الروائي المصري عادل عصمت يكشف لـ"العين الإخبارية" أسرار "الوصايا"
الروائي المصري عادل عصمت يستعرض من خلال روايته "الوصايا" تاريخ أسرة مصرية لفترة تقترب من 100 عام
ظهور اسم الروائي المصري عادل عصمت ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية هذا العام أثار بهجة الكثير من المتابعين لأعماله، فهو الرجل الذي لم يغادر مدينة طنطا، وظل على مدار عقود يكتب وينشر دون أن ينشغل بأمور قد تعطل مشروعه.
لم يلتفت "عصمت" لصخب القاهرة، وغواية وسط البلد، حتى برز اسمه عندما فاز بجائزة نجيب محفوظ، التي تمنحها الجامعة الأمريكية بالقاهرة منذ عامين، عن روايته "حكاية يوسف تادرس"، وكان قد فاز بجائزة الدولة التشجيعية قبل سنوات عن روايته "أيام النوافذ الزرقاء".
وفي روايته "الوصايا"، التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية هذا العام، استعرض عادل عصمت تاريخ أسرة مصرية لفترة تقترب من 100 عام، وكأنه يحكي من خلالها حكاية مصر كلها.
وقد ظل صاحب "حالات ريم" يحلم بكتابة هذه الرواية طيلة 30 عامًا، وكتبها لأول مرة عام 2002، غير أنه لم يرض عنها، إذ كانت بلا روح، إلى أن اتضحت معالمها، واستوت تمامًا، لتخرج على النحو الذي ظهرت به الآن، وكان لـ"بوابة العين الإخبارية" معه هذا الحوار..
رغم أن "الوصايا" تعتبر رواية أجيال، وربما نصفها بـ"الملحمية"، لا يوجد حشو كثير أو تفاصيل زائدة، ويبدو كل جزء وصية بموضعه تمامًا.. كيف نجحت في الإمساك بنصك هكذا؟
عندما تريد أن تكتب نصاً تستغرق أحداثه سنوات طويلة، فإنك في ورطة، كيف يمكنك أن ترتب الأحداث وتحتفظ بالإيقاع بحيث لا يختل؟، وإن نظرت إلى تراث الأعمال السابقة التي تناولت تعاقب الأجيال، وحاولت النسج على منوالها، فأنت في ورطة أيضاً، لأن هذه الأعمال بنت زمنها، يعني "الثلاثية" كتبت في بداية الخمسينيات وقتها كان للزمن إيقاع مختلف، سرعة السيارات ربما لم تكن تصل إلى 100 كليو في الساعة، ولم يكن التلفزيون موجوداً، يعني مظاهر حياة مختلفة وإيقاع مختلف، فكان لابد من الانتظار طويلا، وربما اليأس أحياناً، حتى أتوصل إلى حلول تقنية تساعدني على نقل هذا العالم الصاخب الممتد، وتحولات الحياة العائلية، وذبول النمط القديم، وكيف يتوارى الماضي داخل الحاضر، ومتابعة تحولاته دون الإخلال بالإيقاع.
في "حكاية يوسف تادرس" كان البطل مشغولاً بمواجهة المجتمع بالفن والإبداع، وفي "صوت الغراب"، وعلى الرغم من الجو الفانتازي إلا أنه كانت هناك مواجهة أيضًا سعيًا للحرية وطلبًا لها، وفي "الوصايا" لا توجد مواجهة، بل استعراض لتاريخ أسرة تتداعى، هل في ذلك رسالة مبطنة تدعو للاستقواء بالماضي المزدهر في مواجهة الحاضر المضطرب؟ وهل يمكن للحنين أن يكون سلاحًا لمواجهة عنف الحياة وقسوة الحاضر وضبابية المستقبل؟
أظن أن الراوي في "الوصايا" يمر بلحظة اضطراب، وأنه يستعيد الماضي كي يتعلم منه، لكن الماضي له ظروفه وعالمه، ولا يمكن تكراره، ويعلن في نهاية الرواية أنه لم يتمكن من الاستفادة من الوصايا، وربما كانت عبئاً ثقيلاً عليه التخلص منه، وتتحول الوصايا في النهاية إلى حدود بعيدة لايمكن الوصول إليها، ويبدو أنه في طريقه لأن يدرك أنه لا سبيل لإقامة الحياة السابقة مرة أخرى، وأن عليه أن يبتكر وصايا جديدة بالاعتماد على القديمة، كما قام أهله بتطعيم الدار الجديدة بلبنات من الدار القديمة، كل حياة هي تُجدد لكن بالاعتماد على القديم.
إن قُرئ هذا على أنه حنين واستقواء بالماضي فقد قُرئ بطريقة خاطئة، أو أنه مكتوب من الأصل بطريقة خاطئة، الأمر هنا ليس أمر حنين، إنه تأمل في عوامل الهدم والبناء، في الطريقة التي يتم بها تغيير الحياة، والتي يعمل بها الزمن أثناء مروره، وبمصطلحات علم الاجتماع تأمل في التغير الاجتماعي، تقريبا تأمل في الزمن، وما يفعله بالناس والعلاقات وكيف تتبدل، لا أظن الأمر هنا حنينا.
وأنت بشكل شخصي ما علاقتك بالحنين؟
تجربة الحنين تظهر بشكل واضح عند المغتربين عن بلادهم، والمهاجرين الذين يحنون إلى طفولتهم وشبابهم في مسقط رأسهم، وعند الشعوب التي تخلق أسطورة زاهية للماضي في مقابل الحاضر الباهت.
أساس تجربة الحنين هو الرغبة في استعادة الجنة المفقودة، وبالنسبة لي وأمثالي ممن عاشوا في نفس المكان ومروا في نفس الشوارع من أيام طفولتهم حتى شيخوختهم فلا مجال للحنين، لم تكن هناك جنان فقدناها حتى نحن إلى استعادتها، إن حنيننا يتوجه ناحية المستقبل وأملنا لا ينطفئ، رغم قلة الشواهد على تحققه، أن نرى قبل الرحيل حياة فيها قدر من الحرية والعدل، هذا هو الحنين.
هل يمكن أن نسحب الرواية على مصر بشكل عام، بمعنى أن ما حدث للأسرة هو ما حدث لمصر خلال عقود طويلة، وأنك أردت أن تحكي حكاية مصر في تلك الفترة عبر التقاط سيرة أسرة تعبر عن ذلك؟
تاريخ بلادنا معجون داخل سيرتنا الشخصية بشكل لا يمكن فصمه، لو تعمقت في حياة أي أسرة يمكنك أن تصل إلى لمحات من تاريخ البلاد، لكنها في النهاية تاريخ أسرة لا تاريخ مصر.
ينعكس التاريخ العام في حياة الأفراد بطريقة خاصة وفريدة، وعلى الروائي أن يكون واعيا بالأمر، وهنا الفارق بين كتابة التاريخ وكتابة رواية عن تحولات أسرة، لا أقول تداعي أو انهيار لأنني أراها تغيرا وليس تداعيا ولا انهيارا، من أدراني؟ ربما كان الطور الحالي لحياة أسرة أفضل بالنسبة لمن يعيشونه أكثر من الأطوار السابقة. على كل الأحوال أحد هموم رواية الوصايا أن تتأمل كيف عاش الناس في هذا البلد يزرعون الأرض آلاف السنين، ثم حدث أن تحول الكثير منهم عن الزراعة بالتدريج منذ منتصف القرن العشرين، من هذه الزاوية يمكن اعتبارها حكاية وطن أكثر من تلك الزاوية المشهورة في تتبع الحوادث العامة مثل ثورة 52 وحرب 67 وغيرهما، لأنه كما ذكرت سابقا التاريخ ينعكس في حياة الأفراد بطريقة مختلفة عن الطريقة التي يظهر بها في وسائل الإعلام وحتى في كتب التاريخ.
عرفت منك أنك ظللت تحلم بكتابة الرواية لـ30 عامًا تقريبًا.. ما الذي عطل الكتابة كل هذه السنوات؟
لم أكن أمتلك الخبرة الفنية ولا البصيرة التي تمكنني من بناء تلك الحياة بكثافتها وتعقيدها، كان عليَّ أن أصبر طويلا وأيأس أحيانا من قدرتي على إنجاز هذا العمل، في المخطوطة التي كتبتها عام 2002، كل العناصر كانت موجودة لكن الروح مفقودة، هذا البريق الذي لا يمكن تحديد مصدره، القصة موجودة على الورق لكنها ميتة لم تنتعش روحها إلا بعد ذلك بسنوات، عندما عثرت على تيمة الوصايا كمدخل للكتابة، عندها أصبحت كل تفصيلة حية وأخذت مكانها، واستعادة حياتها الخبرات القديمة التي ظننت أنها ماتت إلى الأبد.
وهل عندما جلست لتكتب مؤخرًا أجريت تعديلات على فكرتك في سيرتها الأولى، أم احتفظت بها كما خطرت لك؟
كل شيء تغير، كتبت الرواية مرة أخرى رغم الاحتفاظ بالقصة نفسها، فالتفاصيل العامة لحكاية العائلة ظلت كما هي، نبرة الحكي تغير كل شيء، والحل الفني الذي عثرت عليه أتاح للتفاصيل أن تأخذ مكانها وتتطور الشخصيات بشكل منطقي وطبيعي.
ماذا تكتب الآن؟
أحاول الآنتهاء من رواية جديدة وإعداد مجموعة قصص للنشر.
aXA6IDE4LjIyMS45MC4xODQg جزيرة ام اند امز