هناك حالة رعب منذ نشوء النزاع الروسي-الغربي في أوكرانيا، مردُّها الخوف من وقوع حرب نووية، قد يُقدِم عليها طرفٌ ما في التصعيد غير المسبوق بين الأطراف المتنازعة.
هذه كلها مجرد "بروباجندا" تمارسها جهاتٌ معروفة، حين يرتبط الأمر بالمسألة النووية، فلا أحد يريد حربا نووية، لا أمريكا ولا روسيا، كون السلاح النووي للرّدع لا للاستخدام، لأن استخدامه فعليا بين قوى عظمى يعني فناء البشرية.
وأقصى ما يمكن أن يحدث هو استخدام سلاح نووي تكتيكي في بقعة جغرافية محدودة، وهو مطلب شبه مستحيل، لأنه يؤسس لسابقة خطيرة للغاية، ربما يبتعد عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدر الإمكان.
والحملات الدعائية الخاصة بقضية النووي واستعماله ربما تستعين بها "أمريكا بايدن" اليوم، وبعض دول أوروبا، أمام العالم، لغاياتٍ معروفة، لكنها أحيانا تنعكس ضد أمريكا وأوروبا، بل وتثير قلق الشعب الأوروبي كله قبل غيره، وقد تمثل ذلك في مظاهرات ضد حكومات أوروبية تطالب بمنع استمرار الحرب في أوكرانيا، لا سيما أن أوروبا ستدخل في أتون الأجواء الباردة، والشتاء قريب.
العجيب الغريب في ذلك هو أن تحذير الغرب لبوتين من استخدام النووي التكتيكي في أوكرانيا ربما يكون أمرًا ظاهرُه التحذير، وباطنه التحفيز، أي إغراء اللا وعي، وأعتقد أن هذا التكتيك هو جزء من منظومة العمل الغربية-الأمريكية، التي ضغطت على الروس لخوض غمار "العملية الخاصة" في أوكرانيا.
فالحشد الروسي وقتها كان للتحذير والتخويف، لا دخول عملية عسكرية، فروسيا تدرك أنها دولة كبرى، وأن النووي بحد ذاته سلاح ذو حدين، والتلويح باستخدامه مجرد معارك إعلامية وسياسية فقط.
أما أمريكا فأعلنت صراحة أن "عضوية أوكرانيا في الناتو سيتم النظر فيها في وقت آخر"، وبالتالي فالتركيز حاليا لدى واشنطن على "كيف تهزم أوكرانيا روسيا" وليس على عضوية أوكرانيا في الناتو، كما قالت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي تلميحا لا تصريحا في معرض شرحها لطبيعة المواقف الأمريكية "المتناقضة" أحيانا.
ولعل افتتاحية إحدى صحف المجر أثارت الجدل نفسه، حين خاطبت الشعب الأوكراني بسؤال مباشر: "هل فهمتم ما يحدث الآن؟.. إن أمريكا وضعتكم أنتم وأوروبا في مواجهة مع روسيا، لأنها لا تحتاج إلى نفط روسيا وغاز روسيا مثلكم".
هنا يبرز سؤال: "لماذا يتلكأ الناتو في ضم أوكرانيا للحلف، رغم كل الدعم الأوروبي الهائل لكييف عسكريا؟".. الجواب بكل وضوح لأن نظام الناتو ينص على وجوب تدخل أعضائه عسكريا حال تعرض أحد الأعضاء لاعتداء، وأمريكا وأوروبا لن يتدخلا عسكريا بشكل مباشر، بل ستكون المواجهة فقط حتى آخر مواطن أوكراني وآخر متر مربع في أوكرانيا.
المستفيد من تخريب خطوط "نورد ستريم"، التي تنقل الغاز إلى أوروبا عبر بحر البلطيق، يعطي المؤشر المباشر إلى أن أوروبا تعيش وضعا صعبا، وهي بين سندان حكومات تتبع أجندات الناتو، والناتو يساوي أمريكا، وبين مطرقة شعوب لا تعنيها الأجندة، أي تدمير روسيا والصين، ما يهم تلك الشعوب هو العيش في رغد وسلام، وتخريب "نورد ستريم" يعتبر نقطة مفصلية في صراع القوى الكبرى من جهة، وصراع الشعوب مع حكوماتها من جهة أخرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة