات لها دور كبير في توطيد العلاقات مع المتحدثين بالعربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة