عاد منتخب مصر للظهور أخيرًا، بعد غياب طويل، ولكن هذه المرة تحت قيادة مدير فني جديد، وهو البرتغالي روي فيتوريا.
في قرابة عام واحد، مر منتخب مصر بمرحلة انتقالية، لعب فيها تحت قيادة 4 مدربين، بدءًا من حسام البدري، مرورًا بكارلوس كيروش وإيهاب جلال، قبل أن يصل روي فيتوريا إلى سُدة الحكم الفني.
منذ وصوله، تكاثرت الأسئلة حول مدى قدرة روي فيتوريا على النجاح مع منتخب مصر، لا سيما وأنه يتولى المسؤولية بعد 3 تجارب وُصفت بـ"الفاشلة"، ولكن هذا الوصف هو بعينه ما سيحدد مدى نجاح النجم البرتغالي.
لا تساورني أي شكوك حول قدرات روي فيتوريا التدريبية، ومسيرته المميزة مع بنفيكا البرتغالي أوروبيًّا، والنصر السعودي عربيًّا، تبشر بنجاح جديد، غير أن هذا النجاح أو عدمه سيكون متوقفًا على "السيستم".
من الجيد أن يكون التعاقد مع المدرب البرتغالي لفترة طويلة، وتحديدًا لـ4 سنوات مقبلة، ما يعني أن اتحاد الكرة المصري قد استقر على أن يكون فيتوريا هو قائد مشروع التأهل إلى كأس العالم 2026، ولكن هذا وحده أبدًا لا يكفي.
لا بد أن يعلم روي فيتوريا، ومن قبله جماهير كرة القدم المصرية، ما هو مطلوب منه على وجه التحديد، هل النتائج الإيجابية فقط؟ أم أن الأداء عنصر أساسي أيضًا؟
وإذا كان الأداء مهمًّا، فما معيار هذا الأداء؟ هل يتمثل في اللعب بطريقة منظمة أم يجب أن يُقدم كرة هجومية ممتعة؟ وإذا وضعنا هذا الشرط، فمن يُقيّم جودة الأداء وجماليته؟
قد تكون هذه الأسئلة بدَهية عند التعاقد مع أي مدير فني لأي فريق أو منتخب، ولكن دعني أخبرك أن اتحاد الكرة المصري نفسه لم يكن على علم بإجابات تلك الأسئلة عند التعاقد مع المدربين السابقين.
رحل حسام البدري عن تدريب منتخب مصر، رغم تحقيقه انتصارا وتعادلا خارج الأرض في أول مباراتين بتصفيات كأس العالم، بداعي "سوء الأداء"، فأدركنا جميعًا -لأول مرة- أن الأداء عنصر أساسي في تقييم المدربين من قبل الاتحاد المصري لكرة القدم.
جاء كارلوس كيروش، فبَنى منظومة تكتيكية مميزة، لكنها اتسمت بالطابع الدفاعي، مع قصور هجومي واضح، لكنه مع ذلك تأهل إلى نهائي كأس أمم أفريقيا والمرحلة الفاصلة من تصفيات كأس العالم، وخسر المباراتين أمام السنغال، أقوى منتخبات القارة السمراء بركلات الترجيح.
رغم ذلك، رحل كيروش، فأدركنا جميعًا -لأول مرة أيضًا- أن الأداء الدفاعي لن يكون كافيًا لاتحاد الكرة المصري، وإنما يجب أن يكون المدرب هجوميا جريئًا يقدم الكرة الهجومية الممتعة التي تبحث عنها الجماهير منذ نهاية حقبة الجيل الذهبي قبل 12 عامًا.
وهنا جاء الدور على إيهاب جلال، فَمَن غيره قادر على تقديم "التيكي تاكا"، التي تحلم بها الجماهير؟!
لا، ليس هو أيضًا، فقد رحل هو الآخر بعد مباراتين رسميتين فقط، فاز في أولاهما وخسر الثانية بسبب الاندفاع لتقديم الكرة الهجومية التي طُلب منه أن يقدمها.
إذا هالك ما قرأت، وأدركت مدى انعدام الرؤية الفنية، فدعني أخبرك أن هذه ليست الطامة الكبرى، والتي جاءت فعليا في تعامل اتحاد الكرة المصري مع "مسؤوليته" في اختيار هؤلاء المدربين.
أقالت اللجنة المؤقتة، التي كانت تدير اتحاد الكرة المصري برئاسة أحمد مجاهد، المدرب حسام البدري، الذي عيّنته اللجنة المؤقتة السابقة برئاسة عمرو الجنايني، ثم أقال مجلس إدارة الاتحاد الجديد برئاسة جمال علام، المدرب كارلوس كيروش، الذي عيّنته لجنة أحمد مجاهد، وكل منهم تبرأ من المدرب الذي عمل تحت قيادته بزعم أنه لم يقُم بتعيينه.
وعند الحديث عن كيروش، فلك أن تتخيل أن عضوا في اتحاد الكرة المصري قد هاجمه على الهواء بعد خسارة أول مباراة في كأس أمم أفريقيا أمام نيجيريا، مبررًا عدم إقالته بعد هزيمة مباراة بعدم القدرة على دفع الشرط الجزائي الذي وضعته اللجنة السابقة!
مضى كيروش، ومضى معه منتخب مصر إلى المباراة النهائية، فتغنّت به الجماهير المصرية، وتغنّى به معها أعضاء اتحاد الكرة الذين كانوا يبررون عدم إقالته بعد أول مباراة!
حتى إيهاب جلال، الذي عيّنه وأقاله مجلس اتحاد الكرة نفسه، لم يكلف رئيسه جمال علام نفسه مشقة الدفاع عن اختياره بعد الهزيمة من إثيوبيا، بل برر قرار تعيينه بأنه "كان اضطراريًا لعدم القدرة على تعيين مدرب أجنبي"، بل اتخذ قرار إقالته على الهواء، بينما كان "جلال" في الطائرة مع المنتخب استعدادًا لمباراة ودية مهمة ضد كوريا الجنوبية!
لهذا كله يا عزيزي، أُدرك جيدًا أن نجاح فيتوريا مع منتخب مصر لن يكون مُتوقفًا على قدراته، التي لا يُشكك فيها أحد، ولكن هذا النجاح مرهون بعدة عوامل، أهمها "السيستم".
يجب على اتحاد الكرة المصري أن يحدد أهداف روي فيتوريا، وتوفير الأدوات، التي يحتاج إليها، والظروف المُحيطة المناسبة للنجاح، والإيمان به، والدفاع عنه أمام الهجمات التي ستطوله وقتًا ما لا محالة، وفي هذه الحالة فقط، يُمكنني أن أراهن الجميع على نجاحه، وباقتدار!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة