تسريبات "باب الحارة 10" تنبئ بفصل جديد من الاستثمار التجاري
تسريب معلومات الجزء الجديد يوحي بأن الصورة النهائية ستحيلنا لمسلسل جديد يكاد لا يكون له علاقة بمسلسل "باب الحارة" إلا بالاسم.
دخل مسلسل "باب الحارة" في جزئه الـ10 المفترض أن يبدأ تصويره مطلع العام المقبل، فصلاً جديداً من حالة الاستثمار التجاري لنجاحه، ولكن هذه المرة ليس من باب المبالغة بتوظيف عوامل نجاحه وإنما بتجاهلها، وذلك وفق ما يوحي به ما يتسرب من معلومات عن نص المسلسل الذي يتداوله ممثلو العمل، إضافة إلى المعلومات التي تتعلق بالمفاوضات التعاقدية التي تجري مع ممثلي الجزء الجديد، ولا سيما تلك التي تخص الممثلين الجدد الذين سيظهرون للمرة الأولى في المسلسل.
وإذا ما أضفنا إلى كل سبق، حالة التغييب التي ستطرأ على شخصيات فاعلة في الحكاية الأصلية مثل شخصية "أبو عصام" التي أدّاها الفنان عباس النوري وتهميش آخرين فيها، فضلاً عن اعتذار عدد من الممثلين عن تقديم أدوارهم رغم حضورهم الواسع فيها، مثل الفنان مصطفى الخاني الذي أدى في المسلسل شخصية "النمس"، وإعادة ممثلين آخرين للعمل مجدداً بعد أن غابوا عن أجزائه السابقة، ستحيلنا هذه الصورة النهائية الكاملة إلى مسلسل جديد يكاد لا يكون له علاقة بمسلسل "باب الحارة" إلا بالاسم.
لطالما قلنا أن مسلسل "باب الحارة" ضلّ الطريق حين انخرط في حالة من الاستثمار التجاري والفكري لنجاحه، متجاهلاً منطقه الدرامي بوصفه دراما تشبه حكايات الجدات، تنهل حكايتها الافتراضية من الموروث الدمشقي ما يجعلها تنتمي إلى المكان والتاريخ المفترضين لها، أي دمشق في عشرينيات القرن الماضي، ولكنها أبعد ما تكون عن تأريخ المدينة وحال ناسها، إّذ تنطوي على مساحة واسعة من الخيال، ابتداء من وجود الحارة نفسها في الجغرافية الدمشقية، أي حارة الضبع، مروراً بشكل إدارة المجتمع فيها والقوانين الوضعية فيها وسواها.
ومع الإعلان عن قيام الدكتور فؤاد شربجي بكتابة الجزء الـ10 من مسلسل "باب الحارة" وهو واحد ممن كتبوا مسلسلات ناجحة عن البيئة الشامية يعتد بها، قلنا إن العمل أمام فرصة حقيقة ليعود إلى منطقه الفني، وينهي حالة الاستثمار المجاني لعوامل نجاحه التي شهدناها طيلة الأجزاء الـ7 الأخيرة من المسلسل، وقد اقترحنا لتحقيق ذلك خيارين؛ إما إحداث قفزة زمنية في حكاية المسلسل، تتغير خلالها أبعاد شخصياته الاجتماعية والنفسية واتجاهاتها الفكرية، وهذا ما يفرض بالضرورة الإطاحة بعدد لا بأس به من شخصيات المسلسل، على الأقل جيل الآباء منهم، أو إبقاء الشخصيات على حالها، ولكن مع إعادة الحكاية إلى منطق حكايات الجدات.
وبتجميع فسيفساء ما تسرب من معلومات عن النص الجديد الذي كتبه الدكتور فؤاد شربجي، يبدو أن هذا الأخير قد عمل على نحو يشبه جزئياً مقترحنا الأول الذي يفترض بالضرورة قفزة زمنية واضحة في رواية الأحداث، إلا أن ما يتسرب من معلومات عن الجزء الجديد، يؤكد أنه ليس هناك قفزة زمنية حقيقية في أحداث العمل، إذ يقال أن من بين الشخصيات التاريخية التي ستتناولها حكاية المسلسل، شخصية الطبيب والسياسي السوري والمفكر عبدالرحمن الشهبندر، أحد أهم الشخصيات في "الثورة السورية الكبرى" ضد المحتل الفرنسي.
فإذ ما أخذنا بالاعتبار أن الرجل أُغتيل في 6 يوليو/تموز عام 1940، فهذا يعني أن جزء من حكاية المسلسل ستدور في فلك هذه الفترة، قبلها بقليل أو بعدها بقليل، وللتذكير لمن غفل فإن اسم عبدالرحمن الشهبندر كان تم تداوله في الجزء الـ8 من مسلسل "باب الحارة".
ووسط أحداث هذا الجزء من المسلسل أيضاً كنا شهدنا تفاعل شخصياته مع قيام قوات الاحتلال التركية بسلخ لواء اسكندرون عن الوطن الأم سورية في عام 1939، بمعنى أن جزءاً جديداً من مسلسل "باب الحارة" لا بد أن تبدأ أحداثه في عام 1939 أو بعد هذا التاريخ، شريطة ألا تمضي كثيراً بعيداً عن يوليو/تموز 1940 تاريخ اغتيال الدكتور الشهبندر، إلا أذا كنا سنشهد ضمن حلقات المسلسل نفسه، عدة قفزات زمنية واسعة لدرجة تغييب شخصيات وإظهار أخرى، وهو الأمر الذي لا نعتقده، لأسباب إنتاجية بأضعف الأحوال.
وباستبعاد فكرة أن يُحدث المسلسل قفزات زمنية ضمن الحلقات نفسها لا ابتداء من حلقته الأولى، يشترط الحديث عن الشهبندر في أحداث العمل خلال فترة زمنية لأحداثه قريبة من عام 1940، الأمر الذي يفترض أن نتابع أحداثاً جديدة في النسخة الـ10 من "باب الحارة" لم يمض عليها سوى عام أو عامين على الأكثر، الأمر الذي يخالف منطقياً الحديث عن تغييب شخصيات من حارة "الضبع" والحارات المجاورة، وتهميش أخرى في الجزء الجديد من الحكاية، إلا في حالة واحدة هي أن تدور أحداث الجزء الجديد بكاملها في الفترة الزمنية ذاتها، أي عام 1940، ولكن في فضاء مكاني جديد لم نعرفه في الأجزاء السابقة.
نتحدث هنا عن فضاء مكاني لا موقع تصوير إضافي، وبالتالي نحن في هذه الحالة لسنا أمام جزء جديد من "باب الحارة"، وإنما مسلسل جديد تماماً، وما الإبقاء على عدد من الشخصيات التي عرفناها في مسلسل "باب الحارة" إلا نوعاً من الاستثمار التجاري لاسم المسلسل، وإيجاد مبرر لنسبه إلى الأجزاء السابقة.
ووفق الخيارات الجديدة لما سيعرف بأنه جزء 10 من "باب الحارة"، ربما سيتوقف الجدل عما إذا كان ما يحدث فيه من أحداث يمت لتاريخ مدينة دمشق أو لا، وربما سينتهي سيل الاتهامات بأن المسلسل يسئ لتاريخ الشام أو يقوم بتزويره، وربما سيمتلك المسلسل المبرر المنطقي لطرح قضايا أكثر عمقاً مع ظهور شخصيات مثقفة ليس بالشكل الزخرفي الذي شهدناه في الأجزاء السابقة.
ولكن المسلسل بالتأكيد سيعلن القطيعة مع عقولنا وهو يستخف بها حين يقدم حكايته على أنها جزء 10 من مسلسل "باب الحارة" من دون قفزة زمنية تبرر تغييب شخصيات بالجملة وتهميش أخرى، وهو بطبيعة الحال سيخالف بذلك قواعد اللعبة الفنية التي تقتضيها لعبة الأجزاء، ورغم أنه قد يصحح جملة المعلومات والمظاهر المغلوطة التي كرستها الأجزاء السابقة من مسلسل "باب الحارة" إلا أنه في الوقت ذاته، سيكون مثلها منحازاً ، على حساب المنطق الفني، لحالة الاستثمار الاستهلاكي التي سقط في هوتها "باب الحارة" منذ زمن طويل ويبدو أن لا أمل في خروجه منها.
aXA6IDMuMTMzLjE1Mi4xODkg جزيرة ام اند امز