"النمور الآسيوية الأربعة".. مصطلح أطلق على كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وهونج كونج، التي شهدت اقتصاداتها بين الستينيات والتسعينيات قفزة في معدلات النمو تجاوزت 7% سنويا لثلاثة عقود.
مع بدايات القرن الحادي والعشرين، خرجت تلك الاقتصادات من حيز الدول النامية إلى الدول المتقدمة ذات الاقتصادات عالية الدخل، وتخصصت في مجالات تنافسية.. فأصبحت هونج كونج وسنغافورة من المراكز المالية الرائدة في العالم، فيما أصبحت كوريا الجنوبية وتايوان من رواد تصنيع المكونات والأجهزة الإلكترونية.
لذلك تعد تجربة هذه الدول الاقتصادية الناجحة بمثابة نماذج تحتذى للعديد من الدول، ومنها دول بمنطقتنا العربية.
وبحسب البنك الدولي، فإن الفضل في معجزة شرق آسيا ترجع إلى السياسات النيوليبرالية، التي تسببت في ازدهار الاقتصاد بتطوير التصنيع الموجه بالصادرات وخفض الضرائب وتحسين مستوى دخل الفرد.. في حين يرجع علماء الاقتصاد أساس معجزة النمور الآسيوية حتى الأزمة المالية الآسيوية عام 1997 إلى سياساتها الموجهة نحو التصدير وسياسات التنمية القوية، والتي أسهمت في تحقيق نمو مستدام سريع وزيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
لكن لماذا لم تنجح الدول النامية -كبعض الدول العربية- في تكرار تجربة النمور الآسيوية، رغم تحقيقها معدلات نمو مرتفعة؟
الإجابة، يسوقها رئيس وزراء مصر الأسبق، الدكتور أحمد نظيف، في أحد المؤتمرات، حين أكد أن المصريين لا يشعرون بثمار التنمية رغم معدلات النمو المرتفعة "بسبب الانسداد في شرايين الاقتصاد، والتي تحجب ثمار النمو في الطبقات العليا، وتتساقط القليل من تلك الثمار على غالبية الطبقات، وبالتالي لا يشعر المواطن البسيط بهذا النجاح الاقتصادي".
ورغم ما تحققه اقتصادات بعض دول المنطقة، ومنها مصر، لا يزال المواطن البسيط لا يشعر بثمار هذا التطور الاقتصادي -إذا جاز التعبير- فهل هذا النمو خادع؟
يمكن أن تكون الإجابة الشافية لتساؤلات النمو الخادع في تحليل للمركز المصري للدراسات الاقتصادية بشأن تضاعف الاقتصاد المصري مثلا نحو 3 مرات في 6 سنوات، وهي معدلات رسمية، إلا أن المواطن البسيط لا يشعر بثمارها.
وبحسب التحليل، فإن المركز المصري يرى أن النمو الجاري أو الاسمي، هو مؤشر "غير دقيق ولا يعكس حقيقة الأداء الاقتصادي وتطور حجم الإنتاج الفعلي، بقدر ما يعكس ارتفاع معدل التضخم في مصر خلال الفترة الأخيرة".
ولكي يتضاعف حجم الناتج المحلي الإجمالي لأي دولة بشكل حقيقي 3 مرات خلال 6 سنوات، لا بد من تحقيق معدل نمو تراكمي قدره 20% سنويا، مع تحييد أثر التضخم لبيان التطور الحقيقي في حجم الناتج المحلي.
ورغم أن معدل النمو مؤشر مهم، فإن هيكله ومصادره القطاعية وكذلك توزيعه الجغرافي أكثر أهمية، وذلك لبيان مدى عدالته واستدامته.. فمثلا نمو قطاعَي البناء والتشييد والأنشطة العقارية لا يسهم بشكل حقيقي في حل أزمة البطالة، فهي قطاعات غير إنتاجية لا تخلق فرص عمل مستدامة مثل قطاع الصناعات التحويلية.
كما أن تحقيق إقليم بعينه داخل الدولة 50% من الناتج المحلي الإجمالي، ينطوي على عدم عدالة جغرافية شديدة في توزيع ثمار النمو، خاصة من حيث خلق الوظائف.
ومع معاناة القطاع الخاص من مشكلات جوهرية في بعض اقتصادات المنطقة -ما أدى لتراجع نصيبه من الاستثمارات بصورة كبيرة- فإن الاستثمار -كأحد أهم محركات النمو- لا يزال يواجه تعقيدات كبيرة في الواقع.. وبالتالي فالحكومات تحتاج إلى مراجعة سياساتها حتى يشعر المواطن بثمار النمو، بالبحث عن علاج لانسداد شرايين الاقتصاد عبر حلول سريعة وناجعة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة